‫‫‫‏‫أسبوعين مضت‬

يوم في التاريخ.. إحياء ذكرى المفكر القومي السرياني نعوم فائق بالاخ

5 شباط/فبراير 2025 – سيرياك برس
تحل اليوم الذكرى الثالثة والتسعون لوفاة المعلم السرياني، اللغوي، الصحفي، والناشط القومي نعوم فائق بالاخ، أحد رواد النهضة القومية السريانية الحديثة، الذي لعب دورًا أساسيًا في إحياء الهوية السريانية وتعزيز الوعي القومي.

المولد والنشأة
وُلِد نعوم “فائق” بالاخ في عام 1868 في أوميد (دياربكر)، التي كانت آنذاك جزءاً من الدولة العثمانية. كعضو في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، تلقى تعليمه في المدرسة السريانية المحلية التي أسَّستها “إخوة السريان القدماء”. درس السريانية الكلاسيكية، والعثمانية التركية، والعربية، وطوَّر مهاراته اللغوية حتى أصبح متمكِّناً من اللغة السريانية.
في شبابه، عمل شماساً، وكتب رسائل رؤساء الأساقفة والمجالس الكنسية، وابتداءً من 1888 بدأ بتدريس اللغة السريانية، والتاريخ، والعقيدة، والليتورجيا. كان عضواً فاعلاً في الكنيسة السريانية في أوميد وقيادياً في المدارس السريانية حيث درَّس وألقى المحاضرات. كان من أوائل الداعين إلى إنشاء المدارس والمنظمات الاجتماعية السريانية، ونقل شغفه باللغة السريانية إلى مختلف مناطق الشرق الأوسط، حيث زار الكنائس والأديرة والمكتبات في ماردين، وحمص، وبيروت، والقدس، وانكبَّ على قراءة المخطوطات السريانية القديمة.

فكر نعوم فائق القومي ونهجه في القومية السريانية
يُعَدّ نعوم فائق بالاخ أحد الآباء المؤسسين للفكر القومي السرياني الحديث، إذ طرح مفهوماً قومياً يتجاوز الحدود المحلية والانقسامات الكنسية والطائفية، مستنداً إلى الإرث اللغوي والثقافي العريق لبلاد ما بين النهرين (بيث نهرين).
كان يؤمن بأن الشعب السرياني هو امتداد للآشوريين، والآراميين، والكلدان الذين سكنوا بلاد ما بين النهرين، وأن هذه الأصول التاريخية هي ما شكَّلت هوية السريان الثقافية واللغوية. في كتاباته، استخدم تسميات آرامي، آشوري، كلداني بشكل متساوٍ، معتبراً أن جميع هذه المكونات جزء من “الأمة السريانية” دون تمييز كنسي أو طائفي.

النهضة القومية في ظل انهيار الدولة العثمانية

عاش نعوم فائق في فترة مضطربة من التاريخ، حيث كانت الإمبراطورية العثمانية تنهار، والقوى العظمى كبريطانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة تتصارع للسيطرة على مناطقها. تزامنت هذه المرحلة مع تصاعد الاضطهاد العثماني ضد الأقليات، وحملات الإبادة الجماعية، واندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
في هذه الأجواء، سعى نعوم فائق إلى إيقاظ الشعور القومي السرياني، داعياً السريان إلى مقاومة الاضطهاد واستعادة دورهم التاريخي. كتب ونشر مقالات وقصائد وأناشيد تدعو إلى الوحدة القومية والنضال من أجل الحقوق، وحثّ السريان على التحرر من التبعية والاستسلام للواقع المفروض عليهم.

الهجرة إلى أمريكا ومواصلة النضال
بحلول عام 1912، بدأت الدولة العثمانية بتشديد القيود على النشاطات القومية، مما دفع نعوم فائق إلى مغادرة أوميد (دياربكر) متوجهاً إلى بيروت، ثم إلى الولايات المتحدة، حيث وصل إلى نيويورك في 5 كانون الأول/ديسمبر 1912.
في المهجر، وجد نعوم فائق أن أفكاره قد سبقته، حيث كان السريان المهاجرون على دراية بكتاباته. استمر في نشر الفكر القومي السرياني وأقام علاقات مع مفكرين وأكاديميين سريان ولبنانيين وعراقيين، من بينهم الدكتور فيليب حتّي، والمؤرخ اللبناني فيليب دي طرازي، واللاهوتي اليسوعي الكلداني لويس شيخو، والباحث الكلداني ألفونس مينجانا.
كان لنعوم فائق تأثيرٌ واسع على شخصيات قومية بارزة مثل المؤرخ آشور يوسف (1858-1915)، والصحفي سنحريب بالي (1878-1971)، ورئيس أساقفة ماردين حنا دولاباني (1885-1969)، إضافة إلى نخبة من الأساتذة السريان الذين واصلوا حمل رسالته القومية.

إرث نعوم فائق وأعماله الأدبية والصحفية
أسس نعوم فائق عدة مجلات وصحف قومية كان لها دور كبير في نشر الفكر القومي السرياني، منها:
– مجلة “كيروثو” (“النهضة”) عام 1908 في أوميد
– صحيفة “كوكب مادنحو” (“كوكب المشرق”) التي وثَّق من خلالها أوضاع السريان
– مجلة “بيث نهرين” التي نشرها في أمريكا بدءاً من 1916 بثلاث لغات: السريانية والعربية والعثمانية التركية
– مجلة “حويودو” (“الوحدة”) التي أصدرها اتحاد الكلدان والآشوريين في أمريكا بين 1921-1922
كما ألَّف مجموعات شعرية وقواميس لغوية، وترجم بعض أعمال الشاعر الفارسي عمر الخيام إلى السريانية. جمع في كتابه “زومورو عمثونويو وماثونويو” (“الأناشيد القومية والوطنية”) قصائده التي غنَّاها لاحقاً فنانون بارزون مثل غابرييل أسعد، بول ميخائيل، يوسف شمعون، وسعاد يوسف.

الوفاة والإرث
توفي نعوم فائق بالاخ في 5 شباط/فبراير 1930في الولايات المتحدة، لكنه ظلَّ حياً في ذاكرة الأجيال السريانية. من كلماته الأخيرة:
“وُلِدتُ فيكِ، وأريد أن أموت فيكِ أيضاً، يا وطني الحبيب بيث نهرين. أريد أن يُدفن جسدي في ترابكِ.”
يُحيي السريان في مختلف أنحاء العالم ذكرى وفاته كل عام، عبر المدارس، والكنائس، والمنظمات القومية، تخليدًا لتراثه ودوره في إحياء الفكر القومي السرياني.

‫شاهد أيضًا‬

معلولا.. معقل الهوية السريانية الآرامية

تقرير خاص من سيرياك برس معلولا-دارمسوق(دمشق) تعدُّ معلولا واحدة من أقدم القرى في سوريا الت…