21/02/2025

في اليوم العالمي للغة الأم.. السريانية اللغة الخالدة

اللغة الأم هي أول لغة توضع على لسان المرء وأول كلمات يسمعها، هي لغة يتعلمها المرء في طفولته المبكرة لترسم الطريق للتعبير عن أفكاره عندما يشب ويشيب، وهي التي تبني هويته الاجتماعية والشخصية والثقافية.

وفي يوم اللغة العالمي للغة الأم تستذكر وكالة سيرياك برس اللغة السريانية الآرامية العريقة في حديث خاص مع الدكتورة المصرية هند فتحي إخصائية اللغة السريانية وآدابها.

نشأة اللغة السريانية

وحول نشأة اللغة السريانية أكدت الدكتورة هند فتحي أن اللغة السريانية هي إحدى اللهجات الآرامية، والآرامية هي لغة من مجموعة اللغات التي اتفق العلماء على أن يطلقوا عليها اسم اللغات السامية
السريانية (لهجة الرها) وهي اللهجة الآرامية التي كان موطنها ما بين النهرين في الإقليم الذي كانت عاصمته مدينة الرها أو أورفة كما كان العرب يُسمونها، أو إدسا كما كان الأوربيون يسمونها.

وعندما ظهرت المسيحية رأى من اعتنقها من الآراميين أن تسمية الآرامية صارت مرادفة للوثنية، فأطلقوا على أنفسهم اسم السريان، وهو الاسم الذي كان اليونانيون يطلقونه على أهل سوريا، وأطلقوا على لغتهم اسم السريانية، فالسريان هم فريق من الآراميين اعتنقوا المسيحية، وازدهرت ونمت اللغة السريانية بفضل المسيحية حتى أصبحت اللغة الرسمية للكنيسة.



تطور اللغة السريانية عبر العصور

وأضافت فتحي أنه ما من شك أن السريانية قد استفادت كثيراً من اتخاذ المسيحية لها لغة أدبية، وازدهرت السريانية مع انتشار المسيحية شيئاً فشيئاً، ووصل التأليف بالسريانية والترجمة إليها مع بداية القرن الثالث الميلادي إلى مستوى رفيع.

وأشارت إلى أن الأدب السرياني بدأ يدخل عصر الازدهار في القرن الثالث الميلادي واستمر إلى القرن السابع الميلادي، وخلال هذه الفترة دون السريان كتبهم بعدة أنواع من الخطوط وكان أقدمها مدوناً بالخط الأسطرنجيلي، ويُفسر بعضهم معناه بخط الإنجيل، ولما انقسم السريان إلى شرقيين وغربيين وملكيين ابتدع كل فريق منهم لنفسه خطاً، وظلت السريانية مزدهرة حتى دخل العرب بلاد السريان، ومنذ ذلك الحين أخذت السريانية تضمحل وتحل محلها اللغة العربية، ولم يبق للسريانية أثر إلا عند بعض المثقفين الذين ثابروا على استعمال هذه اللغة في تأليفهم وخاصة في الكنيسة.

ونوهت فتحي إلى أن اللغة السريانية صحت مرة أخرى في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد على يد عدد من الكُتاب المشهورين مثل ابن الصليبي وميخائيل الكبير وابن العبري، فنجد أن ابن العبري ومعاصريه يترجمون كتب ابن سينا والفخر الرازي وغيرهما من فلاسفة المسلمين من العربية إلى السريانية.
وبنهاية القرن الثالث عشر انقرض استعمال اللغة السريانية، ولم تستعمل اللغة السريانية إلا في قرى طور عابدين في جنوب شرق تركيا، وفي ثلاثة قرى سورية منعزلة وهي: معلولا وجبعدين وبخعة، وتقع القرى الثلاث في ريف دمشق.

وقد توافد على هذه القرى عدد من العلماء والباحثين العرب والأجانب لدراسة هذه اللغة، وتسجيل التطور الذي وصلت إليه اليوم.



الأبجدية التي اعتمدتها اللغة السريانية
وأشارت أخصائية اللغة السريانية إلى أن السريان استنبطوا خطاً خاصاً بهم وكانت أولى خطوط السريان هي
1. الخط الأسطرنجيلي أو المفتوح ويُطلق عليه أيضاً الخط الثقيل والرهاوي.
2. الخط الغربي ويعرفه الهنود باسم الخط الماروني، ويُطلق عليه أيضاً السرطو أي السريع.
3. الخط الشرقي وانبثق هذا الخط من الخط الأسطرنجيلي وهو أساس الخطوط السريانية.
4. الخط الملكي وهو مستخرج من الثلاث الخطوط السابقة.

انتقال السريانية إلى البلاد
وذكرت الدكتورة هند فتحي أن اللغة السريانية انتشرت في عدة مناطق بسبب التوسع الثقافي والديني، وخاصة من خلال الكنائس السريانية والمبشرين بالمسيحية، إذ دخلت السريانية مصر ولكن في الأديرة وبين رجال الدين بصفة خاصة في مدينة الإسكندرية، وكانت هناك صلات بين كنيسة الرها والكنيسة المسيحية في جنوب فرنسا، وهاجر إلى فرنسا الكثير من السريان في عهد القيصرية حوالي سنة 800م، وانتشرت السريانية في الشرق وصارت لغة الكنيسة أينما حلت فكانت في فارس، وحملها المبشرون إلى أرض التركستان والهند وحتى الصين.

تأثير اللغة السريانية على اللغة العربية
وأوضحت فتحي أن هناك علاقة حميمية تربط اللغة العربية باللغة السريانية، ولم تكد تختفي هذه العلاقة في معظم المؤلفات التي وقعت تحت أيدينا، سواء منها تلك التي تناولت السريانية منفردة، أو اللغة العربية، أو التي انتهجت منهجاً مقارناً، مما لا يدع مجالاً للشك في وجود اتصال وثيق بين العربية والسريانية.
وبحسب الدكتورة فإن للناطقين بالسريانية الفضل في يقظة العرب العامة ونهضتهم الفكرية في بغداد في زمن العباسيين، وكان السريان هم الجسر الذي عبرت عليه العلوم لتصل إلى العرب.



بين التنوع والحفاظ
وختمت الدكتورة هند فتحي بأن اللغة مفتاح لكل شيء ومع أهمية التنوع في اللغات خصوصاً في عصرنا الحالي، يجب الحفاظ على اللغة الأم عن طريق الحفاظ على الثقافة والانتماء، وحفظ للتراث السرياني الملموس وغير الملموس وحمايته من الاندثار.

هذا ويحتفي العالم باليوم العالمي للغة الأم في الحادي والعشرين من شباط من كل عام منذ أن أدرجته الأمم المتحدة على روزنامة أيامها العالمية منذ عام 2000، ولذلك لتعزيز السلام وتعدد اللغات في جميع أنحاء العالم وحماية جميع اللغات الأم.

‫شاهد أيضًا‬

اكتشاف مدينة تعود لحضارة المايا عمرها ثلاثة آلاف عام في غواتيمالا

غواتيمالا- تُعدّ هذه المدينة واحدةً من أقدم المستوطنات الحضرية التي تم اكتشافها، ويُقدّر ع…