أعياد الربيع.. رابطة الطبيعة بين مكونات شمال وشرق سوريا
يستعد الشعب السرياني الآشوري الكلداني في أرضه التاريخية لاستقبال رأس السنة البابلية الآشورية “آكيتو” لعام ستة آلاف وسبعمئة وأربعة وسبعين، هذا العيد الذي يُعد أقدم عيد في تاريخ البشرية، ويُحتفل به حتى يومنا هذا في مطلع شهر نيسان من كل عام.
وتتحضر القرى والبلدات السريانية في بيث نهرين في كل عام لهذا العيد الذي احتفل به الآباء والأجداد، الذي يعود إلى الألف السادس قبل الميلاد وفق رواية بعض الباحثين.
وعيد آكيتو يمثل رمزاً دينياً مقدساً، وهو عيد رأس السنة البابلية الآشورية وتستمر الاحتفالات به لمدة اثني عشرة يوماً، يشهد فيها ممارسات وطقوساً تتمثل فيها أسطورة الخلق وأسطورة “إينوما إيليش”، لتعود خلالها الحياة للإله مردوخ على يد ابنه الإله نابو، لتبعث الحياة في الطبيعة في دورة حياة جديدة.
ونبعت مراسم هذا العيد من حكاية ذلك الزواج المقدس ما بين إلهة الجمال عشتار وإله الخصب تموز، وحدوث تفاصيل كثيرة متعلقة بقرار عشتار الذي أفضى إلى نزولها إلى العالم السفلي، رغبة منها بإعادة الحياة إلى الأموات، ثم حجزها ومعاقبتها هناك على يد إلهة العالم السفلي، وعدم اكتراث زوجها تموز بذلك.
وبعد أن تدخلت الآلهة وأعادت عشتار إلى الحياة، عرضت عشتار في مجلس الآلهة قضية غدر تموز، مطالبة بضرورة عقابه، فما كان من الآلهة إلا أن منحت تموز الخلود النصفي، وبعثه سنوياً إلى الحياة لمدة ستة أشهر فقط.
وهكذا حسب الميثيولوجيا السومرية صار تموز يُبعث إلى الحياة في اليوم الأول من نيسان، ثم يعود إلى العالم السفلي مع نهاية شهر أيلول.
وعيد آكيتو لم يكن يمثل احتفالاً دينياً فقط، بل كان له أهمية سياسية واجتماعية كذلك في المجتمع البابلي الآشوري، إذ كانت الطقوس تتضمن تجديد حكم الملك والكاهن الأكبر، وإبداء خضوعهما للإله الذي تنهال عليه القرابين، كما تخصص الطقوس يومين لتقرير المصائر والشرعية لملوك بلاد الرافدين، وكان آكيتو يعتبر عنصراً مكملاً للسياسة الملكية للناس في المجتمع، والاحتفالات بالعيد كانت تُوظف التدابير السياسية من قبل العاهل أو الكاهن الأكبر ليؤكد على سلطة الملك والإله الوطني والعاصمة البابلية.
ويعود آكيتو في جذوره القديمة الأولى إلى أنه كان عيداً شعبياً، وكان يُحتفل به بين شهري آذار ونيسان، ويُمثل رأس السنة الجديدة أي الاعتدال الربيعي، ثم أصبح من المتعارف عليه الاحتفال به في اليوم الأول من شهر نيسان في كل عام.
ولـ “آكيتو” قيم ودلالات إنسانية وفلسفية، تؤكد على عمق ارتباط الإنسان بالطبيعة والأرض ودورة الحياة المستمرة بلا انقطاع، وتشير إلى قدرة الإنسان على التجدد والانبعاث.
وفي وقتنا الحاضر يكرر المحتفلون بالعيد ما كان يفعله القدماء، من رقص وفرح، وارتداء أزياء شعبية مزركشة تحتوي على تطريز، وريش، ويؤدون مشاهد درامية فلكلورية تشبه أسطورة انبعاث الحياة من الأرض بعد الشتاء.
وأمست الاحتفالات بهذا العيد والطقوس المرافقة لها أصلاً لكل الأعياد الربيعية المشابهة له كالنوروز، وأعياد الإيزيديين في نيسان، والأعياد اليهودية والأوغاريتية.
النوروز وهو رأس السنة الكردية التي صادفت العام ألفين وستمئة وست وثلاثين، كما يمثل عيد النوروز الحد الفاصل بين الشتاء والربيع، ونوروز كلمة مركبة من مقطعين تعنيان باللغة الكردية اليوم الجديد.
العيد القومي للكرد مرتبط بأسطورة تعود إلى أكثر من ستة قرون قبل الميلاد، بطلها يدعى كاوى الحداد، الذي واجه الشر الممثل بشخصية الملك الذي كان يدعى الضحاك.
وكان الأخير بحسب الأساطير الكردية، يملك أفعى تتغذى على أدمغة الأطفال، وحينئذ سلب خمسة عشر طفلاً من أطفال الحداد، ولم يبق لديه سوى طفلة صغيرة، فقرر أن يفديها بروحه فتوجه إلى قصر الضحاك بمطرقته واستطاع التغلب عليه، ثم أوقد النيران فوق القصر وحمل شعلة بيده، فعرف الأهالي أنه قد انتصر، وأن هذه النيران هي مشعل الحرية وأن الحادي والعشرين من آذار يوم ولادة جديدة دحرت الظلم، لذا فإن هذا التاريخ هو اليوم الأول من السنة الكردية الجديدة، وهو مقدس عندهم حتى يومنا هذا.
ويحتفل الإيزيديون اليوم بعيد رأس السنة الإيزيدية الذي يطلقون عليه “الأربعاء الأحمر”، والذي يعد يوم الأربعاء الأول من نيسان بالتقويم الشرقي الذي يتأخر عن التقويم الميلادي ثلاثة عشر يوماً، ويصادف في فصل الربيع الذي يكثر فيه انتشار ونمو الزهور والورود بكافة الألوان والأشكال.
وتُجرى في هذا اليوم طقوس خاصة، حيث ينهض الإيزيديون باكراً، ويرتدون أجمل ثيابهم ويزينون مداخل بيوتهم بالورود وشقائق النعمان، ويلون الشبان والشابات اثنتي عشرة بيضة مسلوقة، كل ثلاث بيضات بلون فصل من فصول السنة، ويضعونها في طبق وسط البيت، وترمز البيضة إلى كروية الأرض.
ويرمز سلق البيض إلى تجمد الأرض، أما قشرة البيضة بعد سلقها فترمز إلى ذوبان طبقة الجليد عن وجه الأرض، أما تلوين البيض فهو إشارة إلى ألوان الورود والأزهار التي تفتحت بقدوم “طاووس ملك” أي الربيع، والربيع هو بداية الحياة حسب اعتقادهم.
وهكذا وفي دلالة على أن شعوب المنطقة يجمعها حب الخير منذ الأزل، فالشعب السرياني الآشوري الكلداني، وكذلك الكرد والإيزيديون يحتفلون كل على طريقته بقدوم الربيع، لكن يجمعهم الفرح والخروج إلى الطبيعة وعقد الدبكات الشعبية والفلكلورية، لتشكيل لوحة أعياد الربيع، كل منه بلمسته الخاصة.
مطار القامشلي تحت سلطة إدارية جديدة من قبل المجلس التنفيذي لشمال وشرق سوريا
زالين (القامشلي)، شمال وشرق سوريا — في تحول إداري مهم، أصدر المجلس التنفيذي للإدارة الذاتي…