24/02/2020

الحركة الشعرية في الجزيرة السورية

أرض الجزيرة السورية المعطاء بخيراتها لم تبخل بالإبداع فأنجبت شعراء أضافوا بصمات جديدة على مسيرة الشعر السوري وضخوا دماء متجددة في شرايين القصيدة فكانوا أنداداً لايستهان بمقدرتهم الكتابية

من حيث التعامل مع المفردة الشعرية ومن حيث استقطاب الكلمة الجميلة القادرة على تحديات الانتقال التي تمر بها القصيدة العربية ومراحل المخاض العسيرة فكانت القصائد المنتجة في هذه المنطقة تصور بغالبيتها الانسان البسيط في حياته وسط امتزاج مألوف بين حضارات متعددة وتاريخ يكاد يكون مشتركاً لولا بعض العادات الاجتماعية التي تمنح هذا الواقع تمايزاً ومماحكة هي أقرب الى المواربة المدهشة في تفاعلاتها الإيجابية البناءة والخلاقة , فطبيعة الجزيرة السهلة الممتنعة أورثت الشفافية لأبنائها وأعطت زخماً إبداعياً لشعرائها فكان الحزن بمفهومه الشامل هو السمة المهيمنة على معظم المنتج الإبداعي وكانت قصائد الشاعر جورج سعدو الذي رحل عن ديوانين شعريين هما : صرخة الحق و أنغام الحب في ثمانينيات القرن المنصرم صورة صادقة عن بدايات الحركة الشعرية حيث كان العمود الشعري هو الركيزة المحببة في شكله الشعري وتبعه بعد ذلك الشعراء أحمد الدريس وصالح المسلط ومعشوق حمزة وجاك صبري شماس وجميل داري وموفق حمو (مردوك الشامي) فالشاعر أحمد الدريس ومنذ ديوانه الولادة من خاصرة الموت وحتى ديوانه الأخير أيها الأرمني الجميل وهو يمتطي صهوة القصيدة بكل وضوح عابراً سهول اللغة الشعرية عن سابق إصرار وترصد فيكتب شعر التفعيلة بلغة سيابية لاتخفي تأثره بالشاعر بدر شاكر السياب في بعض القصائد القليلة التي تثبت تفوقه الشعري وكذلك الحال لدى الشاعر محمد معشوق حمزة وخصوصاً في ديوانه المعنون في أي رحم من السنة القادمة حيث يشترك مع الشاعر الدريس في تمكنه من امتلاك ناصية الكلمة أما الشاعر جاك صبري شماس فما زال يدور في فلك الحفاظ على كلاسيكية القصيدة وديوانه جراح الخابور هو الديوان الأبرز حسب رأيي في سلسلة دواوينه التي تحمل الهم الوطني والموضوع المقاوم أما الشاعر جميل داري فأخذ القصيدة إلى مجالات أرحب وأكثر دفقاً من الناحية الإبداعية فبعد تنكره لديوانه الأول : السفر إلى عينيك قبل المنفى وهو يخوض في حالة البحث عن القصيدة التي تصلح لأن تكون كائناً من لحم ودم ونجح في تقديري إلى حد كبير بذلك ويشترك في سمة البحث معه الشاعر موفق فؤاد حمو (مردوك الشامي) في ديوانه : أسئلة ساذجة وإن كانت إقامة هذا الأخير في لبنان وعمله في الصحافة اللبنانية قد حدت من إنطلاقته الإبداعية لصالح الزوايا الصحفية أما الشاعر صالح هواش المسلط المقل بنتاجه الشعري فقد ظلم نفسه كثيراً وسها عن موهبته الكبيرة في الكتابة وانغمس في تفاصيل الحياة اليومية لا في كتاباته وإنما بالسعي خلف أمور معيشية واتجه إلى الكتابة للأطفال وهناك الشاعر بندر عبد الحميد الذي لم تتح الفرصة لأقرأ أشعاره المنشورة قبل اتجاهه الى كتابة الرواية أما الشاعر الكبير سليم بركات وهو ابن الجزيرة أيضاً فيعيش في الخارج وحسب رأيي فإنه تجاوز العامل الجغرافي رغم موضوعاته التي تعنى بقضايا بني جلدته من الأكراد كما في ديوانيه: موسيسانا والكراكي وغيرهما وفي مرحلة التسعينيات كان الشلال الشعري الذي استطاع أن يحفر في صخور الحركة الشعرية مجرىً كبيراً وتعددت الأشكال الشعرية والإبداع واحد فبرزت أسماء شعرية لامعة في خريطة الشعر السوري وهي : منير محمد خلف وأديب حسن محمد و علي جمعة الكعـود وخلدون ابراهيم ابراهيم وعيسى الشيخ حسن وعبد السلام العبوسي وعبد محمد البركو في مجال قصيدة التفعيلة أما في مجال قصيدة النثر فهناك الشعراء محمد المطرود ومحمد عارف حمزة والمرحوم محمد أحمد العجيل وحسين محي الدين سباهي فالشاعر منير محمد خلف قامة إبداعية مشحونة بالصور الشعرية وهو يكتب قصائد تفعيلة نابضة بالحياة وتكاد تفر من دواوينه إلى عالم أسطوري ومن تلك الدواوين: غبار على نوافذ الروح وديوان لمن تأخذون البلاد وديوان وقت لبكاء الأصابع أما الشاعر أديب حسن محمد فيكتب قصيدة هرمية تركز على الشكل الفني وتخلو من روح القصيدة رغم إجادته في اقتناص اللحظة الشعرية ومن دواوينه : إلى بعض شأني وثامنهم حزنهم وكذلك الشاعر خلدون ابراهيم فيتميز بتقنية عالية في كتابة قصيدة التفعيلة ويعتبر ديوانه : وأما الجدار من الدواوين الجميلة القادرة على ترسيخ مفهوم تكامل القصيدة الشعرية أما الشاعر علي جمعة الكعـود فيسير بخطى ثابتة وقد حقق حضوراً لافتاً في كتابة قصيدة أنيقة تحتفي بالشعر وحده بعيداً عن المجازفة والترهل ومن دواوينه : ديوان قصائد آيلة للقنوط وديوان :نذر العاشق والشعراء الثلاثة: عيسى الشيخ حسن وعبد السلام العبوسي وعبد محمد البركو يشتركون في سمة الموضوع الشعري وتحديده قبل كتابة القصيدة وأيضاً في عملية إدارة الجوانب الفنية واللافت في حقبة التسعينيات ظهور قصيدة النثر بقوة على الساحة الشعرية وكثر كتابها على قلة المبدعين في كتابتها وبقيت هي الشكل الوحيد الذي استمر في الألفية الثانية على أيادي جولان حاجي ودلدار فلمز وغيرهم باستثناء الشاعرين فايز العباس وصدام النجم اللذين يكتبان قصيدة التفعيلة بجمالية متناهية فالحركة الشعرية في منطقة الجزيرة السورية حركة دائبة لاتتوقف عند هؤلاء المبدعين فقط بل تتجاوزهم إلى مبدعين آخرين سيولدون في الأيام القادمة.

بقلم: هدى سلمان

‫شاهد أيضًا‬

وفدٌ من منظمة بيث نهرين للمرأة يزور مكتب المنظمة في نوهدرا

بهدف تعزيز دور المرأة السريانية الآشورية الكدانية في العراق، زار وفدٌ من منظمة بيث نهرين ل…