سعيد إسحق.. رجل السياسة الذي عبر التاريخ بصمت
في عام 1902، وُلد سعيد إسحق في قلعة الأمراء التابعة لولاية ماردين، حيث نشأ في كنف عائلة سريانية أرثوذكسية متجذرة في أرض الشام. كان شغوفًا بالعلم منذ صغره، فبدأ تعليمه في “مدرسة القرية” التابعة لدير الزعفران، حيث أتقن العربية والكردية، واطلع على التركية، إلى جانب لغته الأم، السريانية. لم يقتصر اهتمامه على اللغات، بل تعمّق في دراسة الأديان الإبراهيمية، فنهل من علوم الإسلام والمسيحية واليهودية، مما منحه أفقًا واسعًا ورؤية متسامحة تجاه التنوع الديني والثقافي في بلاده.
رحلة النزوح والتأسيس
شهدت السنوات الأولى من حياته تحولات سياسية كبرى، إذ أُلحقت ولاية ماردين بالدولة التركية بعد رسم الحدود الجديدة مع سوريا، فانتقل إلى بلدة عامودا، حيث بدأ رحلة كفاح جديدة. وكغيره من السوريين الذين عانوا من الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة، اضطر للعمل في مدّ السكك الحديدية التي ربطت العراق بسوريا، ثم عمل في التجارة، فبدأ ببيع الأقمشة. لكن رغم بساطة عمله، كان قلبه عامرًا بالعطاء، حتى لُقّب بـ”أبي الفقراء”، إذ كان يجمع محصوله الزراعي ويوزّع جزءًا منه سرًا على المحتاجين، ويرسل الهبات للجوامع والكنائس.
لم تمر مواقفه الوطنية بسلام، فقد لاحقته السلطات الفرنسية التي كانت تحكم سوريا آنذاك، وصادرت محاصيله بسبب مواقفه المناهضة للاستعمار. لكن ذلك لم يثنه عن الاستمرار في مساعدة أبناء بلده.
دخوله معترك السياسة
في عام 1928، دخل سعيد إسحق عالم السياسة بتأسيسه مجلس بلدية عامودا، وانتُخب رئيسًا له، ليفتح بذلك صفحة جديدة من حياته. وفي عام 1932، خاض الانتخابات النيابية عن مناطق الحسكة والقامشلي ودجلة، ونجح في دخول البرلمان السوري، حيث عمل في مكتب المجلس كأمين للسر. ولم يكن هذا النجاح الوحيد، ففي عام 1936، ترشح مجددًا عن منطقة الجزيرة السورية، وواصل عمله السياسي في خدمة أبناء بلده. وفي انتخابات عام 1943، فاز بمنصب المراقب العام في البرلمان، محققًا 83 صوتًا من أصل 120، ثم عاد إلى المجلس عن قضاء القامشلي عام 1949، واستمر في العمل السياسي حتى عام .1954
رئاسة الجمهورية لساعات معدودة
مع تصاعد الأزمات السياسية في سوريا، كانت البلاد تعيش اضطرابات كبيرة. وفي 1 أكتوبر 1951، انتُخب سعيد إسحق نائبًا لرئيس مجلس النواب، ليصبح قريبًا من دوائر القرار السياسي. وفي خضم هذه الاضطرابات، استقال الرئيس هاشم الأتاسي في 2 ديسمبر 1951، وأُودعت استقالته رسميًا لدى سعيد إسحق، نظرًا لأن رئيس المجلس ناظم القدسي كان قيد الاعتقال آنذاك. ووفقًا للدستور، تولّى إسحق مهام رئيس الجمهورية بالنيابة لمدة 24 ساعة، بين 2 و3 ديسمبر 1951، ليصبح أول سرياني يتولى رئاسة سوريا، ولو ليوم واحد فقط.
لكن لم يدم الأمر طويلًا، ففي اليوم التالي، أصدر أديب الشيشكلي، رئيس المجلس العسكري الأعلى، قرارًا بحل مجلس النواب، منهياً بذلك فترة إسحق القصيرة في سدة الحكم.
نهاية الرحلة
بعد خروجه من الحياة السياسية عام 1954، فضّل سعيد إسحق الابتعاد عن الأضواء، وظل في خدمة أبناء بلده حتى آخر أيامه. وفي عام 1989، وبعد صراع مع المرض دام خمس سنوات، توفي في الولايات المتحدة. أرسلت السفارة السورية العلم الوطني ليُلف به جثمانه، في إشارة إلى التقدير لرجل ترك بصمته في تاريخ البلاد.
حزب الاتحاد السرياني يلتقي بمطران دارمسوق للأرمن الكاثوليك
دارمسوق (دمشق) – زار وفدٌ من حزب الاتحاد السرياني في سوريا مقر مطرانية الأرمن الكاثوليك في…