تصعيد على الحدود اللبنانية – السورية: اشتباكات دامية وتداعيات إقليمية
بيروت/دمشق – شهدت الحدود اللبنانية – السورية تصعيدًا كبيرًا في أعمال العنف منذ مساء الأحد، مما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا وأثار مخاوف بشأن استقرار المنطقة. وأسفرت الاشتباكات، التي اندلعت بشكل رئيسي بين القوات الحكومية السورية وجماعات لبنانية مسلحة، عن مقتل مدنيين، وأدت إلى ردود فعل حازمة من كلا البلدين.
بداية الأحداث وتأثيرها على المدنيين
تعرضت القرى الحدودية اللبنانية، الممتدة من القصر إلى المغيرية، لقصف كثيف من الجانب السوري، واستمر القصف حتى يوم الاثنين، حيث شهدت مناطق مثل حوش السيد علي والمغيرية نيرانًا كثيفة. وأسفر القصف عن مقتل الطفل أحمد الحاج حسين، البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، بعد استهداف منزله، مما يسلط الضوء على التأثير الكارثي للاشتباكات على المدنيين.
مزاعم تورط حزب الله
اتهمت وزارة الدفاع في الحكومة السورية الانتقالية ميليشيات حزب الله بالتسلل إلى سوريا، واختطاف ثلاثة جنود سوريين وقتلهم لاحقًا. ونفى حزب الله هذه المزاعم، مؤكداً أنه “لا علاقة له بأي أحداث تدور داخل الأراضي السورية”.
وقد أدى هذا الحادث إلى تصعيد الاشتباكات بين القوات السورية وحزب الله، مما تسبب في عمليات قصف متبادل، إلى جانب تعزيزات عسكرية على الحدود.
الرد اللبناني
أمر الرئيس اللبناني السرياني – الماروني جوزيف عون الجيش اللبناني بالرد بحزم على أي عدوان من الجانب السوري، مؤكدًا التزام الدولة بحماية سيادتها ومواطنيها. وقال عون:
“ما يحدث على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية لا يمكن أن يستمر، ولن نقبل باستمراره.”
وبناءً على توجيهات الرئيس، نشرت القوات المسلحة اللبنانية تعزيزات عسكرية وشاركت في تبادل نيران المدفعية لاستهداف مصادر القصف السوري. كما استخدمت الطائرات الاستطلاعية لمراقبة محاولات التسلل، وعززت انتشارها على طول الحدود لحماية الأراضي اللبنانية.
الخسائر البشرية والمخاوف الإنسانية
أسفرت الاشتباكات عن مقتل سبعة لبنانيين وإصابة أكثر من خمسين آخرين، فيما قُتل خمسة جنود سوريين على الأقل.
كما أدت أعمال العنف إلى نزوح جماعي، حيث فرّ سكان البلدات الحدودية باتجاه منطقة الهرمل اللبنانية خوفًا من مزيد من التصعيد.
الجهود الدبلوماسية واتفاق وقف إطلاق النار
في محاولة لاحتواء الأزمة، توصل لبنان وسوريا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في وقت متأخر من يوم الاثنين، وذلك بعد محادثات هدفت إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين البلدين.
وبدأت قوات البلدين اتصالات لتخفيف التوتر، وأعاد الجيش اللبناني جثث الجنود السوريين القتلى إلى الجانب السوري.
دعوة “الجبهة المسيحية” لمفاوضات مباشرة مع إسرائيل
خلال اجتماعها الدوري في مقرها بالأشرفية، دعت الجبهة المسيحية الحكومة اللبنانية إلى الإسراع في نزع سلاح حزب الله وجميع الميليشيات الأخرى في كافة الأراضي اللبنانية، وخاصة تلك المتمركزة على الحدود مع سوريا تحت ذريعة “العشائر”.
وحذرت الجبهة من الاستهانة بالمطالب الدولية، مطالبة السلطات باتخاذ إجراءات حاسمة ضد حزب الله، وسجن قياداته المتبقية، ومحاكمتهم على جرّ لبنان إلى حروب مدمرة، بدءًا من الحرب مع إسرائيل، وصولًا إلى النزاع الحالي مع سوريا، الذي يخدم مصالح طهران.
وأكدت الجبهة في بيانها أن حزب الله يشتت الجيش اللبناني بمعارك لا تخدم المصلحة الوطنية، مما يعيق تنفيذ القرارات الدولية التي تهدف إلى إقامة دولة لبنانية فعلية.
كما شددت الجبهة على أن الوقت الراهن يتطلب من لبنان الالتحاق بالمشروع العربي الخليجي الساعي إلى إرساء السلام والازدهار في المنطقة. لذا، دعت الحكومة اللبنانية إلى تبني نهج التفاوض المباشر مع إسرائيل، دون وسطاء، لمعالجة القضايا العالقة، وعلى رأسها ترسيم الحدود البرية والبحرية.
وأشارت الجبهة إلى أن أهمية المفاوضات المباشرة تتجاوز حل النزاعات الحدودية، إذ إنها تهيئ الأرضية لتحقيق معاهدة سلام عادلة بين لبنان وإسرائيل، في سياق اتفاقيات إبراهيم.
وأضافت أن اتفاقية السلام ستفتح آفاقًا جديدة للبنان على المستوى الاقتصادي والتجاري والسياحي والأمني، مما يعزز فرص النمو والاستقرار.
كما اعتبرت الجبهة أن التكامل مع الشرق الأوسط الجديد المزدهر لن يتحقق إلا من خلال اتفاقية سلام مع إسرائيل، ليصبح لبنان دولة فاعلة ومستفيدة، وإلا فإنه سيبقى “الضاحية الفقيرة للمنطقة.”
وختم البيان بالإشارة إلى أن عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تعني أن أولوية الإدارة الأميركية ستكون إحلال السلام العالمي والازدهار، حتى وإن تطلب الأمر استخدام القوة لتحقيق ذلك.
لمحة تاريخية عن النزاعات السورية – اللبنانية
العلاقات اللبنانية – السورية معقدة تاريخيًا، وشهدت العديد من التحالفات والصراعات العنيفة. ومن أبرز محطاتها:
الاحتلال السوري للبنان (1976-2005)
دخلت القوات السورية إلى لبنان خلال الحرب الأهلية بدعوى استعادة الاستقرار، لكنها بقيت هناك لمدة ثلاثين عامًا، مارست خلالها الهيمنة على السياسة اللبنانية، واغتالت معارضيها، ودعمت الجماعات المسلحة الموالية لها.
وفي عام ألفين وخمسة، وبعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، خرجت القوات السورية من لبنان تحت ضغط احتجاجات ثورة الأرز والمطالب الدولية.
حرب ألفين وستة ودور حزب الله
بعد حرب إسرائيل مع حزب الله عام ألفين وستة، استمر النفوذ السوري في لبنان عبر دعم الحزب، الذي يمثل الذراع العسكري لسوريا وإيران في المنطقة.
تداعيات الحرب السورية على لبنان منذ العام ألفين وأحد عشر – حتى الآن
مع اندلاع الحرب في سوريا، انتقل الصراع إلى لبنان، حيث شارك حزب الله بشكل علني في القتال إلى جانب نظام الأسد. وأدى ذلك إلى تصاعد الاشتباكات الحدودية وتدفق أكثر من مليون لاجئ سوري إلى لبنان، مما شكل ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد اللبناني.
الاشتباكات الحدودية المتواصلة
خلال العقد الماضي، أصبحت المناطق الحدودية نقطة توتر دائمة، حيث تستخدمها الميليشيات المسلحة كمعابر لتهريب الأسلحة والمقاتلين، مما أدى إلى صراعات مستمرة بين الجيش اللبناني، وحزب الله، والفصائل السورية المختلفة.
التصعيد الأخير على الحدود اللبنانية – السورية يعكس هشاشة الأوضاع الإقليمية، حيث يمكن لأي حادث محلي أن يشعل صراعًا أكبر. ومع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية على لبنان، تتزايد الدعوات لعقد اتفاق سلام مع إسرائيل كخطوة نحو التكامل الإقليمي والبحث عن استقرار طويل الأمد.
وفد ألماني رفيع المستوى يزور إقليم شمال وشرق سوريا
زالين (قامشلي) – شمال وشرق سوريا – زار وفد ألماني برئاسة مارغريته ياكوب القائم…