مائدة مستديرة حول سوريا في البرلمان الهولندي: منظمات سريانية تناقش تقرير المصير والفيدرالية في مستقبل سوريا السياسي
لاهاي – عقد مجلس النواب الهولندي جلسة مائدة مستديرة في الخامس من آذار لجمع المعلومات حول الوضع في سوريا. تمت دعوة ممثلي المكونات السكانية الصغيرة لتقديم وجهات نظرهم حول المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، والذي تأثر بشدة جراء سنوات الحرب الأهلية.
جاءت هذه المناقشة بمبادرة من النائب السرياني عيسى كهرمان، عضو حزب العقد الاجتماعي الجديد والذي يشغل منصب عضو اللجنة الدائمة لمجلس النواب المعنية بالتجارة الخارجية والمساعدات الإنمائية. كما شارك في النقاش مندوبون من أحزاب الخضر والعمال والاتحاد المسيحي وحزب الديمقراطيين ستة وستون
في الجولة الأولى من المناقشات، قدم ممثلو المجتمعات السريانية والكردية والعلوية وجهات نظرهم حول مستقبل سوريا. أما الجولة الثانية، فقد تضمنت مداخلات من الصحفي ميلفين إنغلباي من صحيفة إن أر سي، والسفير الهولندي السابق والمبعوث الخاص لسوريا كوس فان دام، والباحثة المتخصصة في الشأن السوري كارلا بولوس.
الاعتراف الكامل بالشعب واللغة
قدم المجلس العالمي للآراميين (السريان)، ممثلاً برئيسه جوني ميسو، ورقة موقف تتضمن توصيات سياسية بشأن مستقبل سوريا. وأكد ميسو على أهمية الاعتراف الدستوري بالشعب الآرامي (السرياني) ولغته لضمان إدماجهم في سوريا الجديدة. وشدد على ضرورة حماية المكونات السكانية الصغيرة في الدستور، وإنشاء حكومة شاملة غير طائفية، وتنفيذ خطط إعادة إعمار فعالة تمكن الآراميين (السريان) المهجرين من العودة إلى ديارهم. كما أشار إلى مدن ذات كثافة سريانية كبيرة، مثل بيت زالين (القامشلي)، معلولا، وصدد، باعتبارها مناطق تتطلب اهتمامًا خاصًا.
بالإضافة إلى ذلك، أكد ميسو على ضرورة إتاحة الفرصة للسريان في الشتات للمشاركة في الحكم والانتخابات، بما يضمن تمثيلهم العادل في العملية السياسية.
من جانبه، شدد سنحريب ميرزا، ممثل المنظمة الآشورية الديمقراطية، التي تعارض النظام منذ أكثر من عقد من الزمن، على ضرورة ضمان الحقوق الكاملة لمجتمع السريان-الآشوريين في سوريا داخل الدستور الجديد. وأعرب ميرزا عن خيبة أمله من مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عقد في أواخر فبراير، مشيرًا إلى أن مندوبي اللذين حضرا المؤتمر وجدا أن البيان الختامي كان معدًا مسبقًا ولم يأخذ في الاعتبار أو يعكس بشكل جاد وجهة نظر السريان-الآشوريين.
متين رهاوي والاتحاد السرياني الأوروبي: قضايا التسمية والتمثيل السياسي
تطرق متين رهاوي، ممثل الاتحاد السرياني الأوروبي، إلى مسألة التسمية، مشيرًا إلى أن مصطلحات آشوري، كلداني، وسرياني تعود إلى شعب واحد، رغم وجود اختلافات في وجهات النظر حول التسمية المفضلة. كما سلط الضوء على الجذور التاريخية للشعب السرياني المسيحي، مؤكدًا ارتباطهم بالحضارات القديمة لبلاد ما بين النهرين، مثل الأكادية، البابلية، الآشورية، الكلدانية، والآرامية، ومبينًا وجودهم العريق في سوريا قبل ظهور الكيانات السياسية الحديثة.
طالب الاتحاد السرياني الأوروبي بضرورة الإدماج السياسي الكامل وضمان الحقوق المتساوية للمجموعات السريانية المسيحية، إلى جانب الاعتراف الرسمي بهم كشعب متميز بلغته وثقافته. كما شدد رهاوي على أهمية تمثيل السريان المسيحيين في الحكومة الانتقالية السورية، وضمان مشاركة حزب الاتحاد السرياني والمنظمات السياسية المسيحية الأخرى في عملية الحكم.
جميع الممثلين الثلاثة أكدوا على الحاجة الملحة إلى دور أقوى لهولندا على الساحة الدولية لمنع انزلاق سوريا أكثر نحو التطرف الإسلامي.
سوريا الفيدرالية: وجهات نظر متباينة
فيما يتعلق بهيكلة الحكم في سوريا، أعرب سنحريب ميرزا عن دعمه للإدارة اللامركزية باعتبارها خيارًا عمليًا لسوريا. وأوضح أن حزبه يرى في اللامركزية الإدارية وسيلة لاحترام التنوع المحلي، لكنه أكد أن المنظمة الآشورية الديمقراطية لا تدعم الحكم الذاتي الكامل، قائلًا:
“لطالما كنا في المنظمة الآثورية الديمقراطية نؤيد الإدارة اللامركزية. هذا كان ولا يزال أحد مطالبنا. انظروا، على سبيل المثال، إلى شمال شرق سوريا والجنوب، حيث توجد إدارات ذاتية بحكم الواقع تنظم شؤونها بنفسها. نريد أن يتم تضمين ذلك في الدستور الجديد، بحيث يكون ممكنًا … بحيث تتمكن المناطق المختلفة من تشكيل حكوماتها الخاصة، كما هو الحال حاليًا في شمال شرق سوريا. نود أيضًا دعم برلمانكم وبلدكم لتحقيق ذلك.”
على النقيض من ذلك، شدد المجلس العالمي للآراميين في ورقة موقفه على أن مستقبل سوريا يجب أن يتمحور حول “حكومة موحدة، شاملة، وذات سيادة، تحافظ على وحدة الأراضي السورية.” ولم يدعم المجلس نموذج الفيدرالية القائم على الأسس الجغرافية أو العرقية أو الثقافية، رغم كونه موضوعًا متداولًا كحل محتمل يعكس التنوع الديني والعرقي والثقافي في سوريا. وأكد المجلس أن موقفه يدعم هيكل حكم مركزيًا يضمن وحدة البلاد.
موقف المجلس العالمي للآراميين (السريان) بشأن الحكم الذاتي
خلال النقاش، سأل النائب ديدريك بومسا من حزب العقد الاجتماعي الجديد عما إذا كان الحكم الذاتي الإقليمي هو الحل المفضل، أو أن الدمج ضمن هيكل حكم مركزي في الدستور الجديد سيكون كافيًا، فأجاب جوني ميسو، رئيس المجلس العالمي للآرميين، قائلًا:
“بالطبع، سيكون من الرائع أن نتمكن من إنشاء منطقة ذات حكم ذاتي لبعض المجموعات، ولكن بموافقة الإدارة المركزية في دمشق. نرى منذ عام الفين واثني عشر، على سبيل المثال، ما يفعله الأكراد، حيث قاموا بإنشاء منطقة حكم ذاتي. كما نرى منذ أسابيع قليلة تطورًا مشابهًا في جنوب سوريا حيث يعيش الدروز، الذين يحظون بدعم إسرائيل. هناك أيضًا الكثير من الأفكار بين المسيحيين في وادي النصارى، حيث يجري الحديث عن الحكم الذاتي هناك.”
“لكن بالطبع، هذا موضوع حساس للغاية … يمكننا طرح الكثير من الأفكار، لكن إذا كان ذلك سيؤثر سلبًا على شعبنا الآرامي هناك [كما كان الحال سابقًا في ظل نظام البعث]، فيجب علينا التفكير بعناية في ما نقوله وكيف ننقله.”
فرصة جديدة لسوريا: الأمن، الحماية، والنموذج اللامركزي
“هناك وضع جديد يفتح فرصًا جديدة للجميع في سوريا. يمكننا معًا، بالأغلبية والأقليات، بناء سوريا جديدة تضمن أمن الجميع… إذا أمكن توفير الحماية للأقليات تحت إشراف دولي، فبالطبع يمكننا التعايش مع ذلك [أي مع هيكل حكم ذاتي]. لكن السؤال هو: من يستطيع أن يضمن لنا تلك الحماية؟”
يؤكد الاتحاد السرياني الأوروبي على أهمية الأمن والحماية ضمن صفوفه، مشيرًا إلى أن على السريان المسيحيين أن ينظموا أنفسهم سياسيًا ويحافظوا على مجتمعاتهم لمواجهة التهديدات المتطرفة وضمان الاستقرار طويل الأمد. ويبرز الاتحاد المجلس العسكري السرياني، كجزء من قوات سوريا الديمقراطية كنموذج ناجح للدفاع الذاتي والحكم الرشيد. ويؤكد الاتحاد أن “إذا كان من الممكن تطبيق هذا النموذج في ثلث سوريا، فمن الممكن تطبيقه في جميع أنحاء البلاد.”
الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال و شرق سوريا كنموذج للامركزية في سوريا الجديدة
في رد عبر واتساب على استفساراتنا، أشار متين رهاوي إلى أن الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال و شرق سوريا يمكن أن يكون مثالًا لنموذج لامركزي في سوريا المستقبلية. فعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي فرضتها الحرب الأهلية، إلا أن هذه المنطقة لبّت إلى حد كبير تطلعات السكان السريان (الآراميين – الآشوريين – الكلدان) في تحقيق تقرير المصير.
لغويًا وتعليميًا: تمكن السريان من إنشاء مدارسهم الخاصة بمناهج سريانية محددة ذاتيًا.
ثقافيًا: يتمتعون بحرية الاحتفال بأعيادهم ومناسباتهم الخاصة.
حكوميًا: أتيحت لهم الفرصة لتطبيق شكل من أشكال الحكم الذاتي في المناطق ذات الأغلبية السريانية.
لامركزية عادلة لجميع السوريين
وفقًا لـ رهاوي، يجب أن يكون الشعب السوري هو من يحدد الشكل الدقيق للامركزية، سواء كان ذلك على أساس الكانتونات، أو المناطق، أو اللغات، أو الطوائف. ومع ذلك، يشدد الاتحاد السرياني الأوروبي على ضرورة ضمان المساواة لجميع المجموعات السكانية، محذرًا من تكرار نموذج العراق، حيث استفاد الدستور الفيدرالي بشكل أساسي الأكراد والعرب، بينما ظلت باقي المكونات مهمشة.
بعد أن جذبت سوريا إلى الراديو، الإذاعة السريانية سورويو إف إم تنطلق عالمياً عبر محطة جديدة عبر الإنترنت
زالين (القامشلي)، شمال وشرق سوريا — أطلقت إذاعة سورويو إف إم السريانية اليوم محطتها الجديد…