صمت آشوري…
ما زالت مريم تلك الفتاة العشرينية تقف وحيدة في قريتها تل شاميران في شمال شرقي سوريا بجانب جرس الكنيسة المهدمة، الذي يكسر صوته هدوء المكان، ينتظران عودة الأهالي لبيوتهم المهجورة وللقرية المدمرة، لكنها لا تشاهد سوى أراضٍ قاحلة ومنازل بأقفال صدئة وممر مائي جاف كان يدعى يوماً ما نهر الخابور……
التاريخ السرياني الآشوري في المنطقة
33 قرية واقعة على ضفاف نهر الخابور اشتهرت بغناها الحضاري، سكنها السريان الآشوريون في العشرية الثانية من القرن الماضي بعد المجزرة العثمانية بحق السريان الآشوريين، والبعض الآخر لجأ للمنطقة قادمين من العراق بعد مذبحة سيميل عام 1933 عقب تدمير الجيش العراقي ما بين 60-64 قرية آشورية، فتوجه قرابة 15000 ناج منهم إلى شمال شرقي سوريا هرباً من الاضطهاد وتوزعوا في تلك القرى في عهد الانتداب الفرنسي، وازدهر فيما بعد المجتمع الآشوري في تلك القرى واشتهروا بالزراعة وخصوصاً بكروم العنب التي ميزت المنطقة.
تجدد الاضطهاد
مع بداية الثورة السورية عام 2011 وازدياد الخوف والتهديد المسيحي لم تسلم المنطقة من ويلات الخراب ففي عام 2015 شن تنظيم داعش الإرهابي هجوماً على هذه القرى ملوناً بيوتها وأزقتها وخابورها بلونه الأسود.
وفي أحد أيام شباط الباردة ومع ساعات الفجر الأولى من يوم الثالث والعشرين منه، تحول الأمان الذي تعيشه العائلات الآشورية في عشرات القرى إلى كابوس، إذ استيقظ الأهالي وأطفالهم على أصوات تكبيرات وإطلاق رصاص إيذاناً بدخول تلك القرى حقبة سوداء من تاريخها مع اقتحام تنظيم داعش للمنطقة، وبالرغم من مقاومة الأهالي وتمسكهم بالأرض إلا أن داعش اختطف 280 شخصاً من أهالي القرى بينهم 50 طفلاً وقرابة مئة امرأة، كانت من بينهن مريم التي كانت تبلغ من العمر حينها اثنا عشرة عاماً، والتي نُقلت من قرية إلى قرية، قبل أن توضع وحيدة بغرفة بعد أن أرغموها على ارتداء الحجاب وأحياناً النقاب، إلى جانب كمية كبيرة من الترهيب الممارس بحقها.
ولم يكتف التنظيم الإرهابي بذلك فقط، بل أنزل صلبان الكنائس وفجرها وأحرق البيوت ولغّم الأراضي كرسالة تنذر بسلب المنطقة من أهلها وتهجيرهم كما يقول لسان حال جميع الآشوريين.
وفي خطوة ابتزازية من قبل التنظيم من أجل الحصول على فدى مالية مقابل الإفراج عن المخطوفين، نشر التنظيم مقطعاً مصوراً يوثق فيه قتل ثلاثة من الآشوريين المحتجزين وهم عبد المسيح نويا، وآشور إبراهام من قرية (تل جزيرة)، وبسام ميشائيل من قرية (تل شاميران)، وهم مرتدون الزي البرتقالي المعتمد عند التنظيم لقتل الأبرياء.
كان الفيديو نقطة فاصلة بدأت بعدها الكنيسة وبمساعدة آشوريين من خارج البلاد بجمع المال لإنقاذ حياة المختطفين، وبعد حصول التنظيم على مبالغ مالية من الكنيسة بدأ بإطلاق الأسرى الآشوريين على دفعات حتى آخر دفعة من المختطفين عام 2016.
حال السريان الآشوريين بعد الهجوم
بعد الهجوم الأخير على المنطقة انحسر عدد الآشوريين في المنطقة إلى 1000 آشوري فقط، وذلك بعدما هاجر معظمهم لأمريكا وأستراليا ونزوح الآخرين إلى مدينة الحسكة، كما أنهم لم يسلموا من الهجمات مع احتلال مدينة ريش عينو/ رأس العين في ريف الحسكة من قبل جيش الاحتلال التركي وفصائله الإرهابية، لتتحول القرى إلى مجرد أطلال شاهدة على أحزان آلاف السريان الآشوريين.
Saint Mary Church In Tell Nasir-Khabour
السريان الآشوريون والمستقبل السوري
ومع تغير النظام السياسي في سوريا وتراجع تنظيم داعش إلا أن المستقبل السرياني الآشوري بقي على حاله في ظل عدم الاستقرار الذي يعاني منه إقليم شمال وشرق سوريا.
واليوم تمر الذكرى العاشرة لهجوم داعش على المنطقة وتمر في أذهان السريان الآشوريين ذكريات ذلك اليوم، مريم ليست الوحيدة التي توقف عداد عمرها في 23 شباط بل يشابهها الكثير من السريان الآشوريين.
مريم ورغم أنها أصبحت أماً لطفلتين، إلا أن مشاهد ذلك اليوم وتلك الفترة التي عاشتها، ما زالت عالقة في ذهنها، تأبى النسيان أو الرحيل من مخيلتها، فترة سوداء، تضاف إلى حقب سابقة من تاريخ السريان الآشوريين في المنطقة.
اليوم نرى قرى فارغة، منازل أبوابها مقفلة، بساتين صفراء، وخابور جاف، وهدوء مرعب فلا يُسمع في القرى في الوقت الحالي سوى الصمت.
المجلس الوطني المشرقي يرحب بقرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا
دارمسوق (دمشق) – رحب المجلس الوطني المشرقي بقرار الرئيس الأمريكي الخاص برفع العقوبات…