18/02/2025

انهيار جسر تل تمر يعزل القرى ويثقل كاهل السكان

سيرياك برس

تل تمر، سوريا – وسط تضاريس تمتد عبر نهر الخابور، كان جسر تل تمر لعقود طويلة شرياناً حيوياً يربط بين القرى والمزارع والأسواق في المنطقة. اليوم، وبعد انهياره بسبب الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة، تحول إلى كومة من الحطام، مما فرض على سكان البلدة والمناطق المجاورة تحديات غير مسبوقة.

الجسر، الذي بُني في عهد الانتداب الفرنسي قبل نحو تسعين عاماً، لم يكن مجرد طريق يربط بين طرفي البلدة، بل كان بمثابة شريان رئيسي يربط الشرق بالغرب، ومساراً يعبره المزارعون والتجار والطلاب يومياً. الآن، مع انهياره، أصبح على سكان القرى القريبة أن يسلكوا طرقاً طويلة تتجاوز الأربعين إلى الخمسين كيلومتراً للوصول إلى الضفة الأخرى، ما يزيد من الوقت المستغرق ويضاعف التكاليف.



“أهم جسر تجاري في المنطقة”

بالنسبة لسكان المنطقة، لا يعتبر جسر تل تمر مجرد ممر محلي، بل طريقاً تجارياً استراتيجياً يربط مناطق واسعة في سوريا، من الحدود العراقية شرقاً وحتى الساحل السوري وتركيا شمالاً.

يؤكد أوديشو يوخنا، وهو رجل يبلغ من العمر أربعين عاماً من قرية تل شمرا، أن الجسر كان من أهم الجسور في سوريا. ويقول في حديثه مع وكالة سيرياك برس:

“هذا الجسر من أكثر الجسور حيوية في سوريا، فهو يقع على الطريق التجارية ال أم فور التي تربط العراق بمناطق شرق سوريا، وتمتد إلى حلب ودمشق وحتى الساحل، ومن هناك إلى تركيا. كما أنه يربط تل تمر بالمناطق المجاورة والمحيطة بها.”



ويضيف يوخنا متحدثاً عن معاناته بعد انهيار الجسر: “المدة التي كنت أستغرقها للانتقال من منزلي في قرية تل شمرا إلى بلدة تل تمر كانت خمس دقائق فقط، أما الآن، فأحتاج إلى ساعة كاملة، لأن عليّ الذهاب إلى جسر الخريطة، والالتفاف عبر طريق طويل للعودة إلى تل تمر.”

رحلة يومية تتحول إلى معاناة شاقة

بالنسبة لكثير من سكان تل تمر، يمثل انهيار الجسر أكثر من مجرد انقطاع طريق، بل أزمة معيشية حقيقية.

يقول سهيل نوري شابو، أحد سكان البلدة، في حديثه مع وكالة سيرياك برس: “لقد تضرر الجسر كثيراً، ومن يريد العبور الآن يجب أن يسلك طريقاً أطول بكثير. المشكلة الأكبر هي أن هناك أشخاصاً كباراً في السن، وخاصة من الآشوريين القادمين إلى البلدة، يضطرون إلى إيقاف سياراتهم عند نقطة الانهيار، وإنزال أغراضهم، ثم حملها والسير لمسافات طويلة قبل أن يجدوا وسيلة نقل أخرى تأخذهم إلى حيث يريدون. هذا يزيد من مشقتهم ويضاعف نفقاتهم بشكل لا يحتمل.”

أما المزارعون، الذين يعتمدون على الجسر للوصول إلى أراضيهم الزراعية، فقد أصيبوا بصدمة كبيرة. يقول موفق يوسف، أحد أبناء تل تمر المتضررين: “كان الجسر يربط القرى الغربية بالشرقية، وأيضاً الشمالية بالجنوبية. الآن، إذا أراد أي مزارع الذهاب إلى أرضه الواقعة على الخط الجنوبي، عليه أن يسلك طريقاً دائرياً عبر منطقة الخريطة، وهو طريق طويل ومتعب جداً. هذه ليست مجرد مشكلة تنقل، بل أصبحت أزمة اقتصادية، لأن المسافة الإضافية تعني زيادة في استهلاك الوقود ودفع تكاليف إضافية للنقل.”



“أزمة حيوية بسبب انهياره”

يؤكد سركون صليو، عضو مجلس الشعب الآشوري من قرية تل نصري، أن انهيار الجسر لم يكن فقط نتيجة للأمطار الغزيرة، بل ساهمت في ذلك عوامل أخرى مرتبطة بتاريخ الصراع في المنطقة. ويوضح في حديثه مع وكالة سيرياك برس:

“هذا الجسر كان بمثابة شريان اقتصادي وخدمي رئيسي، فهو يقع على طريق الـ أم فور الذي يربط محافظة الحسكة بمدينة حلب، ويعد من أهم الطرق الحيوية في سوريا. انهياره أدى إلى أزمة تنقل كبيرة بين ضفتيه الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، مما يضطر السكان للذهاب إلى جسر الخريطة، الذي يبعد بين الأربعين و الخمسين كيلومتراً، للانتقال إلى الضفة الأخرى.”

والجدير بالذكر أن الجسر كان قد تعرض لأضرار كبيرة خلال هجوم داعش الارهابي على تل تمر في الثالث والعشرون من شباط عام الفين وخمسة عشر، حيث تم تدمير جزء منه أثناء المعارك. إضافة إلى ذلك، ترك التنظيم المتطرف ألغاماً مزروعة داخله، ما جعله ضعيفاً وغير مستقر لسنوات. ولذلك يرجح أنه عندما ضربته الصاعقة مؤخراً، أدى ذلك إلى انفجار الألغام المتبقية، مما عجّل بانهياره بالكامل.

محاولات إصلاح مؤقتة أمام خطر السيول

مع تزايد الشكاوى والمطالبات بضرورة إصلاح الجسر، حاولت بلدية تل تمر إيجاد حلول إسعافية سريعة لتخفيف الأزمة.

يقول مصطفى، أحد مسؤولي البلدية، في حديثه مع وكالة سيرياك برس: “نحن ندرك حجم المشكلة، ولذلك حضرنا على الفور للعمل على إصلاح الجسر بشكل مؤقت. قمنا بوضع عبارات مائية كحل إسعافي، حتى لا تبقى القرى معزولة تماماً. لكن هذا ليس حلاً دائماً، وإذا قامت تركيا بفتح المياه من طرفها، فإن هذه العبارات ستنهار فوراً، وسنعود إلى نفس المشكلة.”



دعوات لإصلاح سريع قبل تفاقم الأزمة

يخشى سكان تل تمر من أن يؤدي التأخير في إصلاح الجسر إلى أزمة إنسانية واقتصادية أعمق. فمع تزايد تكاليف النقل وارتفاع أسعار الوقود، يزداد العبء على المزارعين والتجار والطلاب الذين يعتمدون على هذا الطريق للوصول إلى أعمالهم ومدارسهم.

“نحتاج إلى حل دائم، وليس مجرد حلول إسعافية”، يقول موفق يوسف، مشدداً على ضرورة تدخل الجهات المعنية بشكل عاجل. “إذا استمر الوضع هكذا، فسيعاني الجميع، خاصة أن الاقتصاد المحلي في حالة ضعف بالفعل.”

الطابع السرياني الآشوري المميز للمنطقة

تقع تل تمر ضمن منطقة ذات طابع سرياني آشوري بحت، إذ تنتشر على ضفاف نهر الخابور قرابة ثلاثة وثلاثون قرية آشورية، يقطنها آشوريون بشكل شبه كامل، مع وجود بسيط لبعض العائلات العربية و الكردية.



تاريخياً، لعبت هذه القرى دوراً رئيسياً في الزراعة والتجارة، وكان الجسر الرابط الأساسي الذي يربطها ببعضها البعض وبالمدن الرئيسية.

‫شاهد أيضًا‬

الأمن الداخلي يضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة ويؤكد مواصلة عمله تجاه مروجيها

شمال وشرق سوريا، بيت نهرين — في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، والذي صادف أمس الخميس السا…