08/03/2025

منطقة الساحل السوري على شفا الهاوية: صراعات طائفية، قيادة إسلامية، ومستقبل الصراع

اللاذقية وطرطوس، سوريا (سيرياك برس) – لطالما كانت منطقة الساحل السوري معقلًا للنفوذ العلوي تحت حكم النظام السلطوي لبشار الأسد، لكنها اليوم تشهد تحولًا عنيفًا وجديدًا. فمع تصاعد التوترات الطائفية، أدى صعود أحمد الشرع– الجهادي السابق المعروف باسم أبو محمد الجولاني والذي أصبح رئيسًا انتقاليًا – إلى إثارة مخاوف من اندلاع صراع ديني وعرقي. 

صعود أحمد الشرع: من قائد جهادي إلى رئيس انتقالي 

يمثل مسار الشرع تحول سوريا الفوضوي. فباعتباره قائدًا سابقًا لجبهة النصرة وشخصية بارزة في عمليات تنظيم القاعدة في العراق، قوبل صعوده إلى السلطة بالريبة، خاصة بين العلويين وبقية الأقليات. لعب دورًا محوريًا في تأسيس جبهة النصرة في سوريا عام الفين وأحد عشر بناءً على توجيه من أبو بكر البغدادي، الذي أعلن لاحقًا نفسه خليفة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وبحلول عام الفين وثلاثة عشر، ابتعد عن داعش ليتحالف بشكل أوثق مع القيادة المركزية لتنظيم القاعدة تحت قيادة أيمن الظواهري. لاحقًا، أعادت قواته تشكيل نفسها تحت مسمى هيئة تحرير الشام ، مدعية أنها بديل أكثر اعتدالًا عن باقي الجماعات الجهادية. 

بحلول أواخر عام الفين واربع وعشرون، قادت الهجمات التي شنتها هيئة تحرير الشام، بدعم من فصائل معارضة أخرى، إلى الإطاحة بنظام الأسد. واستغل الشراء نفوذه العسكري والسياسي ليتولى قيادة الحكومة السورية الانتقالية في شهر كانون الثاني. إلا أن جذوره الإسلامية والتكوين السني الغالب لقواته الأمنية أعادا إشعال العداوات الطائفية، خاصة في المناطق العلوية في اللاذقية وطرطوس. 

أسباب الاضطرابات 

في أعقاب التحولات السياسية الدراماتيكية في سوريا، تبلورت شبكة معقدة من العوامل التي زادت من التوتر في المنطقة الساحلية. فالتوترات الطائفية العميقة الجذور، والفراغ المفاجئ في السلطة بعد انهيار نظام الأسد، والأزمات الاقتصادية المستمرة، كلها تضافرت لخلق بيئة قابلة للانفجار. 

التوترات الطائفية 

يواجه المجتمع العلوي، الذي تمتع بمكانة متميزة تحت حكم الأسد، حالة من القلق وعدم اليقين والخوف من الانتقام تحت قيادة الحكومة الإسلامية السنية الجديدة. وقد عزز هذا القلق المقاومة بين بعض الفصائل العلوية. 

الفراغ في السلطة 

أدى الانتقال السريع للسلطة إلى ترك فراغات في الحكم المحلي، خاصة في المناطق التي كانت موالية للنظام السابق. وقد استغلت الميليشيات الموالية للأسد هذه الفجوات في محاولة لزعزعة استقرار الإدارة الجديدة. 

الأزمات الاقتصادية 

فاقمت العقوبات الدولية وما خلفته الحرب الأهلية من أزمات اقتصادية شديدة، مما أدى إلى انتشار السخط الشعبي. وفي المناطق الساحلية التي تعتمد على السياحة، كان الركود الاقتصادي أكثر وضوحًا، مما ساهم في تصاعد التوترات الاجتماعية. 

تصاعد الصدامات الطائفية: قوات الأمن، المقاتلون الأجانب، ورد الفعل العلوي 

تحولت المنطقة الساحلية، التي كانت تُعتبر مستقرة نسبيًا وسط الصراع السوري الأوسع، إلى ساحة معركة. فقد اندلعت اشتباكات مسلحة بين الميليشيات العلوية – التي تتألف في الغالب من عناصر سابقة في جيش ومخابرات النظام السوري – وبين قوات الأمن التابعة للحكومة الانتقالية، والتي تتألف إلى حد كبير من مقاتلي هيئة تحرير الشام السابقين وعناصر إسلامية سنية. 

وقد تم تنفيذ عمليات أمنية منتظمة للقبض على أعضاء سابقين في النظام، لكن النتائج لم تكن شفافة، ولم يتم تقديم أدلة واضحة ضد المعتقلين، مما أدى إلى اتهامات باستهداف المجتمعات العلوية تحت ذرائع طائفية. 

إضافة إلى ذلك، فإن وجود مقاتلين أجانب داخل القوات الأمنية الجديدة زاد من تعقيد الوضع. وتشير التقارير إلى أن مقاتلين من الشيشان وأوزبكستان ودول آسيا الوسطى الأخرى قد تم دمجهم في الأجهزة الأمنية الجديدة، مما ساهم في تأجيج مشاعر الغضب المحلي وزيادة الدعوات للانتقام من قبل الفصائل العلوية. 

اللاعبون الرئيسيون في الصراع 

قوات الحكومة الانتقالية 

تحت قيادة الرئيس الانتقالي الشرع، تتكون قوات الأمن من فصائل متمردة سابقة تم دمجها في جيش وطني. يهدفون إلى فرض النظام وكبح الأنشطة المتمردة، لكن خلفياتهم وتحالفاتهم السابقة أثارت الشكوك. 

مايعرف بالجيش الوطني السوري  

يعد الجيش الوطني السوري مجموعة من الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا والتي تدين بالولاء لأنقرة أكثر من دمشق. وقد استخدمته تركيا في صراعاتها الإقليمية، بما في ذلك ليبيا وأرمينيا، ويشتهر أكثر بجرائم السرقة والابتزاز والقتل خارج نطاق القانون. 

الموالون للأسد 

تشكل العناصر السابقة في جيش ومخابرات النظام، وخاصة العلويين، مقاومة مسلحة للحكومة الانتقالية الجديدة. ومن بينهم “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، الذي يقوده العميد غياث سليمان دلة، القائد السابق للواء الثاني والأربعين المعروف بـ”قوات غياث” ضمن الفرقة الرابعة المدرعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس السابق بشار الأسد. 

المدنيون 

يجد المدنيون أنفسهم عالقين في مرمى النيران، حيث يواجهون مخاطر العنف الطائفي من جميع الأطراف. 

تصاعد العنف وسقوط الضحايا 

تشير التقديرات إلى مقتل أكثر من مئتي شخص في الاشتباكات الأخيرة، من بينهم ضباط أمن، ومتمردون، ومدنيون. ومن الضحايا المدنيين: 

طوني بطرس وابنه فادي، اللذان استشهدا أثناء سفرهما على طريق القصاب في اللاذقية. 

طوني بشار خوري، من سكان اللاذقية، والذي استشهد داخل منزله. 

شيندا عادل كاشو، طالبة من المكون الكردي في السنة الأولى بكلية الطب من زالين (القامشلي)، والتي استشهدت برصاص طائش. 

ردود فعل دولية 

تركيا والسعودية 

دعمت الدولتان جهود الحكومة السورية لقمع التمرد، مشددتين على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها. 

روسيا 

أعربت موسكو عن قلقها من تدهور الوضع الأمني، داعية إلى ضبط النفس والحوار. وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، ضرورة استجابة دولية منسقة لاستقرار الوضع. 

التطرف والخطاب الانتقامي 

تزايدت المخاوف بسبب تصاعد الخطاب المتطرف داخل قوات الأمن الحكومية، حيث دعت بعض العناصر إلى “الانتقام من النصيريين” – وهو مصطلح ازدرائي للعلويين. 

المستقبل المجهول للساحل السوري 

يبدو أن هناك ثلاث سيناريوهات رئيسية محتملة: 

استمرار الصراع الطائفي – مما يؤدي إلى نزاع طويل الأمد دون فائز واضح. 

ترسيخ الحكم الإسلامي – في حال نجاح الشرع في سحق المقاومة العلوية، فقد يتم تعزيز الحكم الإسلامي وإقصاء الأقليات. 

التدخل الدولي أو تقسيم سوريا – حيث قد تتدخل روسيا وإيران لحماية مصالحهما، مما يؤدي إلى مزيد من التفكك. 

في ظل استمرار العنف، أصبح الساحل السوري مركزًا جديدًا للصراع الذي قد يحدد مستقبل سوريا. 

‫شاهد أيضًا‬

قسد تفند المعلومات حول عقد لقاءات مع جهات تركية

بعد انتشار معلوماتٍ مضللة في الآونة الأخيرة عن قوات سوريا الديمقراطية وقائدها “مظلوم…