تاريخ كنائس بلاد مابين النهرين (تكملة الجزء الثاني)
أعزائي نتابع معكم اليوم مابدأناه في المقالة السابقة حول الدَّورَ الرَّئيسيَّ والهام الذي لعبته مدينة أنطاكيَّة الواقعة داخلَ الحدودِ التركيَّة في تاريخ المسيحيَّة، واليوم نتحدث اضطهادات الدولة الرومانية بحق المسيحيين.
إنَّ الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة التي تركتِ المسيحيَّة تنشَط دونمَا متسلطٍ عليهَا أو رَقيب عقبَ صُدُور فرَمان (ميلانو) سنة ثلاثِمِئةٍ وثلاثة عشَر، كانتْ في الواقع قدْ حاولتْ على إمتدادِ مئتيْن وخمسينَ عاماً أنْ تقهرَ المسيحيَّة وتسحَقهَا سواءً بإرتكابِ أعمَال البَطش والتنكيل أو بإستباحَةِ الأروَاح والأموَال. ففي كثير منَ الأحيان، كانَ الناسُ الذينَ يعتنقونَ هذا الدينَ يتعرَّضونَ إمَّا للتعذيب أو يُساقونَ لِلذبح. فيمَا هرَبَ المسيحيُّونَ الذينَ عانوا الأمرَّيْن منْ كلِّ أشكال الإضطهادِ والطُّغيان والتعذيب وعمليَّاتِ القتل الجَّماعي التي كانتْ روما تمارسُهَا بحقهم، هربوا إلى الجبال والمُرتفعات.
– وبالرَّغم منَ الإضطهاداتِ الصُّغرَى المحليَّةِ منها والإقليميَّة التي مارسَتها إمبراطوريَّة روما ضدَّ المَسيحيين، إلاَّ أنه توجَدُ هنالكَ عشرُ إضطهاداتٍ كبرَى أذاقتِ المسيحيينَ الذي كانوا يعيشونَ تحتَ نير وغطرسةِ الإحتلال الرُّوماني أشدَّ أنواع الذلِّ والهوَان.
– فقدْ حصَلَ الإضطهادُ الأوَّلُ في عهدِ (نيرون) قيصَر الذي أحرقَ العاصمَة رومَا، وقدْ بدأ في التاسعَ عشَرَ منْ تمُّوز سنة أربَع وستينَ ميلاديَّة واستغرقَ حتى وفاةِ (نيرون) سنة ثمانيَ وستين. وإبَّانَ هذا الإضطهادِ، يَستشهدُ التلميذان الملقبَان بعَمُودَيِّ الكنيسَةِ سنة سَبْع وستينَ للميلاد، حيثُ يُصلبُ بطرُسُ الرَّسول بشَكل مقلوبٍ أي رأسُه إلى الأسفل وقدَماه للأعلى. أمَّا بولص الرَّسول فلمْ يتمْ صلبُه بلْ قطِعَ رأسُه بأمر منْ (نيرون) قيصَر رومَا. ويعودُ سببُ تنفيذِ حكم الإعدام ببولص نحراً، على إعتبارهِ يونانيُّ الأصل، ولأنَّ الصَّلبَ بالنسبةِ لليونان كانَ رمزاً وعلامَة للخِزي والعَار.
– الإضطهادُ الثاني جرَى في عهدِ القيصَر (دومِتيانوس). وقدْ بدأ سنة أربَع وتسعينَ ميلاديَّة واستمرَّ نحوَ سنتيْن أي حتى وفاةِ الملك (دومِتيانوس).
– الإضطهادُ الثالث تمَّ بأمر منْ (تاريانوس) قيصَر، حيثُ بدأ مطلعَ القرْن الأوَّل أي سنة مئةٍ للميلاد لينتهيَ بوفاةِ الملك. وكانَ (مار إغناطيُّوس النوراني) ثالثُ بطاركةِ الكرسيِّ الأنطاكي قدْ زُجَّ بهِ في ساحةٍ وبأمر منْ القيصَر (تاريانوس) ليكونَ فريسة للوُحُوش والأسُودِ الضَّاريَة.
– الإضطهادُ الرَّابع الذي ظهرَ سنة مئةٍ وأربَع وعشرينَ ميلاديَّة أيَّام حكم القيصَر (أرديانوس)، استمرَّ لغايةِ وفاتِهِ سنة مئةٍ وثمانيَ وثلاثين، والذي كانَ ينفثُ صدرُهُ تهديداً وتقتيلاً للمسيحيينَ بمَنْ فيهم كهنة وآباءُ وأساقفة الكنيسَة. وقدْ دمَّرَ هيكلَ سليمانَ الكبير في أورَشَليم وبنى على أنقاضِهِ تمثالَ (زيوس) إلهُ السَّماءِ والرَّعدِ الذي كانَ يعبُدُه اليونانُ الإغريق.
– الإضطهادُ الخامس بدأ سنة مئةٍ واثنتيْن وستين ميلاديَّة زمنَ القيصَر (ماركوس أوريليوس) الذي ناهضَ المسيحيَّة واعتبرَهَا مصدرَ تهديدٍ للإمبراطوريَّة، لكنَّ هذا الإضطهادَ لمْ يكنْ شديدَ العنفِ قياساً معَ غيرهِ منَ الإضطهادات.
– الإضطهادُ السَّادس تمَّتْ ممارسَتُه سنة مئتيْن واثنتيْن ميلاديَّة في عهدِ القيصَر الرُّوماني (سيفتيموس)، وقدِ استمرَّ نحوَ خمسةٍ وعشرينَ عاماً، لذا يُنظرُ إليهِ على أنه الأكبرُ والأشدُّ عنفاً وضراوة منْ غيرهِ، بحيثُ بدأ المسيحيُّونَ في تلكَ الفترةِ مضطرِّينَ للإختباءِ في القبور والكهوفِ والجبال منْ أجل إقامةِ وممارسَةِ شعائرَ الصَّلاة. وراحَ ضحيَّة هذا الإضطهادِ أعدادٌ لا طائلَ لهَا منَ المسيحيين، وقدِ انتهى بوفاةِ الملكِ (سيفتيموس) سنة مئتيْن وسَبْع وعِشرينَ للميلاد.
– الإضطهادُ السَّابع حصلَ سنة مئتيْن وثلاثٍ وخمسينَ ميلاديَّة في عهدِ حكم (مَكسيموس) قيصَر رومَا. وقدِ ارتُكبَتْ خلاله عمليَّاتُ قتل العديدِ منْ معلمي وكهنةِ وآباءِ الكنيسَةِ، كمَا نفِيَ الكثيرونَ إلى جزيرةِ (سَردينيا) الواقعة في البحر الأبيَض المتوسط بينَ إيطاليا وإسبانيا وشمال أفريقيَّا وكورسيكا. وتمَّ أيضاً حرقُ كنائس المَسيحيينَ وتدميرُهَا لتُطوَى بذلكَ مرحلة أخرَى منْ مراحل الإضطهاداتِ العنيفةِ التي تعرَّضَ لهَا المَسيحيُّونَ بوفاةِ الملكِ (مَكسيموس).
– الإضطهادُ الثامن حصَلَ في الحُقبَةِ التي حكمَ فيها روما القيصَر (كايوس يوليوس) وذلكَ سنة مئتيْن وخمسينَ ميلاديَّة. ومعَ أنها لمْ تجُرْ إلاَّ وقتاً قصيراً، غيرَ أنَّ الإضطهادَ كانَ قدْ عمَّ معظمَ أرجاءِ الإمبراطوريَّة. وفي عهدِ (كايوس)، استُبيحَ قتلُ المسيحيينَ بشتى الطُّرُق ووَسائلَ التعذيبِ الوحشيَّةِ كحرق أجسادِهِم بالإسفلتِ المَغلي وتقطيع أوصالِهم وعصرهِم تحتَ تأثير العجَلاتِ والأدواتِ الحادَّة.
وأمَّا الإضطهادُ التاسع فقدْ مُورسَ بأمر منْ (فاليريان) قيصَر رومَا سنة مئتيْن وسَبْع وخمسين، حيثُ كانَ يتوقفُ حيناً ويشتدُّ حيناً آخر، وقدِ استمرَّ لغايةِ سنةِ مئتيْن وخمس وسَبعين.
– وأخيراً واجه المسيحيُّونَ الإضطهادَ الأكبرَ والأعنفَ في تاريخِهم، والذي ظهرَ سنة ثلاثِمِئةٍ واثنتيْن ميلاديَّة واستمرَّ زهاءَ أحَدَ عشرَ عاماً أي حتى سنةِ ثلاثِمِئةٍ وثلاثَ عشْرَة، وأسفرَ عن الإقرار بالعقيدةِ المسيحيَّةِ واعتمادِهَا ديناً رسمياًّ في الإمبراطوريَّة. ومنذ أن اعتلى (ديوقليديانوس) عرشَ روما دخلَ في حربِ إبادةٍ دونَ هوادة واضعاً مخطَّطاً هائلاً ليُبيدَ المسيحيَّة ويقضيَ عليهَا، وقدْ بنى خِطَّتَه على أربَع نِقاطٍ:
أوَّلها: قتلُ رجال الدين.
ثانيها: إحراقُ الكتبِ المقدَّسة.
ثالثها: هدمُ الكنائس. وأخيراً حرمانُ المسيحيينَ منَ الوظائفِ العامَّة. ثمَّ عادَ
وأصدرَ مرسوماً بالقضاءِ المبرَم على جَميع المَسيحيين، وقدْ جاءَ بنفسِهِ إلى مِصرَ ليتشفى بقتل المَسيحيينَ بيدِهِ لأنه حسَبَ رأيهِ في مصرَ كانتْ تكمُنُ “رأسُ الحيَّةِ”. وبعدَ وفاةِ (ديوقليديانوس) سنة ثلاثِمِئةٍ وسِتٍّ للميلاد، تولَّى الإمبراطور (مَكسيميانوس هرموليوس) حكمَ رومَا. وقدْ شهدَتِ البلادُ في عهدِهِ إضطهاداتٍ أشدَّ عنفاً وعذاباتٍ أكثرَ قسوَة، حيثُ قامَ بتطبيقِ عقوبةِ الموتِ صلباً بحقِّ المَسيحيينَ في بلادِ ما بينَ النهريْن. وكانَ يخلعُ أظافرَ بعض المؤمنين ثمَّ يصُبُّ عليهَا الرَّصاصَ السَّائل، ويقليَ البعضَ الآخرَ منهُم بتعريضِهم للنار على صوانيَ كبيرةٍ، كمَا أحرقَ مدينة (فرودِيَا) بمَنْ فيهَا منَ البشَر واستحالتْ إلى حُطام ورَماد.
يُتبع…………
الجمعية الثقافية السريانية تحيي ذكرى الأديب والملفان نعوم فائق
زالين (القامشلي)_سوريا شهد مقر الجمعية الثقافية السريانية في مدينة القامشلي بمقاطعة الجزير…