10/03/2025

الحكومة الانتقالية السورية تعلن عن لجنة تحقيق بعد مقتل أكثر من ألف شخص في أعمال عنف فوضوية على الساحل السوري

اللاذقية وطرطوس، سوريا —  

تجاوزت الحصيلة الأخيرة للقتلى من العنف الذي اجتاح المناطق الساحلية في سوريا خلال الأيام القليلة الماضية الألف شخص. حيث أن انفجار هذه الفوضى يهدد بتعميق الانقسامات الطائفية وإحياء الجروح القديمة من الحرب الأهلية المستمرة في البلاد. 

 تصعيد مفاجئ وعنيف 

اندلعت الاشتباكات القاتلة يوم الخميس عندما استهدفت كمين بالقرب من مدينة اللاذقية دورية تابعة لجهاز الأمن العام للحكومة الانتقالية السورية. حيث هاجم مسلحون موالون للرئيس السابق بشار الأسد، الذين ينتمون في الغالب إلى الطائفة العلوية، قوات الحكومة الإنتقالية وهو سرعان ما تحول إلى قتال واسع النطاق ومجازر ضد المدنيين. وفي خضم الفوضى، شنت بقايا الجيش والمخابرات الموالية للأسد هجمات منسقة، حيث وصفت التقارير المحلية العملية بأنها جهد مدروس للاستيلاء على مدن استراتيجية بما في ذلك مدينة القرداحة، مسقط رأس نظام الأسد الرمزي. 

تصف شهادات شهود العيان من المناطق الساحلية، بما في ذلك مدينة بانياس المتضررة بشدة، مشاهد من العنف غير المنضبط: منازل تُنهب وتُحرق، وجثث تُترك مهملة في الشوارع والأسطح، ومجموعات مسلحة توقف المدنيين على أبواب منازلهم للتحقق من انتماءاتهم الدينية قبل إعدامهم. لقد صدمت هذه الوحشية السكان المحليين وأبرزت الانقسامات الطائفية العميقة التي لا تزال تقسم سوريا 

. أهداف استراتيجية وضحايا مدنيون 

لم تستهدف أعمال العنف فقط المراكز الرمزية للسلطة، بل أيضًا الأصول الاستراتيجية الرئيسية. في بانياس، حيث تقع أكبر مصفاة نفط في سوريا، أفادت قوات الأمن بوجود محاولات متعددة من بقايا النظام القديم لزعزعة استقرار المنطقة من خلال هجمات منسقة. وقد زاد انقطاع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء ومياه الشرب في اللاذقية وما حولها من تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث اضطر الآلاف من المدنيين إلى الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان في الجبال القريبة. 

تشير الأرقام المبلغ عنها إلى أن عدد القتلى الآن يتجاوز الألف، وهي تشمل حوالي سبعمئة وخمسة وأربعين مدنيًا، و مئة وخمسة وعشرين من أفراد الأمن التابع للحكومة الإنتقالية، و مئة وثمانية وأربعين من المسلحين المرتبطين بحرس الأسد القديم.  

تكشف التقارير التفصيلية أن العديد من الضحايا المدنيين قُتلوا في عمليات إطلاق نار عن قرب، بينما كافحت الحكومة الانتقالية لوقف موجة من عمليات القتل الانتقامية. ويذكر سكان بانياس لحظات مرعبة عندما تجول المسلحون، الذين يُزعم أنهم يشملون مقاتلين أجانب ومسلحين محليين، في الأحياء، مما أجبر العائلات على الاختباء وترك المجتمعات بأكملها في حالة حداد. 

الغالبية العظمى من القتلى من الطائفة العلوية، التي تتركز في المناطق الساحلية مثل اللاذقية وطرطوس، و تعاني الطائفة العلوية، التي تمتعت بوضع مميز تحت حكم الأسد حيث عمل العديد من أعضائها داخل أو لصالح النظام العنيف، الآن من عدم اليقين ومخاوف من الانتقام تحت الحكومة التي يقودها الإسلاميون السنة في الغالب. و يدعي الرئيس الانتقالي الشرع أنه يهدف إلى حكومة شاملة وانتخابات عادلة، على الرغم من أن الكثيرين لا يزالون متشككينقُتل على ثلاثة مسيحيين في أعمال العنف هذه.، ومع ذلك، و على الرغم من أن بعض وسائل الإعلام وأصوات بارزة على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك إيلون ماسك، سلطت الضوء على الضحايا المسيحيين، لا توجد أدلة تشير إلى أنهم كانوا مستهدفين بسبب انتمائهم الديني، كما كان الحال مع أفراد المجتمع العلوي 

 استجابة الحكومة ودعوات للمساءلة 

ردًا على تصاعد أعمال العنف، تعهد الرئيس المؤقت أحمد الشرع باستعادة النظام والمساءلة. وفي حديثه من دمشق، أعلن الشرع عن إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق، وهي لجنة مكلفة بالتحقيق في الأحداث على الساحل. اللجنة، التي يُسمح لها باستخدام أي موارد ضرورية، مُكلفة بتقديم نتائجها خلال ثلاثين يومًا — وهي خطوة يأمل المسؤولون أن تساعد في كبح المزيد من العنف وتهدئة أمة متعبة من تكرار سفك الدماء. 

كما أعلن الشرع عن إنشاء اللجنة العليا للسلام المدني، التي تُعنى بالتواصل المباشر مع المجتمعات في المنطقة الساحلية، ومعالجة مخاوفهم وضمان أمنهم، وتعزيز الوحدة الوطنية. 

وكانت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في شمال وشرق سوريا قد أدانت العنف والفظائع المرتكبة ضد المدنيين. وفي بيان مشترك، دعت عشر منظمات، بما في ذلك حزب الاتحاد السرياني ، إلى المساءلة القانونية وإنهاء العنف والخطاب التحريضي. وأبرز البيان الحاجة إلى حوار يقوده السوريون لحل الأزمة، رافضًا الأساليب الأحادية، مؤكدًا على ضرورة عملية سياسية شاملة لضمان العدالة والكرامة والمساواة لجميع المجتمعات. ودعت الأطراف إلى التزام الحكومة الانتقالية بمثل هذه العملية، وطالبت بإطار للعدالة الانتقالية يتماشى مع الاتفاقيات الدولية للأمم المتحدة لمعالجة العنف ضد المدنيين بشفافية. 

وقد انتقد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الحكومة الانتقالية لوصفه استجابتها بأنها غير كافية متهما الفصائل المدعومة من تركيا والجماعات المتطرفة داخل وزارة الدفاع الجديدة باستغلال الفراغ في السلطة.  الشرع كان قد حث على محاسبة جميع الجناة وإعادة النظر في هيكل الجيش الوطني الجديد. 

تعليقات عبدي كانت قد عكست المخاوف المتزايدة بين مختلف الفصائل من أن التأثيرات الخارجية والصراعات الداخلية قد تؤجج العنف المستمر.

ردود الفعل الدولية

أثارت الزيادة الأخيرة في العنف قلقًا دوليًا كبيرًا وإدانة واسعة حيث أدانت الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية (روم) في أنطاكية، ببيان مشترك، البطريرك السرياني الأرثوذكسي مار إغناطيوس أفرام الثاني، وبطريرك الروم الكاثوليك في أنطاكية يوسف عبسي اللذي قال “المجازر التي تستهدف المواطنين الأبرياء”، مشددين على ادانة قتل النساء والأطفال، ونهب المنازل، و”المعاناة الهائلة التي يتحملها الشعب السوري”. ودعى البيان إلى توفير حقوق متساوية في سوريا وتعزيز “شراكة حقيقية” بين جميع المواطنين، بعيدًا عن “منطق الانتقام والاستبعاد”. 

وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن واشنطن “تدين الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب، الذين قتلوا الناس في غرب سوريا” ووقفت مع الأقليات في البلاد. وقد أعربت وزارة الخارجية الألمانية عن صدمتها من عدد الضحايا في غرب سوريا، داعية إلى حلول سلمية، ووحدة وطنية، وحوار سياسي شامل، والعدالة الانتقالية للتغلب على دوامة العنف والكراهية. 

 وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية كانت قد أصدرت بيانًا يدين جميع أعمال العنف الطائفية والمدنية في سوريا، وطالبت الحكومة الانتقالية السورية بإجراء تحقيقات مستقلة لمعاقبة مرتكبي العنف والقتل الإقليمي. دعت الدول المجاورة، بما في ذلك تركيا والعراق والأردن ولبنان، إلى رفع العقوبات التي تقودها الغرب على سوريا وأكدت على أهمية جهود المصالحة لاستقرار المنطقة. 

علاوة على ذلك، أعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن قلقها العميق إزاء تصاعد العنف، داعية جميع الأطراف إلى ضمان حماية المدنيين والسماح بالوصول غير المقيد للمساعدات الإنسانية. 

 أمة عند مفترق طرق 

بينما تبدأ التحقيقات في أعمال العنف على الساحل، يبقى مستقبل سوريا غير مؤكد بشكل خطير. تواجه الحكومة الانتقالية ضغوطًا متزايدة محليًا ودوليًا ليس فقط لوقف العنف المستمر ولكن أيضًا لتنفيذ إصلاحات هيكلية يمكن أن تمهد الطريق لانتقال سياسي شامل حقًا. في وقت لا يزال المتشككون حذرين من أنه بدون تدابير مساءلة قوية وإصلاح جهاز الأمن، قد تُدفع سوريا مرة أخرى إلى نوع الصراع المطول الذي ميز تاريخها الحديث. 

في الوقت الحالي، بينما تبحث عائلات النازحين والمجتمعات المكلومة عن إجابات، يبقى الأمل معلقًا على اتخاذ إجراءات حاسمة من حكومة مصممة على سد الفجوات الطائفية في سوريا — وعلى الدعم الدولي لتوجيه الأمة نحو السلام والاستقرار على المدى الطويل. 

‫شاهد أيضًا‬

ملصق متطرف يثير غضب المسيحيين في طرطوس

طرطوس، سوريا – استيقظ سكان مدينة طرطوس صباح يوم الثلاثاء على ملصق استفزازي عُلق على جدار ك…