15/06/2023

مقالة عن السيفو بقلم ابلحد ساكا

سيفو :
لقد فكك العثمانيون العائلة السريانية فقتلو الاب والام، واغتصبوا وسلبوا الابناء امام انظار المجتمع الدولي . ومع هذا كله استطاعت البقية الباقية من السريان لملمة جراحاتها وآلامها ،وان تعيد تكوين الخلية الحية في تاريخهم ، خلية العائلة المتألمة التي تتحلى بمشاعر الحب والعطف وكذلك فرح الابوة والامومة .
لقد حاول العثمانيون تمزيق شعبنا وتفكيك مؤسساته وبنيته الروحية والاجتماعية ، وفعل مالم يخطر ببال الظلم بعينه . فصدرت بحقه عدة فتاوى بالابادة الجماعية وبما يسمى في عصرنا اليوم بالجينوسايت . الاّ أن الارادة الالهية وصمود وايمان المتبقي من الافراد هنا وهناك من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري. تمّ اعادة تنظيمه بالرغم من كل التضحيات السخية التي لاتضاهيها تضحيات و الخسائر المادية والمعنوية والانكسارات النفسية والعوق البيولوجي للكثيرين في تاريخ شعوب العالم باسره ،فقد قدمّ قرابينه بفرح وسرور ليتنسم رائحة الرب الزكية ، رائحة الرضى عن هذا الشعب المبارك الصنديد القوي الارادة والعزيمة ..
وفي ابحاثه يقول البحاثه جورجي زيدان في الشعب السرياني ( السريان اهل ذكاء ونشاط،وارادة وعزيمة ،فكانوا كلما اطمأنت خواطرهم من مظالم الحكّام وتشويش الفاتحين ، انصرفوا الى الاشتغال في العلم والمعرفة ، فأنشئوا المدارس للاهوت والفلسفة واللغة ، وتعلموا علوم اليونان ونقلوها الى لسانهم،ولغتهم ، وشرحوا بعضها ولخصوا بعضها . وهنا يريد جورجي زيدان أن يقول ، كلما انتهى الشعب السرياني من حقبة مظلمة سوداء يعود فينظم نفسه ليواجه الاخرى ، لانه في حرب ضروس وشرسة مع اجناد الشر المتربصين لهذا الشعب المؤمن الحي ، صانع ومبدع جميع حضارات بلاد بيث نهرين بل حضارات الشرق القديم باسره . وهذه الحرب لاتنتهي بالرغم من كونها حرب غير متكافئة ..
اضطرَّ لمن بقي من الشعب السرياني في الشرق ليتأقلم مع الوضع القائم من الاستعباد والاضطهاد والتمييز الديني والطائفي والعرقي والظلم الطبقي الذي ظلَّ يؤطر حياتهم . امام كل تلك التحديات ، كان يتحين الفرص . فقد استطاعوا السريان ان يصنعوا او يجدوا اسس ويبتدعوا انماط حياة بديلة، فكان تفوقهم وتميزهم في الجانب الروحي والالتزام الادبي معيار لوطنيتهم والجانب العلمي والفلسفي والمعرفي والانساني معيار ظهورهم على المجتمع الدولي والعالمي .فأضحوا رسالة محبة وخدمة للبشرية كونهم جزء لايتجزأ من الحضارة العالمية .
لقد اكّدت سلسلة اصدارات المثلث الرحمات مار سيويريوس اسحق ساكا البرطلي “السريان ايمان وحضارة ” في اجزائه الخمسة وكنيستي السريانية إنَّ السريان شاركوا الانسانية في بناء الحضارة العالمية واخرجهم من تصنيف الشعوب الذين عاشوا خارج التاريخ ” . فهل كان تبني بناء الحضارات سبباً في تلقيهم تلك الاضطهادات ؟ هل كان اهتمامهم في استحداث الجامعات والمعاهد والمدارس سبباً في ابعادهم عن اوطانهم ؟ هل كان تنظيم المجتمع وسن القوانين وتشريعها سبباً في ابادتهم ؟ وهل كان عشقهم للارض وحبهم للوطن سبباً في محو هويتهم ؟
لقد كانت عقيدتهم سبباً في محبة العدو والصفح عن المسيء ومباركة المعتدي ،
لم تهدأ موجة الاعتداءات والملاحقات لشعبنا السرياني ، فكانت مجازر تلو المجازر في العصر الحديث ، منها مذابح سيفو الخالدة بجانب الاشقاء الارمن واليونانيين ، ومذابح سمّيل السيئة الصيت ومجزرة صوريا وغيرها الكثيرة
وكان آخرها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش )،عبارة عن بركان من الارهاب الاسلامي الحديث ،ان يفرض سياسة الترحيل والتهجير والاستيلاء والاغتصاب والسبي والقتل والتعذيب والاعتداء وارتفعت مستويات الجريمة المنظمة بدعم اسياد الجريمة وظلام التاريخ العثمانيين ومن تحالف معهم …
لقد تمّ تدمير البنية التحتية لشعبنا وانهاك اقتصاده والاستيلاء على ممتلكاته وعقاراته ومعامله ودوره ،نعم كل مايمتلكه اضحى في عداد الخسائر ،لانستطيع تقدير الثروة الاقتصادية والمادية ، ولكن مامن احد يأسف لها ، لأن المجانين المجرمون لاينقرضون اويتولاهم الفناء ….
الشعب السرياني الارامي مظلوم ومنهك في الشرق . عندما تتجرأ نخبة هذا الشعب وتطالب بمخرج انساني اوخصوصية معينة ، يُتهم بالعنصرية والتبعية للاجنبي بتبريرات مجحفة ونحن الشعب الاصيل للبلاد لابقائنا تحت نير العبودية والتسلط من اقوام لاتاريخ مشرف ولاحضارة تذكر ولاسيرة ومستقبل بمعالم واضحة …
وقد اضفت هذه الاقوام المتجبرة المتسلطة ولاتزال على سياستهم طابعاً قانونياً ، وهو قانون وضعي من اختراعهم لتبريرها ، فحللوا المحرمات في القتل والسلب والنهب والاغتصاب والاستيلاء وحرموا المحللات . فسلخوا الانسانية من الانسان ،وسلخوا الانسان من انسانيته وآدميته تكريساً لمخططاتهم الدنيئة الواطئة ..نعم حدث تقاطع كبير بين شريعة المعتدي ومبادى المعتدى عليه . بين المجرم والضحية .
إنَّ بذرة اليأس والضياع نبتت في نفوس بعض السريان ،وايقنوا إنه لامخرج ولامهرب ، وانما الاستسلام المطلق والتبعية مخرج جديد بدافع الخوف الغير المبرر ، وبات البعض يعتبر الخوف هو المناخ السائد الذي يتنفسه الجميع ، ويستنشقونه صباح مساء ، وان عملية هجرته وانتقاله من مكان الى آخر هو العذاب المر ،لانه لايعرف المجهول المنقول اليه ،انه موت جديداو طريق الى وضع جديد اقسى وأمر من الموت والعذاب الذي يعيش فيه …
إنَّ المجتمع الذي نعيشه لم ولن يتغير تجاهنا من حيث الفكر الاجتماعي والنظرة الاجتماعية للسريان ،فالمفروض على شعبنا المنتصب القائم ان يهبط للحياة في القاع ، حيث الازدراء والضياع واليأس والبطالة . لقد حاولوا ان يجعلونا لانمتلك الاحساس بذواتنا ومستقبلنا ووطنيتنا وانتماءاتنا الروحية والاجتماعية والانسانية ،ولانمتلك حياتنا ،ولانمارس دوراً في بناء مستقبلنا …
من المستحيل على جماعة تعيش في وضع اجتماعي عاجز ان تنضج وتمارس فعاليات وجودها الاجتماعي بدون ان تعالج بما تشبه الصدمة الكهربائية …لقد حُجِبَت عن شعبنا الكثير من الوظائف العامة والمناصب وهذا يثير التوتر والقلق والشعور باللا انتماء والتشكيك بالوطنية … نحن لسنا ضد فرد ما بصفته الفردية ، بل ضد الوضع السياسي والاجتماعي التقليدي . ضد التهميش والاقصاء والامتيازات والتركيب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي طردنا طرداً عنيفاً ولحقب زمنية متعاقبة ….
الوطنية عند السريان تشغل فكرهم ،لهذا يهاجم مرض الغربة والهجرة دماغهم لتعرضهم لمجازر لااخلاقية ،اما الارهاب يشغل عواطفهم فيهاجم قلبهم ….علينا ان نتوحد ونترك المخلفات الشخصية والتبعية جانبا ، وكما يقول لنكولن ( إن البيت المنقسم على نفسه لايستطيع الصمود ) …
وهنا يتسائل السريان من حولهم
1- هل قدَر السريان ان يغرَقوا في بحار من الدم والعنصرية بسبب انتمائهم الديني؟ .
2- متى كان المعتقد او الدين جريمة يُعاقب عليها القانون البشري ؟
3- ما الجريمة التي ارتكبها السرياني المسيحي الشرقي اذا وُلدَ مسيحيا بغير ارادته ،والمعتنق المسيحية من غير الاديان بارادته .؟
4- متى كانت الانسانية تستثني ديناً من الاديان آدميته لتحكم عليه بالموت لخروجه عن انسانيتها ؟
5- متى كانت الاوطان حكراً على معتقد او دين معين دون سواه؟
6- هل ان فقدان الفرح والقوة عند الآخرين سبباً في محاربة مواهب الله فينا ؟
7- هل شعور الآخر بالضعف والقلق والنقص يدفعهم للاعتداء على الممتلئين بركة ونعمة ؟

حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. (متى ٢٤: ٩)
مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ (رومية ٨: ٣٥)

يمكنكم قتل الجسد ونهب الممتلكات لكنكم يستحيل عليكم نزع الايمان من صدور المؤمنين ……………………..

بقلم الشماس : ابلحد حنا ساكا البرطلي
الخميس ١٥ حزيران ٢٠٢٣

‫شاهد أيضًا‬

اختتام أعمال مهرجان مردوثو السنوي الثالث

اختُتِمَت أعمالُ مهرجانِ “مردوثو” السنويِّ الثالث في صالةِ “طيفور”…