27/02/2025

دروس من تجربة الشعب الإسماعيلي: نموذج لتحقيق النهضة القومية للسريان الكلدان الآشوريين

تُعد تجربة الشعب الإسماعيلي نموذجًا فريدًا في كيفية بناء مجتمع قوي ومزدهر رغم الاضطهاد والتحديات. ومن خلال دراسة هذه التجربة، يمكن للسريان الكلدان الآشوريين تبني استراتيجيات مماثلة تركز على بناء المؤسسات، التنمية الاقتصادية، التعليم، والتأثير السياسي لتحقيق نهضة قومية حقيقية.

بقلم الدكتور : ع. جوزيف قريو | اقتصادي ومفكر عالمي كندي


المقدمة 

 على مر التاريخ، واجه الشعب السرياني الكلداني الآشوري تحديات عديدة، بدءًا من الاضطهاد الديني والسياسي وصولًا إلى التهجير القسري وفقدان الأرض. ومع ذلك، ظل هذا الشعب محتفظًا بهويته وثقافته، لكنه يواجه اليوم تحديات تتطلب استراتيجيات جديدة للحفاظ على بقائه وتحقيق طموحاته القومية. 

 من جهة أخرى، خاض الشعب الإسماعيلي، تحت قيادة الآغا خان، تجربة مشابهة من حيث التحديات والاضطهاد، لكنه تمكن من تحويل مجتمعه إلى نموذج ناجح في مجالات التنمية الاقتصادية والتعليمية والسياسية، مما جعله قوة مؤثرة في العديد من الدول حول العالم. 

 يهدف هذا البحث إلى دراسة تجربة الإسماعيليين والاستفادة منها لتقديم رؤية يمكن أن تساعد السريان الكلدان الآشوريين في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وتحقيق حلمهم في استعادة حقوقهم القومية. 

القسم الأول: تجربة الشعب الإسماعيلي تحت قيادة الآغا خان

  1. الخلفية التاريخية للإسماعيليين

الإسماعيليون هم طائفة شيعية تنتمي إلى المذهب الإسماعيلي، وتنتشر في العديد من الدول مثل الهند، باكستان، طاجيكستان، كينيا، تنزانيا، كندا، والولايات المتحدة. تاريخيًا، تعرضوا للاضطهاد الديني والسياسي، مما دفعهم إلى تبني استراتيجيات للبقاء والتطور دون الاعتماد على دولة قومية خاصة بهم.

منذ القرن التاسع عشر، تولى قادة الإسماعيليين، المعروفون بالآغا خان، مسؤولية توجيه المجتمع نحو التنمية والتقدم. وكان للآغا خان الثالث والرابع دور محوري في تحويل الإسماعيليين إلى مجتمع منظم يتمتع بقوة اقتصادية وثقافية. 

  1. دور الآغا خان في بناء مجتمع قوي

أ. التنمية الاقتصادية

أسس الإسماعيليون مؤسسات مالية واستثمارية لضمان الاستقلال الاقتصادي لمجتمعهم، مثل “مجموعة الآغا خان للتنمية” .(AKDN) التي تدير مشاريع تنموية وتجارية في مختلف أنحاء العالم 

شجع الآغا خان إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة بين أفراد مجتمعه، مما ساهم في تحسين مستوى المعيشة وتحقيق الاكتفاء الذاتي. 

تم الاستثمار في مجالات مثل الزراعة، البنوك، الفندقة، والبنية التحتية، مما عزز من تأثير الإسماعيليين في الاقتصادات المحلية. 

ب. التعليم والتطوير البشري 

 أطلق الآغا خان العديد من المبادرات التعليمية، مثل “جامعة الآغا خان”، التي تقدم تعليمًا عالي المستوى في مجالات الطب، الهندسة، والإدارة. 

 تأسيس مدارس ومراكز تدريب في الدول التي يتواجد فيها الإسماعيليون لضمان تعليم قوي ومستدام. 

 توفير منح دراسية للطلاب الإسماعيليين للدراسة في أفضل الجامعات حول العالم، مما ساهم في بناء نخبة مثقفة قادرة على قيادة المجتمع.

ج. الرعاية الصحية

بناء المستشفيات والمراكز الطبية في المناطق النائية التي تعاني من نقص الخدمات الصحية.

إطلاق برامج صحية لمكافحة الأمراض وتحسين التغذية، خاصة للأمهات والأطفال.

التركيز على الوقاية الصحية والتثقيف الصحي داخل المجتمع. 

د. التنظيم الاجتماعي والسياسي

أنشأ الآغا خان نظامًا إداريًا للمجتمع الإسماعيلي يضمن وحدة الأفراد وتعاونهم.

عمل على بناء علاقات قوية مع الحكومات والمنظمات الدولية لضمان استقرار الإسماعيليين في الدول التي يعيشون فيها.

أسس منظمات غير حكومية تعمل في مجالات حقوق الإنسان والتنمية.

القسم الثاني: كيف يمكن للسريان الكلدان الآشوريين الاستفادة من التجربة الإسماعيلية؟

  1. التنظيم المؤسسي والسياسي

على غرار ما قام به الآغا خان، يمكن للسريان الكلدان الآشوريين إنشاء “مجلس قومي سرياني كلداني آشوري” يكون مسؤولًا عن توجيه المجتمع ووضع استراتيجيات طويلة الأمد.

تشكيل لوبيات سياسية قوية في الدول التي يوجد فيها الشتات السرياني الكلداني الآشوري، مثل الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، لدعم القضية القومية دوليًا.

السعي للحصول على تمويل ودعم منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة للمشاريع التي تدعم الوجود السرياني الكلداني الآشوري في مناطقهم التاريخية.

  1. التركيز على التنمية الاقتصادية

تأسيس مؤسسات مالية تدعم رواد الأعمال السريان الكلدان الآشوريين، على غرار المؤسسات الاقتصادية التي أنشأها الإسماعيليون.

الاستثمار في قطاعات مستدامة مثل الزراعة، التكنولوجيا، والتعليم، بدلًا من الاعتماد على وظائف تقليدية.

تشجيع التعاون الاقتصادي بين المغتربين والسريان الكلدان الآشوريين في الوطن لإنشاء مشاريع اقتصادية قوية. 

  1. تطوير التعليم والثقافة

إنشاء مدارس وجامعات تركز على الثقافة واللغة السريانية للحفاظ على الهوية السريانية الكلدانية الآشورية.

تقديم منح دراسية للشباب السرياني الكلداني الآشوري لمتابعة دراستهم في مجالات مهمة مثل القانون، السياسة، والاقتصاد، ليصبحوا قادة المستقبل.

تنظيم مهرجانات ثقافية وفنية لتعزيز الوعي بالهوية السريانية الكلدانية الآشورية. 

  1. تعزيز الحضور العالمي والدبلوماسي

إنشاء شبكة عالمية تضم الجاليات السريانية الكلدانية الآشورية في الشتات للعمل على تحقيق الأهداف القومية المشتركة.

استخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لرفع الوعي بالقضية السريانية الكلدانية الآشورية دوليًا.

التواصل مع الحكومات والمنظمات الدولية لضمان حماية حقوق السريان الكلدان الآشوريين في مناطقهم الأصلية.

الخاتمة 

تُعد تجربة الشعب الإسماعيلي نموذجًا فريدًا في كيفية بناء مجتمع قوي ومزدهر رغم الاضطهاد والتحديات. ومن خلال دراسة هذه التجربة، يمكن للسريان الكلدان الآشوريين تبني استراتيجيات مماثلة تركز على بناء المؤسسات، التنمية الاقتصادية، التعليم، والتأثير السياسي لتحقيق نهضة قومية حقيقية.

النهضة القومية لا تتحقق بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى رؤية واضحة وعمل جماعي مستمر. إن التحديات التي يواجهها الشعب السرياني الكلداني الآشوري يمكن التغلب عليها من خلال الوحدة والتنظيم، والاستفادة من التجارب الناجحة التي سبقتهم، مثل تجربة الإسماعيليين تحت قيادة الآغا خان.


الدكتور : ع. جوزيف قريو هو اقتصادي ومفكر عالمي كندي، قام بتطوير نظرية اقتصادية جديدة نُشرت عالميًا في عام 2020 تحت عنوان “The Fourth Way: A Comprehensive Humanitarian Economic System to Save the World. ينحدر من عائلة سريانية. يمكنكم متابعته على منصة x: @DrAJosephKeryo.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر فقط عن رأي الكاتب ولا تمثل بالضرورة آراء موقع SyriacPress.

‫شاهد أيضًا‬

الاتحاد السرياني الأوروبي ينشر بياناً بمناسبة ذكرى تأسيسه الحادية والعشرين

بروكسل- تعود ذكرى تأسيس الاتحاد السرياني الأوروبي إلى الخامس عشر من أيار، وهو اليوم الذي ش…