جبعدين.. السريان المسلمون وصراعهم من أجل الهوية
تقرير خاص من سيرياك برس
جبعدين- ريف دمشق
ينتشر السريان الآشوريون في بقاع كثيرة في سوريا، وما زال الكثير منهم محافظين على عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم على الرغم من كل الضغوط التي مورست عليهم خلال العقود الماضية.
تقع جبعدين، وهي قرية صغيرة محاطة بالجبال الوعرة في سوريا، في موقع فريد من نوعه تاريخياً. فهي واحدة من القرى القليلة المتبقية التي لا يزال سكانها المسلمون يحافظون على اللغة السريانية. ويعكس اسم القرية، وهندستها المعمارية، وتراثها الثقافي جذورها السريانية العميقة، رغم قرون من الضغوط السياسية والاجتماعية التي سعت إلى طمس هويتها المتميزة أو استيعابها قسراً.
كانت جبعدين جزءاً من منطقة أوسع كان يُتحدث فيها اللغة السريانية، حيث كانت الآرامية، اللغة الأم للسريان، شائعة بين سكانها. ومع مرور الوقت، وبسبب التغيرات الدينية ودخول المسلمين للمدن والقرى السريانية، اعتنق العديد من سكانها الإسلام. ومع ذلك، وعلى عكس مجتمعات أخرى اندمجت بالكامل في الثقافة العربية السائدة، حافظ سكان جبعدين على هويتهم اللغوية والثقافية، حيث استمروا في التحدث بالسريانية في منازلهم ومجتمعهم.
المعاناة تحت حكم البعث
قرية جبعدين في ريف دمشق هي إحدى تلك القرى التي ما زال سكانها المسلمون يتحدثون بلغتهم الأم السريانية، في ظل سنوات من الحرمان والضغط من النظام السوري السابق.
قامت سيرياك برس بزيارة خاصة إلى جبعدين لتوثيق القصص غير المروية لشعبها. وأجرينا مقابلات مع ثلاثة من سكان القرية: عمر عموش، خالد حسون، ونزار عبادة، حيث شاركوا تجاربهم الشخصية من الاضطهاد، والصمود، والنضال من أجل الحفاظ على ثقافتهم في ظل نظام البعث، وشرحوا فصولاً من المعاناة التي كابدوها في ظل حكم الأسدين الأب والأبن.
تحدثوا عن الصعوبات التي واجهوها، وكيف أن النظام السوري قمع الأقليات بشكل منهجي، بما في ذلك هويتهم السريانية. وذكروا أن مجتمعهم عانى تحت سياسات التعريب القسري التي حاولت محو الهويات غير العربية لصالح سردية قومية موحدة. ورغم أن السريانية كانت لغتهم الأم، إلا أن استخدامها في الحياة العامة كان ممنوعاً، وأُجبروا على تعريف أنفسهم كعرب.
وقال خالد حسون:
“نحن السريان المسلمون، ولن ننكر هويتنا مهما حاول النظام فرض رؤيته الشوفينية علينا. لقد ضغطوا علينا للتخلي عن تراثنا وإعلان أنفسنا كعرب، لكننا رفضنا.”
مقاومة جبعدين: اللجوء إلى الجبال والقتال ضد النظام
لم يكن الاضطهاد في جبعدين ثقافياً فقط، بل كان سياسياً أيضاً. فبسبب القمع المستمر، لجأ بعض رجال القرية إلى الجبال المحيطة، واتخذوها ملاذاً وقاعدة لشن هجمات ضد قوات النظام، في معركة لم تكن فقط من أجل حريتهم السياسية، بل أيضاً من أجل حقهم في الوجود كهوية سريانية مستقلة.
وعندما ضعفت قبضة نظام الأسد مع تصاعد الثورة السورية، سارع سكان جبعدين إلى تنظيم أنفسهم لحماية قريتهم. وفور سقوط سيطرة النظام على المنطقة، أسسوا مجلس جبعدين العسكري، وهو قوة مسلحة لحماية القرية والبلدات السريانية الآشورية الآرامية المجاورة، مثل الصرخة ومعلولا.
كانت هذه القرى التاريخية، المعروفة بجذورها السريانية المسيحية العميقة، مهددة بشكل دائم من قبل الجماعات المتطرفة وقوات النظام على حد سواء. وبفضل جهود مجلس جبعدين العسكري، تمكنت هذه القرى من الصمود في وجه التهديدات، حيث تم تشكيل تحالفات محلية لحماية التراث المشترك من الدمار.
إحياء الهوية السريانية والمطالبة بالحقوق اللغوية
على الرغم من عقود من محاولات الطمس الثقافي، لا يزال سكان جبعدين مرتبطين بعمق بجذورهم السريانية. فهم يتحدثون السريانية بطلاقة كلغتهم الأم، لكنهم يشعرون بالأسف لأنهم لم يتعلموا الكتابة بالحروف السريانية، حيث كان ذلك محظوراً في ظل النظام التعليمي البعثي.
والآن، مع سعيهم لرسم مستقبل جديد لسوريا، يطالبون بالاعتراف الرسمي باللغة السريانية كإحدى اللغات الوطنية في الدستور السوري المستقبلي، وبتدريسها في المدارس والجامعات.
وأعرب عمر عموش بوضوح:
“نصرّ على الاعتراف بالسريانية كلغة رسمية. إنها تراثنا، هويتنا، وحقنا. إذا كانت سوريا تريد أن تكون دولة ديمقراطية حقيقية، فيجب أن تحتضن جميع ثقافاتها الأصلية، لا أن تمحوها.”
جبعدين.. قرية تعكس تاريخها السرياني العريق
عند التجول في جبعدين، يمكن للزائر أن يرى بوضوح العلامات التي تثبت جذورها السريانية. فالنقوش القديمة، والهندسة المعمارية، والرموز الثقافية، تحكي قصة قرية قاومت قروناً من التغيير، لكنها لم تفقد جوهرها أبداً.
إن سكان جبعدين اليوم يقفون عند مفترق طرق. لقد كان تاريخهم مليئاً بالنضال والصمود، لكن مستقبلهم مليء بالأمل. إنهم مصممون على استعادة مكانتهم في فسيفساء سوريا المتنوعة، وضمان أن تبقى اللغة السريانية وهويتهم الثقافية حية – ليس فقط في الذاكرة، بل في الحياة اليومية.
وستواصل سيرياك برس متابعة رحلتهم، وهم يناضلون من أجل الاعتراف، والحماية، والحفاظ على إرثهم الفريد.
اكتشاف مدينة تعود لحضارة المايا عمرها ثلاثة آلاف عام في غواتيمالا
غواتيمالا- تُعدّ هذه المدينة واحدةً من أقدم المستوطنات الحضرية التي تم اكتشافها، ويُقدّر ع…