28/12/2020

لن تهدأ شبيبة العراق ما دامت الدولة العميقة تحكم العراق!

تشير تجارب شعوب البلدان النامية، ومنها العراق، إلى أن حكام هذه البلدان، الذين هم في الغالب الأعم مستبدون أفظاظ يمارسون الاستبداد والقهر ضد شعوبهم بطريقتين: إما بالعنف المباشر والقتل المكشوف دون أي اعتبار للدستور أو للقوانين المرعية أو للرأي العام المحلي والدولي واللوائح الدولية لحقوق الإنسان، ليواصلوا الحكم وفرض أنفسهم أطول فترة ممكنة ثم ينتهون إلى مزبلة التاريخ بطرق متباينة، وإما يمارسون حكم البلاد بنفس ذهنية الاستبداد وعواقبه على الشعب، ولكن بطريقة هادئة وبأساليب ملتوية ورمي ما يحصل من عنف وقتل وتشريد واختطاف وتعذيب على عاتق جهات غير جهة الحاكم ذاته وتشكيل لجان فضائية تنتهي كما بدأت دون إعلان عن نتائج التحقيق، وهي ذر للرماد في العيون، إذ المهم هو استمرارهم في الحكم. إذا كان المالكي وعادل عبد المهدي مارسا الطريق الأول في الحكم، فأدى إلى موت كثير من البشر العراقي، فأن الحاكم الجديد مصطفى عبد اللطيف مشتت الملقب بالكاظمي، يمارس الطريقة الثانية وتنوب عنه في الحكم الفعلي في البلاد تلك الجهة التي وافقت على أن يكون على رأس الحكم المؤقت ليمهد الطريق لمواصلة الحكم بذات الطريقة التي حكم فيها نوري المالكي وعادل عبد المهدي وطغمتهما، إنها الدولة العميقة بكامل مؤسساتها السياسية وميليشياتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وفرق القتل والاختطاف والتعذيب المنبثقة عن تلك الأحزاب والميليشيات وبرئاستها الإيرانية-العراقية، برئاسة قائد فيلق القدس الإيراني الجديد إسماعيل قأني، ونوري المالكي (العراقي!). فمصطفى مشتت غير مشتت عملياً بين مدينتي نعم ولا، ليس حائراً بين الإصلاح وعدم الإصلاح، إذ أنه اختار منذ اللحظة الأولى التي عين فيها رئيسا لمجلس الوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة أن لا يكون مع الإصلاح أبداً، فهو الابن المخلص للميليشيات الولائية التابعة لإيران ولقراراتها وما تمارسه يومياً في العراق، وهو الأبن الشرير غير الموالي للشعب وقضاياه العادلة.
لقد كانت الميليشيات الطائفية المسلحة العاملة في الحشد الشعبي تمارس القتل اليومي بالتعاون مع أجزاء من القوات المسلحة العراقية، سواء أكانت من الجيش أم الشرطة أم الأمن الوطني، كما حصل في عهد نوري المالكي والجزار الخبيث عادل عبد المهدي، أما الحاكم المنفوش أبو ريش المهلوس، الذي أصبح عارياً تماماً أمام الشعب وقوى الانتفاضة الشبابية، فأن هذه الميليشيات تمارس القتل اليومي والاختطاف المستمر والابتزاز وجبي الأموال بمختلف السبل لصالح إيران ولصالح حزب الله في لبنان، ولصالح الانتخابات البكرة القادمة لشراء أصوات الفقراء والمعوزين والأميين بها، أو بتهدديهم بالموت إن خرجوا عن طاعتهم. هكذا بدأ التحضير للانتخابات؛
**السلاح المنفلت موجود لدى جميع الميليشيات المسلحة دون استثناء وبكميات تفوق ما تمتلكه القوات المسلحة، مع العلم بأن كثير من سلاح القوات المسلحة موجود تحت تصرف الحشد الشعبي بميليشياته المهيمنة على القرارات والتابعة للدولة العميقة؛ 
** كل الفاسدين والمفسدين الناهبين لأموال الشعب وخيرات البلاد هم ما زالوا في الحكم وحوله ويمارسون النهب يومياً حتى في ظل الأزمة المالية الراهنة التي تسببوا بها، وهي التي ستخدمهم في الانتخابات المبكرة القادمة؛ 
** الابتعاد كلية عن ملاحقة قتلة المتظاهرين والمتظاهرات والكشف عنهم وتقديمهم للمحاكمة، بل إن ما يجري اليوم هو العكس من ذلك، حيث تستمر بكثافة ملاحقة نشطاء الانتفاضة التشرينية واختطافهم و”تأدبهم!!!” بالتعذيب الفاشستي وأخذ البراءة منهم، أو بقتل كثير منهم، كما حصل في الأسابيع الأخيرة، وكذلك يوم أول أمس حين اغتيل بخسة ونذالة وجبن المناضل التشريني صلاح العراقي لأنه انتقد بقوة رئيس الوزراء مصطفى المشتت في الليلة التي سبقت قتله!؛
** تنامي وعلانية نشاط القوى التابعة لإيران، سواء أكانت أحزاباً ومنظمات إسلامية سياسية أم ميليشيات مسلحة أم مكاتب اقتصادية، وهي المعبرة عن مصالح إيران في العراق. ولم يعد يخفي حكام إيران وجودهم السياسي والعسكري والاقتصادي في العراق، بل هم يعلنونه صراحة بأن نفوذهم ثابت وقاطع في العراق واليمن ولبنان وسوريا، بل وفي قطاع غزة والضفة الفلسطينية المحتلة أيضا. اسمعوا صعلوك فيلق بدر ومسؤوله كيف يهاجم الانتفاضة ويسميها بـ “الفتنة!”، وهو الذي كان يدعي أنهم يطالبون مع الانتفاضة بالإصلاح!!
أدرك بأن شعب العراق يدرك ما يرسم له خلف وأمام الكواليس بعد أن اعتقدوا بأن الانتفاضة قد انتهت، فلم يعودوا يسعون إلى إخفاء ما كانوا يعملون من أجله أثناء صعود الحركة الاحتجاجية وانتفاضة تشرين، إنها الراغبة الجامحة في وأد الانتفاضة بكل السبل المتاحة لهم أولاً، والإصرار على مواصلة الحكم بالأساليب ذاتها رغم الادعاء بمكافحة الفاسدين والمفسدين ثانياً، وهم يعرفون جيداً أنهم فاسدون و مفسدون في أرض الرافدين ويعيشون على السحت الحرام المسروق من أفواه فقراء الشعب والمحرومين والقاطنين في المحلات العشوائية والمهمشة والمهملة كلية. 
ولكن ما لم يدركه حتى الآن الوطنيون والديمقراطيون، بمن فيهم قوى اليسار والتقدم العراقية، واللبراليون الديمقراطيون، هو أهمية وراهنية وحدة العمل النضالي لإفشال المخطط الإيراني الجديد في العراق، إفشال المساومة الإيرانية-الأمريكية الجديدة الهادفة إلى إبقاء الوضع في العراق على حاله قبل الانتفاضة، من خلال بناء جبهة شعبية واسعة تضم جميع أعداء الطائفية ومحاصصاتها المذلة والفساد السائد والحكم الطائفي الفاسد القائم، إنها الوحدة الضرورية، بالرغم من ضعفها، يمكن أن تنمو وتتطور مع قوى الانتفاضة التشرينية لتحقيق التغيير المنشود في ميزان القوى. إن العوامل التي فجرت الانتفاضة ما تزال قائمة بل وتعززت أكثر فأكثر بسلوك الطغم الفاسدة الحاكمة، وبالتالي فأن تصاعد العمليات الاحتجاجية في جميع أنحاء البلاد، سيسهم في تغيير الموقف لصالح قوى الانتفاضة التشرينية الشعبية. إنها اللحظة التي ينبغي أن تدرك الفئات الاجتماعية والقوى الوطنية والديمقراطية فيها إن تعاونها وتحالفها ووحدة نضالها السلمي هو السبيل الوحيد لمواجهة قوى الشر في العراق والانتصار عليها لصالح الشعب وحقوقه واستعادة الوطن المسلوب في إستقالته وسيادته.

‫شاهد أيضًا‬

حفل تخرج طلاب في جامعة أنطاكية السورية الخاصة وفي معهد التثقيف المسيحي ببغداد

أقيم مساء يوم السبت، حفلُ تخرّج الدفعة الثالثة لطلاب جامعة أنطاكية السورية الخاصة، بحضور ق…