22/11/2020

من أديرة الموصل: دير مار ميخائيل رفيق الملائكة

بقلم الكاتب أ. د. زهير ابراهيم رحيمو

يقع دير مار ميخائيل بالقرب من نهر دجلة شمال غربي الموصل مسافة 6 كيلومترات من مركز مدينة الموصل في نهاية حي 14 تموز الحالي في منطقة عرفت لدى الموصليين بحاوي الكنيسة على رابية تطل على نهر دجلة في منطقة جميلة حيث تكثر البساتين والمزروعات والخضرة خاصة في فصل الربيع . يحمل الدير اسم دير مار ميخائيل رفيق الملائكة نظرا لما اتصف به من سمو فضيلة وعلو اخلاق.

لوحه مرميه مثبة على الباب الرئيسي باسم الدير باللغه السريانيه والعربيه
ولد ميخائيل في اوال القرن الرابع الميلادي في قرية سوسة من أعمال أمد(ديار بكر- تركيا حاليا) من والدين مسيحيين وسمي ميخائيل على اسم ميخائيل الملاك الذي ظهر بحلم لامه. في الثلاثين من عمره تزهد وتوجه الى دير مار اوجين الذي يعتقد بانه قدم من مصر لنشر الحياة الرهبانية في بلاد ما بين النهرين و انضم الى تلاميذ مار اوجين وقضى ردحا من الزمن في الصوم والصلاة والسهر والتقشف ثم عاد الى قريته لهداية اهلها الى ان جاءوه اناس من اهالي ارض التيمن (الموصل) فسالوه ان يسكن معهم فوافق وبعدها قرروا ان يبنوا ديرا على دجلة بعيدا عن الموصل واصبح للدير سمعة طيبة حيث حدثت على يد القديس عجائب كثيرة فتقاطرت اليه الناس يقصدوه واجتمع اليه الرهبان الذي يقال ان عددهم وصل الى ال 700 راهب. توفي مار ميخائيل بعد 12 سنة من بناء الدير، أذ بعد صلاة وطلبات فارق القديس ميخائيل الحياة فزيحه الوف من الرهبان والمومنين ودفنوه في هيكل ديره وقد توفق الاب المرحوم يوحنان جولاغ (كاهن كنيسة مار أشعيا 1972- 2005) سنة 1980 من التنقيب عن القبر تحت الشاهد المعروف في الجهه اليمنى من الداخل للهيكل ، فوجد هيكل عظمي بطول 175 سم وكذلك وجد الاب يوحنا ضريح مرمري امام ضريح مار ميخائيل هو على ألارجح ضريح يوحنا بن كلدون مجدد الدير والذي توفي سنة 979 في الجزيرة ونقل جثمانه- حسب وصيته – ليوضع قرب قبر الموسس. علما ان يوحنا بن كلدون اقبل الى دير مار ميخائيل بايعاز من معلمه يوسف البوساني فوجد فيه سبعة رهبان يعيشون بعوز شديد وكان الدير خرابا متداعيا فصرف يوحنا اموالا طائلة على شوون الدير من اموال ابيه ولكنه القى معارضة من اهالي الموصل ففر الى دير مار يعقوب الحبيس قرب سعرد فعاش فيه سنتين ومن ثم توفى هناك وطلب ان تنقل جثمانه الى دير مار ميخائيل فبعد اربعة اشهر نقل فعلا الى دير مار ميخائيل ليوضع بقربه. من المعروف ان مولفات يوحنا بن كلدون حرمت من قبل مجمع ديامبير-ملبار سنة 1599 واتلفت مع غيرها من الكتب التي تخالف العقيدة الكاثوليكية.
قام الاب المرحوم يوحنا جولاغ بوضع هذا الهيكل العظمي لمار ميخائيل في صندوق من الالمنيوم – ودفن تحت التراب بعد عرضه للزائرين فترة من الزمن وقد احتفظ بجزء من تراب قبره للتبرك ووعدني بجزء منه ولم استلم شيئا مع الاسف، ولاأدري ما مصير هذا التراب بعد وفاته ؟
مقام قبر مار ميخائيل حيث تحرق الشموع
.
لقد تمت اعمال التجديد والصيانة للدير على الاقل ثلاث مرات رئيسية مع الاحتفاظ بطرازها القديم وظهرت ارضية الكنيسة مكسوة بالقار والجص ثم بالتراب والجص واخيرا بالمرمر والجص. ويعتقد ان تجديدا اخر حدث مع حملة من التجديدات في النصف الاول من القرن الثاث عشر، وما يويد ذلك حجران متلاصقان عليهما نقوش أتابيكة تمثل الحيوان الاسطوري (ألنيص-وهو قنفذ ضخم ) وهو على ظهر سنور(قط وحشي كبير) ذي راس مربع الشكل يعبث بلحمه ويمتص دمه والسنور عاجز عن القيام باي حركة، وقرب فم السنور زهرة البيون الموصلية الشهيرة.
منحوته اتابكيه تمثل النيص والقط البري وزهرة البيبون
كما يعتقد بان تجديدا اخر حدث بعد غزو نادر شاه قولي سنة 1743 حيث جرى تجديده مع غيره من مباني الموصل وذلك حسب طراز الفن المعماري الجليلي.
ثمة تجديد اخر موثق في لوحة رخامية في كتابة كرشونية تقع على الطرف الايمن من الهيكل الكبير تمت في سنة 1867 والتي جاء في ترجمة عربيتها الركيكة (المجد الله الاكبر.الشكر للثالوث الاقدس.ولعلة الحيوة الابدية قد سعو بعمارة هذا الدير الشريف مار ميخائيل رجال مومنون. أهالي طائفة الكلدان القس رومانوس الالقوشي، والخواجات جرجس ويوسف أولاد المرحوم الشماس حنا ويوسف أبن المرحوم ججو نعامة، الموصليين في سنة 1867 مسيحية في رئاسة البطريك يوسف أودو). ان القس رومانوس الالقوشي خدم كنيسة مار اشعيا 1849-1870 ودفن فيها وقبره لازال قائما.هذا يدل على ان الدير كان من أوقاف كنيسة مار اشعيا من زمان بعيد.

بعد فترة خمود نهض المرحوم القس (الخوري )افرام رسام باعادة الحياة الى الدير فنصب مضخة على البئر وبنى حوض ماء وزرع الاشجار خاصة الزيتون ورقم الغرف وجدد الدير بهمة البنائين والعمال من اهالي محلة مار اشعيا سنة 1956 .
المرحوم الاب أفرام رسام مع جمع البناءين والعمال خلال تعمير 1956
اعقب ذلك تجديدات وترميمات قام بها المرحوم حنا جولاغ وخاصة صب السطوح بالاسمنت المسلح لمنع جريان الماء من المناطق الجصية المتشققة وذلك سنة 1985 فوجه المحسنين وغيرهم الى أهمية الدير بالنسبة الى أهالي الموصل. حينها جاءت مكرمة السيد رئيس الجمهورية انذاك اذ اوعز الى دائرة الاثار والتراث فقامت باصلاح جذري للدير اكتملت المرحلة الاولى سنت 1987 ولم تكمل المرحلة الثانية ويمكن تلخيص عمليات التجديد الجذري على ماياتي:
*غلق ابواب قبو الرهبان الذي يحوي على عشر غرف خمسةعلى كل جهة التي الى الجهة اليسرى لتصبح مطلة على الفناء الداخلي للدير وفتح باب لاحداها ليودي الى الكنيسة
*احاطة ابواب وشبابيك الفناء الداخلي بالمرمر الموصلي
*احيط الفناء الخارجي بسياج الذي شيد من مادة الحجر الموشل غير المنتضم ومونة السمنت تخلل السياج اعمدة كونكريتية كل 3 امتار مستقرة عى جسر كونكريتي رابط مسلح تستقر الاخير على اعمدة كونكريتية مسلحة بالحديد. كان الجدار بطول 42 مترا وارتفاع و3 م.
*داخل الكنيسة قلعت الارضيات وطبقت بالمرمر الموصلي بعد تثبيتها على صبة كونكريتية
*قشط البياض القديم للجدران والسقوف والقباب بعد لبخها بالسمنت وبعض المرات تسليحها
*تغليف جدران الكنيسة من الداخل بالمرمر المحلي
*في قبو الرهبان تم قلع الارضيات القديمة وفرشها بالمرمر المحلي وكذلك قشط الجدران الداخلية لغرف القبو ومعالجة المتاكل منها .
*انشاء دعامات ساندة من الحجر والسمنت عمودية على الجدار الشرقي تقابل الجدران القديمة المتعامدة عليه و كان عددها ستة دعامات بارتفاع سبعة امتار هذا وغلفت الدعامات بحجر الحلان المنظوم في حين غلف الجدار بكامله بالحجر الموشل غير المنتضم كما احيطت الشبابيك من الخارج باطارات من حجر الحلان المنظوم .
منح سر العماذ في الدير من قبل الاب يوحنا جولاغ عند ترميم الدير 1985
عماد في دير مار ميخائيل بعد انقطاع اخبار الدير لمده طويله بعد ترميمه سنة 1985

باب صغير للدير من الجهه الشرقيه عند ترميم الدير سنة 1987
نفس الباب الصغير للدير عند غزو داعش 2014 يظهر الخراب والمزابل والانقاض قربه
السياج الخارجي للديرمن الجهه الشرقيه بعد تجديد 1987
من المنحوتات البارزة في هذا الدير تمثال سطحي جميل منحوت على حجر الحلان مع خلفية مستطيلة منقورة لمار ميخائيل كما تخيله المرحوم الفنان فرج عبو( وهو من جيران الكنيسة انذك ) ماسكا بيدة الانجيل ومتمنطقا بالثوب الرهباني المعروف في ثلاثينيات القرن الماضي والمنحوتة مثبة على جدار في يسار المذبح الرئيسي .
منحوته منقوره في الحلان الموصلي نصف بارزه لمار ميخائيل للفنان فرج عبو النعمان 1930
كما ترك لنا أيضا لوحة زيتية جميلة لمار ميخائيل وهو يقيم الميت رسمها سنة 1937 وتضهر فيها البيئة الجميلة المحيطة للدير كانت تعرض في اعياد مار ميخائيل على شاهد ضريحه ولا ندري ما حل بها في الوقت الحاضر اي بعد غزو داعش.
مما لاشك فيه ان للدير مكتبة كانت عامرة عندما كانت الرهبانية منتعشة اذ بلغ عدد الرهبان المئات ولكن بعد تدهور احوال الدير لعدة مرات تبعثرت هذه الكتب ولم يبقى منها الا النزر القليل فقد ذكر البحاثة شابو ان في خزانة باريس الوطنية نسخة ارامية من الانجيل كتبها على الرق القس يوحنا من دير مار ميخائيل على ضفة دجلة سنة 1214 . كما ذكر ابن النديم ترجمة موجزة لاحد رهبان الدير هو اسطيفان الراهب الذي يذكر انه عمل بالكيمياء ووضع عدة كتب منها كتاب الادعية والقرابين التي تستعمل قبل صناعة الكيمياء. كما اعتقد الباحثين من مصادر موثوقة ان كتب دير مار ميخائيل مع غيرها من كتب الدير الاعلى (الطهرة حاليا) والتي حفظت في كنيسة مار اشعيا بعد تدهور أحوال الديرين، وفي ليلة ليلاء القيت في نهر دجلة كونها تحوي الافكار النسطورية من قبل كاهن الكنيسة المتكثلك أنذك.
تغنى شعراء كثيرين بالدير وبيئته الجغرافية الجميلة وبساتينه وخموره ومنهم ابو بكر محمد بن هاشم الخالدي المتوفي سنة 990 م واخيه ابي عثمان سعيد بن هاشم الخالدي المتوفي سنة 999 م و الموفق الدين ابن ابي حديد المداني وابو حفص بن الشحنة الموصلي النحوي .
كان من المومل ان يحدث تكميل لتجديد 1987 بحيث يكون هناك موقع مناسب ولائق لرئيس الدير وربما كان هناك امل أكثر في نقل مقر المطرانية اليه بعد توسيعه ولكن دخول البلد في مشاكل اقليمية طارئة حالت دون ذلك .علما بانه حسب التقويم الكلداني اليحتفل بعيده في الاسبوع السادس من الصوم حيث يقام قداس صباحا يتراسه الاسقف او الكاهن المخول وتكون زيارته طوال النهار الى ان قدمت الضروف الحالية حيث توقف كل شئ. اني احد مناسبات في الثمانينات زاره السفير البابوي برفقه المثلث الرحمات المطران كوركيس كرمو.
شباك باطار مرمري يطل على الفناء الداخلي للدير
ايواان في الطابق العلوي بقوسين مرمرين مع غرف الزوار يطلان على نهر دجله
ولانعرف ما حل في هذا الدير في أيام غزوه و وفي الفاجعة الكبرى التي حلت بمسيحي الموصل بعد منتصف حزيران 2014، داعين الرب ان يحفظ هذا التراث المسيحي القديم والثرمن أيادي االعابثين. وأخيرا ان الدير تحرر مع مدينة الموصل من احتلال داعش بتاريخ 4/5/2017 حيث ترك خرابا باكوام من الانقاض والازبال كما يشاهد في الصور المرفقه وهو الان متروك لا يزوره احد اذ لا يوجد مسيحيين ساكنين في الموصل ماعدا القليل جدا .حديثا وقد اوعز محافظ نينوى السابق السيد نواف العاكوب لترميم الدير وتجديده خللال فتره 6 اشهر ليكون صرحا حضاريا وسياحيا لمدينة الموصل كما اوردتها قناة زاكروز نيوز في 20/1/2019 ولكن بعد تعيين محافظ جديد لا نعلم هل تم التجديد اام لا.ه
غرف الخدمات وخزن الحاجيات في فناء الدير الخارجي
هيكل الدير من الداخل يظهر فيه المذبح الرئيس بقوسه الجميل بعد تجديد 1987
المصادر
حبي، يوسف. 1991. دير مار ميخائيل . مطبعة الاديب. بغداد.
جولاغ، يوحنان (1983). تاريخ يوسف بوسنايا.مطبعة اوفيست الشرق.بغداد
رحو، فرج.1971.يشوعياب برقوسري وكنائسه.مطبعة الاتحاد الجديدة- الموصل.
رسام، أفرام .1961. تاريخ دير مار ميخائيلظ المطبعة الشرقية الحديثة – الموصل
منظر من الفناء الداخلي يبين ايوان جانبي مع بعض غرف الزوار بعد ترميم 1985
لكوريدور الداخلي للدير عند غزو داعش سنة 2014 تشاهد الانقاض وتصدع الجدران
الدير وسياجه الخارجي من الجهه الشماليه(الوادي) بعد تجديد 1987
الواجه الشرقيه لجدار الدير الخارجي مع مساند لدعمه يواجه نهر دجله بعد تجديد 1987
قشط الجبس (الجص) القديم من جدار هيكل الديرالخارجي في تجديد 1985
منظر اخر من الجهه الشماليه للدير من طرف الوادي المجاور عند تجديد 1987
منظر جميل للدير كاملا من الجهه الشرقيه الشماليه بعد تجديد 1987
السياج الخارجي للديرمن الجهه الشرقيه بعد تجديد 1987
الواجه الشرقيه لجدار الدير الخارجي مع مساند لدعمه يواجه نهر دجله بعد تجديد 1987

‫شاهد أيضًا‬

يوهانس حنا يتوج بطلاً للعالم في الكيك بوكسينغ

استكمالاً لسلسلة انتصاراتِه وإنجازاتِه وبطولاته في رياضة “الكيك بوكسينغ”، وبعد…