12/02/2025

معلولا.. معقل الهوية السريانية الآرامية

تقرير خاص من سيرياك برس

معلولا-دارمسوق(دمشق)

تعدُّ معلولا واحدة من أقدم القرى في سوريا التي لا تزال تحتفظ بهويتها السريانية الآرامية. تقع هذه البلدة التاريخية في جبال القلمون شمال غرب دمشق، وتعتبر من أرقى وأهم المواقع الثقافية والدينية في العالم المسيحي الشرقي. تُنطق في معلولا اللغة الآرامية، وهي اللغة التي تكلمها السيد المسيح، ما يجعلها بمثابة جسر حي بين الماضي والحاضر.

تتميز معلولا بموقعها الجغرافي الفريد الذي جعلها تُعتبر حصناً طبيعياً، حيث كانت مرآة حية للثقافة السريانية الآرامية عبر العصور. في حين أن المنطقة شهدت العديد من الغزوات والتغييرات السياسية طوال تاريخها الطويل، إلا أن معلولا بقيت صامدة في مواجهة التحديات، واحتفظت بهويتها السريانية المسيحية.



تاريخ الهجمات على معلولا
على مر العصور، تعرضت معلولا للعديد من الهجمات من قبل الغزاة، لكن الهجوم الذي وقع في عام 2013 كان الأكثر دموية ودماراً. في تلك الفترة، اجتاحت جماعات من إرهابيي داعش بلدة معلولا، في محاولة لتدمير معالمها المسيحية، وتغيير هويتها الثقافية والدينية بشكل نهائي.

أثناء هذا الهجوم، حاول إرهابيو داعش تدمير الكنائس القديمة، مثل كنيسة القديسة تقلا ودير مار سركيس، وكافة الرموز المسيحية التي تمثل إرثاً دينياً وثقافياً. كما قاموا بإجبار السكان المسيحيين على مغادرة منازلهم أو اعتناق الإسلام، في محاولة قمعية لفرض رؤيتهم المتطرفة.




وقد تمكن المقاتلون المحليون وأبناء المنطقة من طرد إرهابيي داعش بعد عدة أشهر من القتال العنيف. ورغم الدمار الذي خلفه الهجوم، إلا أن البلدة استطاعت أن تستعيد بعضاً من قوتها، وشهدت عودة تدريجية لعائلاتها السريانية المسيحية التي كانت قد فرّت منها بسبب المعارك.

الوجود السرياني المسيحي في معلولا ومخاوف من بعض الجيران المسلمين
تظل معلولا واحدة من أبرز القرى السريانية المسيحية في سوريا، ورغم ذلك، هناك توترات بين بعض العائلات المسيحية وجيرانهم من المسلمين. يرجع ذلك إلى الشكوك التي أثارها البعض حول تعاون بعض المسلمين المحليين مع إرهابيي داعش أثناء الهجوم على البلدة.

وفقاً لروايات بعض سكان معلولا، فإن هناك من يرى أن بعض الجيران المسلمين كانوا قد قدموا الدعم اللوجستي والمعلوماتي للإرهابيين، مما أتاح لهم الدخول إلى البلدة وتوسيع سيطرتهم عليها. هذا الأمر ترك جرحاً عميقاً في العلاقات بين المجتمعين، مما أدى إلى حالة من الحذر الشديد بين العائلات السريانية المسيحية وبعض جيرانهم المسلمين. رغم أن هناك من ينكر هذه التهم، إلا أن الشكوك ما تزال قائمة في أذهان العديد من سكان معلولا الذين يخشون أن تكون هذه العلاقات قد تسببت في تغيير هويتهم السريانية المسيحية بشكل غير مسبوق.




مستقبل معلولا في ظل الحكومة الانتقالية
مع مرور الوقت، ومع بداية الانتقال السياسي في سوريا بعد الحرب، يظل مستقبل معلولا غامضاً. ومع أن القوات المحلية قد تمكنت من طرد إرهابيي داعش، إلا أن البلدة لم تشهد استقراراً تاماً. في الآونة الأخيرة، ظهرت بعض التقارير التي تشير إلى أن قوات الحكومة الانتقالية قد وصلت إلى معلولا، ولكن دون أي تحرك فعّال أو لقاء مع الأهالي.




بحسب شهود عيان من سكان معلولا، فإن القوات التي دخلت البلدة كانت في زيارة شكلية فقط، حيث لم تُجرِ أي محادثات مع سكان البلدة أو القيادات المحلية، ولم يُعلَن عن أي خطة لتنظيم الوضع الأمني أو إعادة إعمار البلدة بشكل جاد. هذا الأمر يثير القلق بين سكان البلدة، الذين يخشون أن تكون هناك محاولات لتهميش أو حتى تقويض هويتهم السريانية المسيحية في المستقبل.

وإذا ما نظرنا إلى الوضع السياسي في سوريا بشكل عام، فإنه من الواضح أن المستقبل القريب لمعلولا قد يتأثر بالتحولات الكبرى التي تشهدها البلاد. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو حماية هذا الإرث الثقافي الفريد وضمان أن تظل معلولا، كما كانت عبر العصور، موطناً للسريان الآراميين وحصناً لهويتهم السريانية المسيحية.



معلولا، التي كانت ولا تزال نقطة التقاء بين الثقافات والحضارات، تواجه اليوم تحديات جديدة في محاولة الحفاظ على إرثها الثقافي والديني. وبينما يواصل سكانها صمودهم، فإنهم يتطلعون إلى أن يكون هناك دعم دولي ومحلي لحماية بلدتهم من محاولات التغيير القسري، وضمان أن تظل معلولا رمزاً للهوية السريانية الآرامية التي لا تضعف أمام الرياح العاتية.

‫شاهد أيضًا‬

مركز الدراسات الاستراتيجية السريانية ينظم منتدى حوارياً حول ضحايا إبادة الخابور

الخابور – تل تمر – شمال وشرق سوريا – بهدف تسليط الضوء على الانتهاكات الت…