مجازر في الساحل السوري: أزمة إنسانية تتفاقم
اللاذقية، طرطوس، سوريا – موجة العنف الأخيرة في الساحل السوري أسفرت عن مقتل أكثر من مئتي مدني، بينهم نساء وأطفال ومسنّون، في مجازر مروعة تعكس استمرار الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد. وتشير التقارير إلى وقوع خمس مجازر متفرقة خلال 48 ساعة، معظمها في محافظتي اللاذقية وطرطوس، مما يثير مخاوف متزايدة بشأن حماية المدنيين وتصاعد التوترات الطائفية في ظل مناخ من الإفلات من العقاب.
فيما تستمر الدعوات الدولية للتهدئة، تبرز هذه المجازر هشاشة الوضع في سوريا خلال مرحلة انتقالها السياسي، وتسلّط الضوء على المخاطر التي تهدد الفئات الأكثر ضعفًا، والحاجة الملحّة إلى المساءلة والتدخل الإنساني العاجل.
المدنيون في قلب الأزمة
أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن معظم الضحايا تعرّضوا لعمليات إعدام خارج نطاق القانون على أيدي قوات تابعة لوزارة الدفاع والأمن الداخلي في الحكومة الانتقالية السورية.
وتُظهر الروايات القادمة من الميدان أن المجازر استهدفت عائلات بأكملها، ومسنّين، وأفرادًا من أقليات دينية، مما يثير المخاوف من تصاعد العنف الطائفي، خاصة في المجتمعات الساحلية المعروفة بتنوعها العرقي والديني.
من بين الضحايا البارزين:
طوني بشار خوري،
طوني بطرس وابنه فادي، وكلاهما من المدنيين المسيحيين،
شيندا عادل كاشو، طالبة كردية تدرس الطب في عامها الأول من مدينة زالين (القامشلي).
وأفاد رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن المجازر جاءت بعد حملة تحريض طائفي مكثفة على الإنترنت، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات بين المجتمعات المحلية.
وبينما تزعم قوات الأمن أنها استهدفت بقايا النظام السابق، تظهر مقاطع فيديو متداولة عمليات إعدام جماعي للمدنيين، بمن فيهم المسنّون، في مشاهد أثارت صدمة واسعة.
دعوات روحية لإنهاء المجازر فورًا
مع تصاعد العنف، أصدر الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، نداءً قويًا يدعو فيه إلى وقف فوري لإطلاق النار في المنطقة الساحلية.
وفي بيان لوسائل الإعلام، طالب جميع الأطراف، محليًا ودوليًا، إلى التحرك العاجل لإنهاء هذه المذابح وإعادة الاستقرار، قائلاً:
“الساحل السوري يحترق. نرفض عمليات القتل الممنهجة وندعو إلى وقف فوري لهذه العمليات العسكرية غير المبررة ضد المدنيين الأبرياء، والتي لا تجلب سوى مزيد من الدماء والتوتر.”
وأضاف الهجري أن المذنبين يجب أن يُحاسبوا وفق القانون والعدالة، وليس من خلال العنف والانتقام.
ودعا الدول الضامنة لكافة الأطراف إلى اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء هذه المأساة دون تردد أو ازدواجية في المعايير. كما أدان حملات التحريض المستمرة منذ سقوط النظام السابق، داعيًا إلى وضع حد لها قبل أن تُغرق البلاد في دوامة جديدة من الصراع.
ردود فعل المحلية و دولية: دعوات لضبط النفس وحماية المدنيين
مجلس سوريا الديمقراطية أدان المجازر بشدة، مشددًا على ضرورة حماية جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية.
المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنايك، أعرب عن صدمته ورعبه من حجم المجازر، ودعا جميع الأطراف إلى إيجاد حلول سلمية بدلًا من العنف الانتقامي.
المبعوث الأممي غير بيدرسن حذّر من أن هذه المجازر قد تعمّق الانقسامات وتفاقم الأزمة الإنسانية، مشددًا على أن جميع الأطراف ملزمة بالقانون الإنساني الدولي.
وقال بيدرسن:
“هناك حاجة ملحّة لضبط النفس، وحماية المدنيين، ووقف كل الأعمال التي تغذي العداوات الطائفية وتزيد من معاناة المجتمعات المتضررة.”
اختبار للقيادة الانتقالية السورية
تأتي المجازر في توقيت حرج للمرحلة الانتقالية في سوريا. في أول تصريح له بعد المجازر، وصف القائد الانتقالي أحمد الشراع المجازر بأنها محاولة من فلول النظام السابق لإغراق البلاد في الفوضى.
ورغم إدانته للجرائم، حثّ قوات الأمن على عدم الانجرار إلى الانتقام المفرط، محذرًا من أن دائرة العنف قد تزيد من تمزيق النسيج الاجتماعي السوري.
كما دعا المسؤولين عن المجازر إلى تسليم أنفسهم، متعهدًا بمحاكمات عادلة ومسار قانوني نزيه، بدلًا من الإعدامات الفورية.
روسيا تدعو إلى التهدئة
وزارة الخارجية الروسية دعت إلى وقف فوري للعنف، حيث أكدت المتحدثة ماريا زاخاروفا أن موسكو تتابع تطورات الأوضاع بقلق شديد، مطالبة جميع الأطراف بوقف الدماء فورًا والعمل على استقرار الأوضاع من خلال الحلول السياسية.
وبينما يظل الموقف الروسي حذرًا دبلوماسيًا، إلا أن جهود موسكو في التوسط لوقف إطلاق النار قد تكون حاسمة في منع تفاقم الأزمة الإنسانية في الساحل السوري.
الأزمة الإنسانية تزداد سوءًا
إلى جانب العدد الهائل من الضحايا، تسلط المجازر الضوء على الهشاشة العميقة التي يعاني منها المدنيون السوريون في ظل غياب الإدارة الفاعلة والمساءلة القانونية.
التداعيات الإنسانية الخطيرة تشمل:
نزوح جماعي محتمل، حيث يخشى المدنيون من تجدد العنف.
ضغط متزايد على الخدمات الطبية والإغاثية، حيث تعاني المستشفيات من نقص في الموارد لعلاج المصابين.
تآكل النسيج الاجتماعي في الساحل السوري، مع تعمق الفجوة بين الطوائف المختلفة.
إلى أين تتجه سوريا بعد هذه المجازر؟
مع تزايد الضغوط الدولية، تُعتبر هذه المجازر اختبارًا حاسمًا للمرحلة الانتقالية في سوريا، وكذلك لمدى التزام المجتمع الدولي بمنع جرائم الحرب وحماية المدنيين.
في الأيام القادمة، سيتضح ما إذا كانت الدعوات لضبط النفس ستتحول إلى تحركات فعلية، أم أن سوريا ستجد نفسها مجددًا عالقة في حلقة مفرغة من العنف، بلا نهاية واضحة في الأفق.
حزب الاتحاد السرياني يلتقي بمطران دارمسوق للأرمن الكاثوليك
دارمسوق (دمشق) – زار وفدٌ من حزب الاتحاد السرياني في سوريا مقر مطرانية الأرمن الكاثوليك في…