ماذا في جعبة علاء اللامي من تشويهات وافتراءات حول فاجعة الفرهود ضد اليهود في العراق؟
كاظم حبيب (Kadhim Habib)
الحلقة الأولى
نشر علاء اللامي مقالاً في صحيفة المثقف بتاريخ 26/12/2020 تحت عنوان: “الفرهود” وتهجير اليهود العراقيين: قراءة جديدة في الخلفيات”. ومع أنه أدان عملية الفرهود بقوله “المعلوم أنّ تلك الأحداثَ المؤسفة والمدانة وقعتْ في تلك السنة ردَّ فعلٍ على سحق قوّات الاحتلال البريطانيّة للانقلاب العسكريّ الذي قاده السياسي رشيد عالي الكيلاني ورفاقُه العقداءُ الأربعة، الذين أُعدِموا بعد سنواتٍ قليلة، وبعد احتلال البريطانيّين لبغداد للمرّة الثانية من أجل إعادة الحكم الملكيّ الهاشميّ.”. إلا إنه اعتبر تلك الفاجعة التي قتل فيه 144 مواطناً يهودياً عراقياً ومواطنة يهودية عراقية بمثابة ردّ فعل على سحق قوات الاحتلال البريطانية للانقلاب العسكري، وبالتالي ابتعد تماماً عن الأسباب والعوامل الفعلية والأساسية التي كانت وراء وقوع تلك المذبحة الشرسة ضد يهود العراق لاسيما الفكر القومي العربي المتطرف. ثم ركز في هذا المقال على قراءة مشوهة لمقال نشر لي في عام 2011 تحت عنوان: “حركة شباط – مايس 1941 الانقلابية والفرهود ضد اليهود” في الحوار المتمدن، وفي عدد أخر من المواقع العراقية والعربية واختار منها موقع تابع لوزارة الخارجية التي كما قال اللامي أنها نشرت بعض فقرات منه، في حين كان في مقدوره العودة إلى المقال بكامله أولاً وفي موقع الحوار المتمدن، كما كان في مقدوره قراءة الكتاب الواسع الذي نشرته في عام 2015 تحت عنوان “يهود العراق والمواطنة المنتزعة”[1] والذي يبحث في كل المشكلة اليهودية في العراق منذ السبي البابلي حتى التهجير القسري لهم على وفق القانون الصادر عام 1950. ويقع الكتاب بـ 800 صفحة وفيه ما يكفي من البراهين والأدلة والوثائق التي يجد فيه القارئ والقارئة الردّ المفحم ضد ادعاءاته الفارغة واتهامه السيء والمعيب والمسبق الصنع الذي طرحه علاء اللامي ضدي (كاظم حبيب)، علماً بأن اللامي ذاته أشار إلى ما يلي: يقول الكاتب إن هذه الدراسة جزء من كتاب بعنوان: محنة يهود العراق. وكان حرياً به أن يعود إلى الكتاب ليجد الإجابات الوافية على تلك المسائل التي أثارها والتي حاول بها الإساءة لي والتشكيك في علمية المقال المنشور وموضوعيته. مقال علاء اللامي كتب ونشر بعد مرور عشرة أعوام تقريباً على نشري ذلك المقال وتضمن ادعاءات واتهاماً لا يليق بكاتب يحترم نفسه، أذكرها هنا كما جاءت في مقاله المشار إليه:
” 1) محاولةُ الشيوعي العراقي “السابق” كاظم حبيب، لمقاربة حدث الفرهود المأساويّ وتحليله، غير متوازنة، وسطحية، ولا تخلو من تملق الكيان الصهيوني ومؤسّساتِه الإعلاميّةِ والسياسيّة.
2) كما برَّأ حبيب أطرافًا أخرى من مسؤوليّةِ ما تعرّضَ له اليهودُ العراقيّون من قمعٍ وتهجيرٍ قسريّ؛ ومن هذه الأطراف الأحزاب الكردية وزعاماتها. والحقّ أنَّ عنوانَ دراسة حبيب يقول كلَّ شيء منذ البداية: فالعنوان ” حركة شباط – مايس 1941 الانقلابيّة والفرهود ضدّ اليهود “[10] يَرْبط مباشرةً أحداثَ الفرهود المدانةَ بحركة أيّار 1941 العسكريّة التي قادها رشيد عالي الكيلاني ورفاقُه الأربعة ضدّ النفوذ البريطانيّ. وهذه تبرئة مسبقة، وغير معللة، لمصلحة الصهاينة وأطرافٍ أخرى، وتلطيخ لصفحة وطنيّين عراقيّين مناهضين للاحتلال البريطانيّ بتهمة النازيّة.
3) غير أنّ تفنيدَ حبيب ومَن نقل عنهم يفتقد إلى الرصانة. ومفادُ هذا التفنيد أنّ اليهود قد خرجوا احتفالًا بعيدهم، “عيدِ نزول التوراة عند اليهود، وليس لأغراض الإستفزاز والإحتفاء بعودة الوصيّ على العرش.” والمعلومة عن تصادُف عيد شفوعوت اليهوديّ مع هذه الأحداث صحيحة.
4) ويقتبس حبيب أيضًا عن الدكتور سلمان درويش معلومةً حول ” محادثةٍ هاتفيّةٍ جرت بين ضابطٍ عراقيّ، وبين مُرافق السفير البريطانيّ كورنواليس، الكابتن المدعوّ هولت، الذي امتنع عن إيقاظ السفير وإبلاغِه بالمجزرة الجارية ضدّ اليهود في جانب الرصافة بقوله إنّ السفير يَعرف ما يجري من إطلاق نارٍ وسلبٍ ولكنّه يعتبر ذلك مسألةً داخليّةً لا يجوز للقوّات البريطانيّة التدخّلُ فيها.”، ولكنّنا عبثًا نبحث عن أيّ تحليل أو وصفٍ أو إدانةٍ من حبيب لهذا الصنيع البريطانيّ المدان.”.
(مقتطفات من نص مقال علاء اللامي المنشور في صحيفة المثقف بعددها 5226 بتاريخ 26/12/2020).
كان بالإمكان إهمال الرد على هذه الادعاءات والأحكام غير المبررة والاتهام التافه الذي نشره علاء اللامي بالتملق للدولة والإعلام والسياسة الإسرائيلية، لولا يقيني أن جمهرة من الناس يمكن أن تقرأ هذا المقال والتي لم يتسن لها الاطلاع على مقالاتي بشأن الموقف من القضايا الواردة في ادعاءاته واتهاماته أولاً، كما طلب مني بعض الأصدقاء الذين أرسلوا مقالته لي الردّ عليها، لاسيما وأنهم مطلعون على كتاباتي حول اليهود في العراق وحول الدولة الإسرائيلية المحتلة للضفة الغربية وسياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة إزاء الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ونضاله المشروع من أجل استرداد حقوقه المغتصبة ثانياً.
كما أن هناك كثرة من شبيبة العراق لم تطلع على خبايا انقلاب الأول من أيار/مايس 1941 وعلاقة المجموعة الانقلابية والقوى القومية اليمينية المتطرفة بالحزب النازي والدولة الألمانية النازية والفكر القومي النازي منذ بداية الثلاثينيات وبعد تأسيس نادي المثنى بن حارث الشيباني في بغداد عام 1935 وبالقنصل الألمان ببغداد الدكتور فرتز غروبا حينذاك.
سأتناول تلك الفقرات المقتطفة من مقال علاء اللامي التي أوردتها في أعلاه بالتعليق والمناقشة في عدة حلقات لغرض التوسع في الرد على افتراءاته وتشويهاته المشبوهة.
الحلقة الأولى
التهمة الدنيئة بالتملق للكيان الصهيوني
في هذه الفقرة من افتراءاته يطرح اللامي ثلاث مسائل: 1: الشيوعي السابق كاظم حبيب؛ 2: مقاربة غير متوازنة وسطحية التحليل؛ و3: التملق للكيان الصهيوني.
** في النقطة الأولى يؤكد اللامي بأن كاظم حبيب شيوعي سابق، وهو بهذا لا يريد أن يعرفني، بل يريد علاقتي بالحزب الشيوعي العراق التي أعتز بها وبنضال الحزب المديد وتضحياته وموقفه المميز من القضية الفلسطينية والدولة الإسرائيلية والتي فاقت في جودتها وصوابها مواقف كل القوى القومية والبعثية والإسلامية السياسية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، لاسيما إيران، التي كانت بمثابة مزايدة رخيصة ومضرة ألحقت أضراراً فادحة بقضية الشعب الفلسطيني وجلبت له كثرة من العواقب السلبية وخسارة مساحات كبيرة جداً من أرض الضفة الغربية لصالح المحتل الإسرائيلي. لقد كان الحزب الشيوعي العراقي واقعياً وسليماً في مواقفه السياسية من القضية الفلسطينية ومن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة على أرض وطنه واعتبار القدس الشرقية عاصمة لها، وإدان وشجب الاحتلال للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، واعتبر المستوطنات اليهودية التي تقيمها إسرائيل في الضفة الغربية تجاوزاً فظاً على حقوق وأراضي الشعب الفلسطيني وعلى قرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، كما يدن ويشجب باستمرار سياسات التمييز المتطرفة التي تمارسها إسرائيل ضد العرب فيها وضد الشعب الفلسطيني وسجناء الراي العرب في سجون إسرائيل ومعتقلاتها. وموقفي الفكري والسياسي من هذه القضية هو نفس موقف الحزب الشيوعي العراقي حين كنت عضواً في لجنته المركزية ومكتبها السياسي وما زال موقف هذا لم يتغير وسيبقى موقف هكذا ما دامت إسرائيل تحتل الأراضي العربية وتحاصر غزة وتحتل مزارع شبعة والجولان. وبالتالي لا غبار على موقف الحزب الشيوعي العراقي وموقفي الشخصي من القضية الفلسطينية ومن الدولة الإسرائيلية. وقد بينت في كتابي المشار إليه مواقف الحزب الشيوعي العراقي التاريخية من القضية الفلسطينية والتي حظيت بقبول كبير وتأييد لا من الحزب الشيوعي الفلسطيني ومن ثم امتداده حزب الشعب الفلسطيني فحسب، بل ومن منظمة التحرير الفلسطينية وقادتها ابتداءً من ياسر عرفات وانتهاءً بمحمود عباس ومن عموم الشعب الفلسطيني.
2) وفي النقطة الثانية يشير اللامي إلى “مقاربة حدث الفرهود المأساويّ (مع المحرقة التي حدثت في ألمانيا النازية الهتلرية، ك. حبيب) وتحليله، غير متوازنة، وسطحية… “. والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه: لماذا وكيف وقعت هذه الفاجعة ضد يهود العراق وليس ضد غيرهم من أتباع الديانات في العراق؟ كل الدراسات والبحوث المنشورة حتى الآن، وكل الوثائق التي تحت تصرفي والدلائل التي توصلت إليها من خلال قراءاتي لكثرة من تلك الكتب والأبحاث والاستقصاءات التي قمت بها واللقاءات التي أجريتها مع عدد كبير نسبياً ممن عاش تلك الفاجعة من اليهود والمسيحيين والمسلمين، أو من عرفها عن قرب وعن تلك المرحلة، تبلورت لديّ أثناء دراستي ما سجلته من رؤية تحليلية واقعية وموضوعية، بشهادة من كتب عن الكتاب، لتك الأحداث التي بدأت مع نهاية العشرينات وكل الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من القرن العشرين في العراق، وكذلك ما كان يحصل في فلسطين وثورة الشعب الفلسطيني في الثلاثينيات من القرن العشرين، سواء في المقال المذكور أم في كتابي المشار إليه: “يهود العراق والمواطنة المنتزعة”. لم اشك يوماً ولم أنف احتمال حصول تباين في وجهات النظر وفي التحليل لأسباب كثيرة. وليس الاختلاف في الرأي عيباً، كما إن النقد مسألة طبيعية وضرورية شريطة أن تلتزم الموضوعية وأدب الكتابة وتتعد عن الاتهامات المسبقة الصنع وبعيدة عن الواقع ودون سند لها. وهو المطب الذي سقط فيه علاء اللامي.
برزت خلال النصف الأول والعقد الرابع (الثلاثينيات) من القرن العشرين في العراق ثلاث حركات فكرية وسياسية واضحة نشير إليها باختصار:
أ) تبلور وتطور الحركة السياسية وبروز نشاطات لها تحت قيادة شخصيات منحدرة من فئة البرجوازية الوطنية التجارية المتطلعة للحياة الحرة والديمقراطية وبناء اقتصاد وطني متقدم وصناعة حديثة، ومن فئات البرجوازية الصغيرة، لاسيما من صفوف المثقفين والمتعلمين وأصحاب الصنائع الصغيرة. وبرز ذلك بشكل خاص في نشاط الحزب الوطني بقيادة محمد جعفر أبو التمن، وجماعة الأهالي ومن ثم جمعية الإصلاح الشعبي، بقيادة كامل الجادرجي وعبد الفتاح إبراهيم ومحمد حديد وحسين جميل وكامل قزانجي وغيرهم؛
ب) الخلايا الشيوعية ومنها نشأت جمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار، ثم منها تأسس الحزب الشيوعي العراق عام 1934؛
ج) الحركة القومية العربية التي برزت منذ أوائل الثلاثينيات وتبلورت كتكوين ثقافي وسياسي في نادي المثنى بن حارث الشيباني في عام 1935 ومن ثم في اللجنة السياسية السرية لحزب الشعب السري.
ما يهمنا في هذا المقال هو دور الحركة القومية العربية التي نشطت في هذه الفترة بمجموعة من القوميين العراقيين العرب وشكلوا نادي المثنى وأقاموا علاقات حميمة وقوية ومستمرة مع القنصل العام الألماني في بغداد الدكتور فرتز غروبا، الذي بدأ نشاطه بإقامة علاقات واسعة مع نادي المثنى والشخصيات الثقافية والسياسية القومية العاملة فيه. وتركز نشاط القنصل الألماني بالاتجاهات التالية:
1. تعزيز العلاقات بالمسؤولين العراقيين وبالنخبة السياسية والعسكرية والاجتماعية، وكذلك بمنظمات المجتمع المدني حينذاك، وبالشخصيات العامة. ومن خلالها جهد على جمع المعلومات الضرورية لتزويد وزارة الخارجية الألمانية، وبشكل خاص حول النشاط البريطاني والعلاقات العراقية-البريطانية.
2. السعي لتطوير العلاقات الدبلوماسية بين العراق وألمانيا ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي لتكون على حساب العلاقات مع بريطانيا.
3. تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية وإعادة العمل لخط بغداد – برلين للسكك الحديد.
4. تطوير التعاون العسكري بين العراق والمانيا وعقد اتفاقيات عسكرية والسعي لبيع السلاح لوزارة الدفاع العراقية. وقد برز هذا التعاون بشكل خاص أثناء الانقلاب القومي في مايس 1941.
5. ممارسة الدعاية المضادة لبريطانيا واحتلالها للعراق والدول العربية والترويج للسياسة الألمانية فيها على وفق رؤية الحزب النازي والدولة النازية ووزير إعلامه غوبلز.
6. مارست المجموعة العاملة في القنصلية الألمانية الدعاية النازية المضادة للسامية، ولليهود العراقيين على نحو خاص، ومن المواقع الإيديولوجية العنصرية.
7. ممارسة الدعاية الشديدة ضد الاتحاد السوفييتي والشيوعية وضد الحزب الشيوعي العراقي.
ولكن الدعاية النازية اليومية في العراق قد تركزت حينذاك وبشكل ملموس ضد ثلاث أطراف: 1) ضد الإنكليز أولاً، لكسب الرأي العام العراقي والسياسيين المناهضين للإنجليز والوجود العسكري البريطاني في العراق، وبالتالي ضد سياسات الحكومات العراقية المتعاقبة باعتبارها حليفةً لبريطانيا؛ 2) ضد اليهود ووجودهم في العراق واعتبارهم السبب في كثير من مشاكل البلاد، وربط اليهود في العراق مع يهود فلسطين بالصراع العربي اليهودي في فلسطين من خلال الدعوة لفلسطين عربية؛ 3) ضد الاتحاد السوفييتي والشيوعية والحزب الشيوعي العراقي. وتشير المعلومات المتوفرة عن فرتز غروبا لدى الأوساط السياسية الألمانية في عهد هتلر وحزبه الفاشي، إذ أنه كان قد التحق بالحركة أو التنظيم الماسوني ووصل إلى الدرجة السابعة في التنظيم الماسوني الدولي.[2]
أولى الصلات بالحزب النازي في ألمانيا عبر يونس بحري
كان يونس بحري قد زار ألمانيا عدة مرات وتعلم اللغة الألمانية وكان يتحدث بها بطلاقة. في العام 1931 كان قد التقى بجوزيف غوبلز قبل أن يصل هتلر إلى السلطة في العام 1933 وقبل أن يصبح وزيراً للدعاية في حكومة أدولف هتلر. اتفق يونس بحري مع بأول جوزيف غوبلز أن يعود إلى العراق ويؤسس له صحيفة باسم “الُعقاب” ليبشر بالفكر النازي وبالتعاون مع الحزب النازي في ألمانيا. وقد حصل هذا فعلاً، وهي التي نشرت خبر مقتل الملك غازي في العام 1939 واتهمت نوري السعيد وعبد الإله والإنكليز بمقتله.
لقد استطاع يونس بحري وبتوصية من فرتس غروبا أن يعزز علاقته بالشخصية البارزة في النظام النازي الألماني ووزير الدعاية في الرايخ الألماني الثالث “باول جوزيف غوبلزPaul Joseph Goebbels ” (1897-1945م)، من ثم بـ”وهاينرش لويتبولد هملر، Heinrich Luitpold Himmler ” (1900-1945م) مدير الشرطة العام والمسؤول الأول عن جهاز القمع الألماني .
لقد لعب السياسي والإعلامي العراقي يونس بحري دوراً بارزا في عدة اتجاهات أساسية تمس العراق أساساً وعموم الدول العربية:
أ) كان يونس بحري ضابطاً عسكراً، واسمه الرسمي في الوثائق الألمانية يوهانس بحري Juhannes Bahri ، برتبة رائد في قوات الأسس الألمانية التي كانت تعتبر القوة القمعية الأكثر إجراماً والأشد قسوة ضد قوى المعارضة ولكن بشكل خاص ضد اليهود والشيوعيين.[3]
ب) كان المذيع والمسؤول الأول عن الإذاعة العربية وصلته المباشرة بـ غوبلز، مسؤول الدعاية الألمانية، وكان يمارس دور الداعية المروج للأفكار والسياسات الألمانية في الدول العربية والمحبذ للاتجاهات النازية بالعراق والدول العربية، والمحرض للعداء والكراهية ضد اليهود بالعراق والعالم العربي، والمحرك للفعاليات المناهضة لبريطانيا وفرنسا. لقد استطاع يونس بحري وبتوصية من فرتس غروبا أن يعزز علاقته بالشخصية البارزة في النظام النازي الألماني ووزير الدعاية في الرايخ الألماني الثالث “باول جوزيف غوبلزPaul Joseph Goebbels ” (1897-1945م)، من ثم بـ “وهاينرش لويتبولد هملر Heinrich Luitpold Himmler (1900-1945م) مدير الشرطة العام والمسؤول الأول عن مخابرات أمن الدولة SS، وهو جهاز القمع الألماني السيء الصيت. ومن ثم تم اللقاء بهتلر أيضاً. وقد انتهى التعاون بين غوبلز ويونس بحري إلى تأسيس قسم عربي في إذاعة برلين يترأسها يونس بحري ويصبح مذيعاً فيها. وعبر برنامجه الإذاعي الذي عرف بندائه الشهير “حيي العرب هنا برلين” على نطاق واسع منذ العام 1939 في العراق والدول العربية حتى العام 1945.
ت) وكان يونس بحري صلة وصل مهمة بعد تأسيس اللجنة السرية لحزب الشعب بين هذه اللجنة، التي كان يرأسها الحاج أمين المفتي، والسلطة وأجهزة الأمن والإعلام الألمانية.
ث) وكان المسؤول عن كسب وتهيئة مراسلين مخبرين عرب لصالح المخابرات الألمانية الهتلرية وإرسالهم إلى الدول العربية كصحفيين والعمل بصورة سرية للحصول على معلومات تفيد المخابرات والإذاعة العربية في آن واحد.
ج) كما استطاع يونس بحري أن يساهم بتأمين نفوذ قوي للدعاية النازية في الصحافة والدعاية العراقية مبكراً وقبل وصول هتلر إلى السلطة، ثم تنامى ذلك بعد عام 1933.
منذ أوائل الثلاثينيات بدأت العناصر القومية العربية في وزارة المعارف العراقية تستجلب معلمين ومدرسين عرب من سوريا وفلسطين للتدريس في المدارس العراقية، وكان جلهم من القومين العرب المناهضين للسامية واليهود والمتأثرين بالصراع العربي اليهودي في فلسطين، وبدأوا بنشر الرؤية المعادية لليهود في المدارس التي عملوا فيها وبشكل واسع. ولعب ساطع الحصري الدور الأساس في استيراد هؤلاء المعلمين والمدرسين العرب، وكان جلهم من حملة الفكر القومي العربي اليميني. وعن هذا الموضوع يشير السيد حازم المفتي، صاحب كتاب “العراق بين عهدين: ياسين الهاشمي وبكر صدقي”، إلى دور هؤلاء الأساتذة العرب فيكتب ما يلي:
“وقد ركز الأساتذة السوريون والفلسطينيون دعايتهم ضد الإنكليز واليهود والفرنسيين وأشعلوا نار السخط والغضب في قلوب طلاب العراق ومثقفيه وحرضوهم على تطهير البلاد العربية من الاستعمار الغربي والاستيطان الصهيوني وفضحوا مخططات اليهودية العالمية وأطماعها في بلاد العرب”[4]. وكان جزءاً من هذه الكراهية والحقد موجهين ضد يهود العراق، إذ بدأ يهود العراق يعيشون عداءً صارخاً وتحرشاً مستمراً وإساءة يومية، سواء اكان ذلك في دوائر الدولة أم في الشوارع والمدارس أم في الحياة اليومية.
لقد لعب ساطع الحصري دوراً بارزا في نشر الفكر القومي اليميني المتطرف المصحوب برؤية طائفية ملموسة. لقد كان الرجل الذي انتقل من العثمانية والدفاع عن الدولة العثمانية إلى العروبية[5] من المتأثرين جداً بفكر وقادة الفكر القومي الألماني في القرن التاسع عشر والتي وجدت تعبيرها في المحاضرات والكتب التي كان يصدرها وفي نشاطه العام في وزارة المعارف العراقية وفي نادي المثنى في بغداد.[6] فالعودة إلى برامج محاضرات نادي المثنى التي بدأت بمحاضرات لساطع الحصري وفيها تقديس للفكر القومي وخلفياته. من الممكن العودة إل مؤلفاته التي تكشف عن أيديولوجيته القومية اليمينية الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية تحت عنوان: الأعمال القومية لساطع الحصري، الأقسام الثلاثة، سلسلة التراث القومي، الطبعة الثانية: بيروت. 1990). وكان يعتمد في تثقيفه في النادي على أفكار كبار القوميين الألمان الذين اتخذ الفكر النازي الجديد والنظام الهتلري منهم قاعدته ونهجه لأيديولوجي المعادي للسامية وللشعوب عموماً.
لقد بدأ التمييز والعداء لليهود في العراق بوقت مبكر من ثلاثينيات القرن الماضي وأصبح واضحاً حين أصدر، ولأول مرة، وزير الاقتصاد والمواصلات أرشد العمري في عام 1934، وبموافقة الحكومة العراقية ورئيسها علي جودت الأيوبي، قراراً بفصل 150 موظفاً في وزارته كلهم من يهود العراق بحجة النشاط الصهيوني[7]. وكان أرشد العمري من اشد المعادين لليهود من منطلق إيديولوجي مناهض للسامية، وعمل على إحلال مواطنين مسلمين مكانهم. وجدير بالإشارة أن أرشد العمري أصبح فيما بعد رئيساً للجنة التي تشكلت بعد هروب الوصي لحماية مدينة بغداد، وهو من بين من عمل على تأجيج العداء ضد اليهود في بغداد وعموم العراق.
لقد وصل مفتي القدس الحاج أمين الحسيني إلى العراق بعد قيام الثورة الفلسطينية وهروباً من الاعتقال في فلسطين. فعمل مع الجماعة القومية ومع رشيد عالي الكيلاني وسامي شوكت ويونس السبعاوي وغيرهم، وكذلك مع العقداء الأربعة وشكلوا سوية اللجنة السرية لحزب الشعب غير المعلن عنها، وكان لكل عضو في قيادة هذا الحزب اسم سري. وكانت المهمات المطروحة على هذا الحزب هي:
* تأمين مجموعة مهمة من السياسيين القوميين البارزين لعضوية هذا الحزب، * تنشيط التعاون مع الدولة الألمانية والدولة الإيطالية ومحاولة إيقاف التعاون مع بريطانيا، عدم فسح المجال لاستخدام العراق قاعدة عسكرية ضد المانيا في الحرب العالمية الثانية، * دعم نضال الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني وضد توطين اليهود القادمين من أوروبا، * التهيئة للقيام بانقلاب عسكري ضد الحكومة العراقية وتسلم السلطة.
لعب الحاج أمين المفتي دوراً كبيراً في بلورة وتأسيس هذا الحزب ودوره في اللجنة السرية التي تشكلت لهذا الغرض وكان على رأسها. ومن الغريب في الأمر أن رشيد عالي الگيلاني، وبعد سنوات طويلة، وهو العضو البارز في المجموعة القيادية ورئيس وزراء الحركة ومعتمدها بعد المفتي، قد أنكر وجود ونشاط مثل هذا الحزب أو هذه اللجنة السرية في النقاشات التي جرت على صفحات الصحف في القاهرة، رغم أنه كان من المشاركين في تقديم طلب إجازة الحزب رسمياً، وعضواً أساسياً بارزاً في اللجنة السرية للحزب. مما اضطر المفتي أن يستعين بذاكرة ناجي شوكت ليؤكد صحة وجود مثل هذه اللجنة السرية أولاً، وعضوية رشيد عالي الگيلاني فيها ثانياً، وصحة الأسماء الحزبية التي كان يحملها أعضاء قيادة هذه اللجنة ثالثاً[8]. وجدير بالإشارة إلى أن المجموعة المدنية في هذه التشكيلة القيادية والأعضاء، وهم رشيد عالي الگيلاني (عبد العزيز)، ناجي شوكت (أحمد)، علي محمود الشيخ علي، يونس السبعاوي (فرهود)، محمد علي محمود، داود السعدي، والدكتور محمد حسن سلمان، قدمت طلباً رسمياً قبل الانقلاب بفترة قصيرة، أي بتاريخ 27 آذار/مارت من عام 1941، إلى وزارة الداخلية لتكوين حزب سياسي باسم “حزب الشعب” وقبل استقالة وزارة العميد طه الهاشمي دون أن يجاب الطلب[9]. أما القيادة العسكرية فتكونت من العقداء الأربعة صلاح الدين الصباغ (رضوان)، وفهمي سعيد (نجم)، وكامل شبيب ومحمود سلمان (فارس).
إن هذه العوامل وغيرها هي التي لعبت الدور الأساس في الموقف المناهض لليهود في العراق لدى مجموعات من الناس التي تأثرت بالفكر القومي ومن ثم بالنازية، وهي التي أوجدت الأرضية الفكرية الصالحة والمناخ السياسي المناسب لحصول فاجعة الفرهود في بغداد، في حين شكل غضب الجنود بانهيار القوات المسلحة العراقية أمام القوات البريطانية الذي أشرت له وأشار إليه اللامي أيضاً، القشة التي قصمت ظهر البعير، وليس الأساس الفكري والسياسي، إضافة إلى أني أشرت إلى أن السماح بحصول الفاجعة من جانب القوات البريطانية والسفارة البريطانية عبّر عن رغبة جامحة لدى الجماعات الصهيونية والحكومة البريطانية في زعزعة الثقة لدى اليهود في وجودهم في العراق ودفعهم للهجرة إلى فلسطين، كما كان يحصل في هجرة يهود من دول أوروبا، لاسيما أوروبا الشرقية وألمانيا قبل الحرب وأثنائها.
إن فاجعة الفرهود التي وقعت في الأول والثاني من شهر حزيران/يونيو 1941 ببغداد، وقبلها فرهود أخر في البصرة، لم يقترن الأخير بقتلى، ولكن حصل فيه نهب وسلب للمحلات، في حين سقط 144 مواطناً يهودياً ويهودية في هذين اليومين فقط، إضافة إلى كثرة من الجرحى، في بغداد، مع حصول نهب وسلب وتدمير محلات وبيوت العائلات اليهودية.
تملق الكياني الصهيوني
3) يقول علاء اللامي: أن المقالة “لا تخلو من تملّق الكيان الصهيونيّ ومؤسّساتِه الإعلاميّةِ والسياسيّة.”.
إن هذه الجملة لللامي تتضمن مسألتين: الأولى قوله الكيان الصهيوني، وهو التعبير الذي تمارسه القوى القومية اليمنية المتطرفة وقوى الإسلام السياسي المتطرفة وإيران، في حين اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل وكذلك عديد من الدول العربية وتقيم معها علاقات دبلوماسية منذ سنوات، منها مثلاً مصر والأردن، إضافة إلى دول عربية جديدة أخرى. كما إنها دولة عضوة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولكنها دولة معتدية ومحتلة وتمارس سياسة استعمارية مرفوضة دولياً على وفق اللوائح والقرارات الأساسية لمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة. وبالتالي فأن هذه التسمية التي يطلقها علاء اللامي هي ليست سوى جزءاً من النهج والسياسة والخطاب التدميري الذي تعرضت له القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني من جراء تلك المزايدات البائسة التي لا يتأثر بها ممارسوها، ولكنها آذت ومازالت تؤذي أولاً وقبل كل شيء الشعب الفلسطيني. ليس كل الشعب في إسرائيل صهاينة، أي ليسوا كلهم من القوميين اليهود اليمينيين المتطرفين، بل هناك من هم يناضلون ضد هذه السياسة، سواء أكانوا من اليهود أم من العرب في هذه الدولة. وعلاء اللامي كأي قومي يميني لم يعد قادراً على التمييز بين اليهود وبين سياسة الدولة الإسرائيلية التي لا نتفق معها بل نعارضها بشدة، وكذلك بين اليهودي الذي لا يحمل فكراً قومياً يمينياً متطرفاً أو صهيونياً. إذ بدون هذا التمييز يصعب تحقيق الدفع باتجاه تحقيق التمايز الفكري والسياسي داخل المجتمع الإسرائيلي الضروري لصالح حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة والعادلة التي أشرنا إليها سابقاً.
والمسألة الثانية التي طرحا اللامي تطرح بدورها السؤال التالي: لماذا أتملق إلى إسرائيل وإعلامها وسياسييها؟ هل لي من مصلحة في ذلك، وأنا المعارض لكل الدكتاتوريات وكل أشكال الظلم والجور والاغتصاب والتمييز العنصري والديني والمذهبي؟ إن ما يحصل في إسرائيل هو تمييز عنصري واجتماعي صارخين ضد العرب وضد اليهود السود وضد فقراء اليهود، بل حتى ضد اليهود الشرقيين، ومنهم يهود العراق. إسرائيل دولة رأسمالية مستغلة ومستعمرة ومغتصبة للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ومزارع شبعة والجولان. إن ما كتبه اللامي اتهام خائب يدين صاحبه، إذ لا دليل لديه على ذلك. كما أن نشر مقتطفات من المقال من جانب وزارة الخارجية، إنها ليست سوى كلمة حق يراد بها باطل، ولست مسؤولاً عن هذا النشر، إذ أن عشرات المواقع الديمقراطية العراقية والعربية وغيرها قد نشرت هذا المقال، إضافة إلى أن كتابي الذي أشرت إليه سابقاً قد وزع وبيع على نطاق واسع في الدول العربية والخارج، وعلاء اللامي هو الوحيد الذي “اكتشف!” بخبث وافتراء “تملقي للكيان الصهيوني!”. إن أشخاصاً من أمثال علاء اللامي هم الذي ساهموا، أدركوا ذلك أم لم يركوه، هم الذي ساهموا بإيصال القضية الفلسطينية إلى الواقع المحزن الراهن، وهم الذين ساعدوا بدعاياتهم الرخيصة والكاذبة برمي “الكيان الصهيوني بالبحر”، بحصول إسرائيل على دعم أكبر من دول وشعوب كثيرة في العالم، وهم الذين ساعدوا بشكل غير مباشر على اغتصاب المزيد من الاراضي الفلسطينية، بنسبة عالية مما كانت عليه حصة فلسطين في التقسيم الأول لفلسطين عام 1947 والتي لم تعد اليوم سوى 21% من تلك الحصة، وأن هذه النسبة هي الأخرى مليئة بالمستوطنات اليهودية، في حين ارتفعت حصة٤ إسرائيل عملياً إلى 79% بعد أن كانت بحدود 51% في عام 1947.
انتهت الحلقة الأولى وتليها الحلقة الثانية.
بقلم كاظم حبيب
حفل تخرج طلاب في جامعة أنطاكية السورية الخاصة وفي معهد التثقيف المسيحي ببغداد
أقيم مساء يوم السبت، حفلُ تخرّج الدفعة الثالثة لطلاب جامعة أنطاكية السورية الخاصة، بحضور ق…