14/03/2025

الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس الانتقالي الشرع ينص على أن يكون رئيس الجمهورية “العربية” السورية مسلما

درامسوق —

وقّع الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع، يوم الخميس، على الإعلان الدستوري، واصفاً إياه بأنه بداية لمرحلة جديدة لسوريا تهدف إلى إرساء مبادئ الحكم خلال الفترة الانتقالية. وقال الشرع خلال حفل التوقيع:

“نأمل أن يكون هذا بداية لتاريخ جديد لسوريا، حيث يُستبدل الظلم بالعدل، والجهل بالمعرفة، والمعاناة بالرحمة.”

ووفقاً للجنة صياغة الدستور، يتكوّن الإعلان من مقدمة وأربعة أقسام، تغطي الأحكام العامة، والحقوق والحريات، وهيكل الحكومة، والأحكام النهائية.

الجمهورية “العربية” السورية

أوضحت لجنة الصياغة أنها لم تغيّر أيّاً من الأحكام العامة، بما في ذلك اسم الدولة، الذي لا يزال “الجمهورية العربية السورية”. وبررت اللجنة قرارها بالقول:

“لم نسعَ إلى تغيير ما اعتاد عليه السوريون منذ تأسيس الدولة، حيث نعتقد أن شرعيتنا لا تسمح لنا بإجراء تعديلات على الأحكام الأساسية.”

يأتي هذا الإصرار على ترسيخ الهوية القومية العربية في وقت تتزايد فيه المطالب من الجماعات الكردية والسريانية الآشورية وغيرها من المكونات غير العربية لتغيير اسم الدولة إلى “الجمهورية السورية”، بحيث يعكس التنوع العرقي واللغوي في البلاد.

تاريخياً، شهد عهد بشار الأسد قمعاً للثقافة الكردية، حيث حُرم عشرات الآلاف من الأكراد من الجنسية السورية، كما تعرض السريان–الآشوريون–الآراميون للتمييز وتم إجبارهم على قمع هويتهم الثقافية، والسماح لهم فقط بالتعبير عن هويتهم المسيحية.

وفي مقابلة مع قناة سوريو تي في عقب سقوط النظام، حذّر رئيس مجلس بيث نهرين القومي، نعيم ميخائيل حادودو من الإقصاء العرقي والديني الممنهج، قائلاً:

“نرفض أن تفرض علينا هوية عربية لا ننتمي إليها. كيف يمكننا الحديث عن مرحلة انتقالية بينما نبقي على نفس الأسس التي وضعها حزب البعث؟”

“اشتراط الإسلام في القيادة”: فرض ديني؟

ينص الإعلان الدستوري أيضاً على أن ديانة رئيس الجمهورية يجب أن تكون الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع.

يُعدّ هذا البند مثيراً للجدل، إذ يتعارض مع مواد أخرى في الإعلان تزعم حماية الحريات وحقوق الإنسان، مما يثير شكوكاً جدية حول مصداقية تلك الالتزامات. ومن المرجح أن يواجه هذا البند معارضة قوية من ممثلي الجماعات غير المسلمة.

وقد جاءت تصريحات حادودو السابقة لتبدو أكثر صواباً اليوم، حيث قال في ديسمبر الماضي:

“نحن لسنا ضد الإسلام، لكننا نرفض فكرة أن يكون المصدر الرئيسي للتشريع في بلد يُفترض أن يكون متعدد الأعراق والديانات. هذه ليست ديمقراطية، بل استمرار لدولة ثيوقراطية تحت اسم مختلف.”

يؤكد الإعلان الدستوري أيضا على حماية حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر، بالإضافة إلى التزام الدولة بالوحدة الوطنية واحترام الخصوصيات الثقافية.

لكن اللجنة أوضحت صراحةً أن هذه الحريات ستكون مقيّدة باعتبارات أمنية:

“خصصنا قسماً للحقوق والحريات بهدف إيجاد توازن بين الأمن المجتمعي والحرية الشخصية.”

يُعدّ هذا المصطلح مثيراً للقلق، حيث يُشير إلى أن الحريات المدنية سيتم تقييدها تحت ذريعة الاعتبارات الأمنية، وهي حيلة استُخدمت تاريخياً من قبل الأنظمة الاستبدادية لقمع المعارضة وإسكات الأصوات المخالفة.

“سلطة تشريعية مستقلة”… أم غطاء للهيمنة الرئاسية؟

منحت اللجنة السلطة التشريعية الكاملة للبرلمان، لكن الرئيس سيحتفظ بسلطة تعيين ثلث أعضائه. وبينما ادعت اللجنة أن هذه الخطوة تضمن “تمثيل الشخصيات الكفؤة”، إلا أن ذلك يعني عملياً أن الرئيس سيظل محتفظاً بسيطرة مباشرة على السلطة التشريعية.

بالإضافة إلى ذلك، تم إلغاء منصب رئيس الوزراء، مما أدى إلى تركيز جميع الصلاحيات التنفيذية في يد الرئيس، حيث ستكون الحكومة مكوّنة من وزراء يخضعون مباشرةً له.

وأكدت اللجنة أن الإعلان الدستوري لا يمنح الرئيس أي سلطات استثنائية. ومع ذلك، فإن الوثيقة تسمح له بإعلان حالة الطوارئ طوال فترة السنوات الخمس الانتقالية.

وكان حادودو قد حذّر سابقاً من أن هذه الصلاحيات غير المقيّدة قد تُستخدم لترسيخ حكم استبدادي، مشيراً إلى أن منح الرئيس سلطات طوارئ واسعة بذريعة الاستقرار ليس سوى وسيلة لإضفاء الشرعية على الحكم المطلق:

“لا يمكن بناء الديمقراطية عبر دساتير تمنح الرئيس صلاحيات الطوارئ إلى أجل غير مسمى. هذه ليست مرحلة انتقالية—بل استبداد مُقنّع.”

الحقوق والحريات: التزامات حقيقية أم وعود فارغة؟

يتضمن الإعلان الدستوري بعض الأحكام الإيجابية على الورق، مثل ضمان استقلال القضاء، حظر المحاكم الاستثنائية، حماية حقوق الملكية، وضمان حقوق المرأة في التعليم والعمل والمشاركة السياسية. كما يلتزم باحترام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي وقّعت عليها سوريا.

ومع ذلك، تبقى المشكلة الحقيقية ليست في النص، بل في التطبيق. طالما أن السلطة المطلقة لا تزال مركزة في يد الرئيس، والجهاز الأمني لم يُمسّ، فإن آليات ضمان احترام الحقوق ستظل غائبة—وربما معدومة بالكامل.

“إعلان انتقالي أم دستور دائم؟”

تم تحديد المرحلة الانتقالية بـ خمس سنوات، لكن الأسئلة حول المستقبل لا تزال قائمة.

وقد عبّر حادودو عن هذا القلق مسبقاً قائلاً:

“المشكلة الحقيقية ليست فقط في الإعلان الدستوري، بل فيما سيليه. هل سنشهد تغييراً حقيقياً، أم أن هذه مجرد خطوة مؤقتة لترسيخ نظام جديد تحت نفس الهيكل القديم؟”

في حين أن بعض المسؤولين أشادوا بالإعلان الدستوري باعتباره “علامة فارقة في السياسة السورية”، فإن إقصاءه العرقي، وتحامله الديني، وتركيزه للسلطة يثير مخاوف جدية حول ما إذا كان هذا يمثل خطوة نحو الديمقراطية أو مجرد نسخة جديدة من الاستبداد.

ورغم الادعاءات بحماية الحقوق والحريات، فإن الإعلان يفشل في ضمان التمثيل الحقيقي والشامل، مما يترك الأقليات العرقية والدينية—إلى جانب المعارضة السياسية—دون ضمانات فعلية للحماية أو المشاركة.

هل سيؤدي هذا الإعلان إلى موجة جديدة من الصراع السيا

للمقالة باللغة الإنجليزية انظر هنا

‫شاهد أيضًا‬

سوريا: مطالبات في السويداء بفتح معبر إنساني لتأمين احتياجات المدنيين

السويداء، سوريا- بعد سلسلة من الاعتداءات التي طالت الأهالي في مدينة السويداء، وجه عدد من ا…