محنة الشعب والوطن في الدولة العميقة!!!
بقلم الكاتب كاظم حبيب
لم يكن في مقدور القوى المعادية للشعب أن تؤسس وتنشر مؤسسات وميليشيات ومكاتب الدولة العميقة وتهيمن على الدولة بسلطاتها الثلاث والاقتصاد والشارع العراقي لسنوات طويلة لولا عدد من العوامل الأساسية التي تحتاج إلى رؤية تحليلية وتوفير السبل لتفكيك هذه الدولة غير الشرعية التي تعصف بالعراق وتؤسس لاستعماره واستعباد شعبه من قبل الدولة الفارسية الصفوية:
1- الطريقة الخارجية لإسقاط سلطة الدكتاتورية البعثية ثم احتلال العراق بقرار من الأمم المتحدة الذي وفر الأرضية للولايات المتحدة بالتحكم بالعراق والدخول بمساومات في المنطقة على حساب العراق وشعبه.
2- المساومة المخزية بين الدولتين الأمريكية والإيرانية على إقامة نظام طائفي محاصصي في البلاد الذي يؤسس لقاعدة استعمارية قديمة جديدة هي “فرق تسد!” لصفوف الشعب على أساس قومي ديني وطائفي. وقد سمحت هذه المساومة بمشاركة إيران في حكم العراق حتى في ظل احتلال الولايات المتحدة للعراق.
3- الموقف الانتهازي والمخزي السيء للأحزاب الإسلامية السياسية والأحزاب القومية العربية والكردية بموافقتها على إقامة الحكم الطائفي السياسي المحاصصي الفاسد في البلاد، وسعي كل منها إلى تحقيق مصالحه الذاتية على حساب مصالح الشعب والوطن.
4- الضعف الذي تميزت به القوى المدنية والديمقراطية العراقية، ومنها قوى اليسار والحزب الشيوعي العراقي، بسبب اضطهاد لسنوات طويلة في ظل حكم البعث الدكتاتوري الفاشي، وعجزها عن مواجهة المساومات الدولية والإقليمية والمحلية وإسقاطها. ثم المساومة والسكوت، بسبب الضعف أساساً، لما كان يجري والقبول بالعملية السياسية المشوهة والبائسة والمؤذية لمستقبل العراق وشعبه.
5- سكوت المجتمع الدولي والرأي العام العالمي على ما كان ولا يزال يجري في البلاد من قبل إيران وأتباعها من العراقيين والعراقيات سواء بنهب موارد البلاد المالية أو التدخل الفظ في شؤونه الداخلية أو في تشكيل علني مفضوح لمنشآت الدولة العميقة وميليشياتها ومكاتبها الاقتصادية. بل حتى سكت ولفترة غير قصيرة على اجتياح العراق من قبل الدعم وبموافقة مبطنة من النظام الطائفي المحاصصي بقيادة نوري المالكي والأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية (البيت الشيعي)، بأمل كسر شوكة السنة في العراق وكذلك كسر شوكة الشعب الكردي، حلفاء الأمس مع القيادة السياسة الكردية.
6- تأييد المؤسسات الدينية السنية والمرجعيات الدينية الشيعية إقامة نظام سياسي طائفي محاصصي في البلاد وتأييد الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية الطائفية المناهضة لأتباع المذهب السني وأتباع الديانات الأخرى، كالمسيحيين والصابئة المندائيين والإيزيديين …الخ، حتى بعد أن عمت رائحة الفساد والخضوع لإيران وولاية الفقيه الصفوية. وما خطب وكلاء المرجعية لدعم الإصلاح والسكوت الطويل عن أفعال الميليشيات الإرهابية والإجرامية سوى الخشية من فقدان أرضية مصداقيتها وشعبيتها بين الأوساط الشيعية التي عبر عنها المنتفضون بشعار “باسم الدين باگونة الحرامية” و “باسم الله هتكونة الشلاتية” و”إيران برَّة برَّة.. بغداد تبقى حرة”.
لقد سمح هذا الواقع بنشوء دولة داخل وفوق الدولة الرسمية الهشة والمحكومة بسياسة الطائفية.
لقد أصبحت الميليشيات المنبثقة عن الحرس الثوري والمرتبطة بالأحزاب الإسلامية السياسية التابعة لإيران والخاضعة لقرارات الحرس الثوري وفيلق القدس وقاسم سليماني قبل اغتياله، والتي يطلق عليها بالميليشيات الولائية (ولاية الفقيه) الدور المتحكم بالشارع والذي يبدو اقوى من القوات المسلحة الرسمية بسبب وجود من هم من الدولة العميقة في القوات المسلحة ومنها الحشد الشعبي الفاسد والخاضع للحرس الثوري الإيراني، رغم الخلافات والصراعات بين الميليشيات على الدور الأول في التحكم بالدولة والاقتصاد والشارع لتقديم أكبر الخدمة للسيد الإيراني! (راجع: تقرير الدكتور هشام الهاشمي الموسوم “الخلاف الداخلي بهيئة الحشد الشعبي، 2020”).
بدأت انتفاضة الجزء الواعي والمتقدم من بنات وأبناء الشعب العراقي في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019 تجري تغييراً تدريجياً في الساحة السياسية العراقية وتلعب يوماً بعد آخر دوراً أكبر في كسب المزيد من أبناء وبنات المجتمع إليها، وتعري في ذات الوقت طبيعة السلطة الطائفية الفاسدة والتسلطية وفاشية مؤسسات وميليشيات الدولة العميقة في مواجهة انتفاضة الشعب. الانتفاضة كانت امتداداً للحركة المدنية التي كانت تطالب الإصلاح منذ عام 2011، في حين طرحت الانتفاضة شعاراً أكثر جذرية وأعمق مضموناً واكثر قدرة على استيعاب المزيد من الناس، وأعني بذلك شعار التغيير ورفض العملية السياسية والذي تجلى في شعارين: “نازل أخذ حقي” المصادر كلية، و “أريد وطن” مسروق مني.
هذا الانتفاضة كشفت بلا رتوش وجه السلطة الحقيقي بقيادة عادل عبد المهدي، الذي اكتسب بحق لقب جزار الشعب العراقي، بثلاث سمات: تبعيتها وخدمتها لولي الفقيه وإيران؛ وحشيتها واستعدادها لمزيد من قتل المنتفضين للاحتفاظ بالسلطة وفسحها في المجال لمزيد من القوة والتدخل لقوى ومؤسسات الدولة العميقة؛ توفير مستلزمات استفراد إيران وأتباعها في العراق من خلال طرح شعار وموافقة مجلس النواب المشوه والفاسد على قرار إخراج القوات الأمريكية والتحالف الدولي من العراق، رغم استمرار نشاط عصابات داعش والميليشيات الشيعية المسلحة.
أحد أبرز منجزات انتفاضة أكتوبر 2019 هو إسقاط حكومة عادل عبد المهدي وتشكيل حكومة انتقالية بأهداف واضحة ومحددة، أهمها تعديل قانون الانتخابات تغيير بنية وعمل مفوضية الانتخابات وإجراء انتخابات عامة مبكرة وملاحقة قتلة شهداء الانتفاضة والجرحى والاغتيالات، ووضع السلاح بيد الدولة فقط ومحاسبة وتقديم كبار الفاسدين للمحاكمة، وحماية القرار العراقي المستقل.
تشكلت حكومة مصطفى الكاظمي في أوضاع استثنائية، وأقسم الرجل على تنفيذ وعود الانتفاضة، رغم تأييد بعض الأحزاب الإسلامية السياسية له لأنها كانت في وضع لا تحسد عليه، ولكنها كانت متوجسة منه وتسعى بشتى الطرق للخلاص منه.
بدأت قوى الدولة العميقة بقيادة نوري المالكي مناوراتها وتآمرها ضد حكومة الكاظمي باتجاهات ثلاثة:
أولاً: التشديد على إخراج القوت الدولية لاسيما الأمريكية من العراق، وإحراجه بقرار مجلس النواب بهذا الصدد؛
ثانياً: القيام باستفزازات مستمرة للقوات الأمريكية من خلال إطلاق صواريخ كاتيوشا ضد مواقع تلك القوات والسفارة الأمريكية ..الخ من جهة، وتبيان ضعف حكومة مصطفى الكاظمي وعجز الكاظمي شخصياً عن مواجهة الميليشيات الطائفية الشيعية المسلحة وتنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه من جهة أخرى؛
ثالثاً: الاستمرار بإضعاف قوى الانتفاضة، مستفيدين من وباء كورونا، باختطاف وقتل أو تغييب أو اغتيال نشطاء الانتفاضة ومثقفي العراق ومثقفاته، والإمعان في إبراز ضعف حكومة الكاظمي وعجزها عن ملاحقة القتلة، وهي قوى معروفة بالأسماء لرئيس المخابرات الحالي ورئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة والقائد الرسمي للحشد الشعبي! ولم يكن اغتيال الدكتور هشام الهاشمي سوى القشة التي قصمت ظهر البعير في تأكيد رفضها لحكومة الكاظمي واستعدادها لاغتياله على وفق تصريحات مسؤولي ميليشيا حزب الله القيادية في قوات الحشد الشعبي الرسمية!
هل نحن أمام مواجهة فعلية لا مناص منها بين الدولة العميقة والدولة العراقية؟
أدرك تماماً صعوبة الإجابة عن هذا السؤال، وأدرك حراجة موقف مصطفى الكاظمي من جهة، لكن أدرك أيضاً بأن تأجيل المواجهة ليس في مصلحة الشعب والوطن، ليس في مصلحة تغيير مسار الدولة العراقية ونهجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري والبيئي من جهة ثانية.
لخوض المواجهة يستوجب توفير مستلزمات مهمة أبرزها:
** المزاج الجماهيري المؤيد للحكومة والمناهض لوجود ونهج وسياسات وأفعال قوى الدولة العميقة، وهو الذي نشأ في فترة الانتفاضة وتصاعد بعد اغتيال هشام الهاشمي وغيره في الآونة الأخيرة.
** التحسن النسبي في وضع القوى الديمقراطية والتقدمية التي يمكنها تقديم الدعم المطلوب لحكومة الكاظمي إن قررت المنازلة مع قوى الدولة العميقة.
** البلبلة الشديدة والخشية المتفاقمة في صفوف قوى الدولة العميقة بسبب تجاوزها كل المحرمات ونشوء جو مناهض لها محلياً وإقليمياً ودولياً.
** تفاقم مشكلات الدولة الفارسية الصفوية وعجزها الفعلي عن تقديم الدعم لكل عملائها في الخارج ومنها قوى الدولة العميقة العراقية، بل هي تنتظر العون من قوى الدولة العميقة إلى حد غير قليل.
** القدرة على طلب دعم مجلس الأمن الدولي وقوات التحالف الدولي لدعم العراق في مواجهة مخاطر داعش والقوى الأخرى التي تهدد أمن واستقرار العراق.
** وجود طاقات وطنية متماسكة في القوات المسلحة العراقية مستعدة لمواجهة قوى الدولة العميقة يراد تعبئتها والتنسيق فيما بين مكوناتها وفصائلها والانتباه إلى نقاط الضعف فيها لتصحيحها. وتكوين قيادة عمليات ميدانية ذكية وذات خبرة وفاعلية متميزة ومشهود لها بالكفاءة والإقدام والوطنية.
** إن قوى الانتفاضة الشعبية مستعدة تماماً لخوض المعركة إلى جانب الكاظمي ان امتلك الجرأة والحزم والعزم على المواجهة وأخذ المبادرة وليس القيام بردود فعل لا تزيد سوى الأمر سوءا. فمن قدم أكثر من 700 شهيد وأكثر من 27 ألف جريح ومعوق ومئات الاغتيالات والاختطافات والتغييب أو الزج في سجون النظام المحاصصي في فترة عادل عبد المهدي، مستعد اليوم أن يقدم أضعاف ذلك من أجل إنقاذ العراق من براثن التبعية والاستعمار الفارسي البغيض.
مرة أخرى أقول إن المعركة قادمة وعلينا الاستعداد لها بكل السبل المتوفرة وإن النصر حليف الشعب حين يكون الشعب مدركاً لطبيعتها وأهميتها في حسم الصراع لصالح الوطن والوطنية، لصالح الشعب وضد اللادولة واللاوطنية واللامسوؤلية، ضد الدولة العميقة!
بقلم الكاتب كاظم حبيب
اكتشاف مقابر أثرية بنقوش سريانية في تركيا يزيد عمرها عن ألفي عام
في أعقاب الحفريات والأعمال التي جرت في منطقةِ “كيزيلكويون” في “أورفاR…