مع عودة نهر الخابور، يستعيد المزارعون في شمال وشرق سوريا أراضيهم—ولكن إلى متى؟
سيرياك برس
الخابور – لعقود، كان نهر الخابور شريان الحياة في شمال شرق سوريا، حيث كانت مياهه تغذي السهول الخصبة في محافظة الحسكة. وعلى ضفاف هذا النهر الذي كان يومًا ما جارفًا، زرع المزارعون محاصيل وفيرة من القمح والشعير والفواكه والخضروات، معتمدين على مياهه لإعالة مجتمعات بأكملها. وتضم منطقة وادي الخابور حوالي 34 قرية آشورية، أسسها الآشوريون الذين استقروا هناك بعد مجزرة سميل عام ألف وتسعمائة و ثلاثة وثلاثين.
لكن مع اشتداد موجات الجفاف وإقدام تركيا على بناء السدود التي حدّت من تدفق المياه، جفّ الخابور، مما أجبر العديد من المزارعين على التخلي عن الزراعة التقليدية والاعتماد على الآبار العميقة أو في بعض الحالات، مغادرة قراهم تمامًا.
اليوم، وبعد سنوات من الجفاف شبه التام، عاد النهر بشكل غير متوقع. هذا التدفق المفاجئ للمياه أعاد الأمل للمزارعين الذين عانوا من ارتفاع تكاليف الري وتناقص المياه الجوفية. ولكن بينما يسارعون إلى إنقاذ ما يمكنهم إنقاذه، يبقى السؤال الأكبر: هل هذه فترة مؤقتة، أم أنها مؤشر على تغير دائم؟
عودة النهر بين الفرصة والندم
بالنسبة إلى جون إختيار، المزارع البالغ من العمر تسعة وستين عامًا من قرية تل ماساس، فإن رؤية المياه في الخابور تثير مشاعر مختلطة.
“لأعوام، تركنا أراضينا جافة لأنه لم يكن هناك ماء”، قال بأسف. “الآن بعد أن عاد النهر، نندم لأننا لم نزرع في وقت مبكر.”
مثل العديد من المزارعين في المنطقة، يعتمد إختيار على مصادر ري بديلة، بما في ذلك الآبار التي تعمل بالطاقة الشمسية. لكن الآبار العميقة مكلفة صيانتها، وإنتاجها لا يقارن بالتدفق القوي للنهر. مع عودة الخابور بعد غياب طويل، كان أولئك الذين زرعوا أراضيهم مبكرًا هم الأكثر استفادة، بينما وقف الآخرون يراقبون الفرصة وهي تفلت من أيديهم.
“في الماضي، كان لكل منزل بستان مزدهر”، تذكر إختيار. “لكن بدون النهر، جفت الأشجار. كانت الأرض مليئة بأشجار التفاح والرمان والزيتون. الآن، معظمها مزروع بالقمح والشعير لأنها تتحمل الجفاف أكثر.”
الآبار والديزل: تكلفة البقاء على قيد الحياة
في قرية محرقان، وهي قرية أخرى على ضفاف الخابور، يروي داوود إليا كيف شهد تراجع الزراعة تدريجيًا في المنطقة.
“في التسعينيات، بدأنا نفقد إمكانية الري من النهر”، قال إليا. “لم يكن أمامنا خيار سوى حفر الآبار.”
لكن الانتقال إلى الري بالآبار كان مكلفًا. على عكس مياه الخابور المتدفقة مجانًا، يتطلب تشغيل الآبار وقودًا لتشغيل المضخات، وهو عبء مالي متزايد لا يستطيع الجميع تحمله.
“برميل الديزل اليوم يكلف ما يقارب مليون ليرة سورية (حوالي سبعين دولارًا أمريكيًا)”، أوضح إليا. “معظم المزارعين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف، مما يجبرهم على تقنين استخدام المياه وتقليل الأراضي المزروعة أو حتى التخلي عن الزراعة بالكامل.”
حتى بالنسبة لأولئك الذين يمكنهم تحمل تكاليف الري من الآبار، فإن نوعية المياه الجوفية أصبحت مشكلة متزايدة. فقد أدى الاستخدام المفرط للآبار إلى ارتفاع مستويات الملوحة، مما جعل من المستحيل تقريبًا زراعة الأشجار المثمرة.
“الأشجار لا يمكنها البقاء على قيد الحياة بمياه الآبار”، قال إليا. “الملح يقتلها. لكن مع الخابور، كنا قادرين على زراعة أي شيء.”
نزوح متزايد: الهجرة بسبب شح المياه
أدى انهيار مصادر المياه في الخابور إلى موجة من الهجرة من المنطقة. ففي قرية تل سكرة (المعروفة أيضًا باسم كونديكثا)، التي كانت تضم سابقًا خمسة وخسين عائلة، لم يتبقَ سوى ثمانية عشر عائلة.
بولس أديشو، مزارع يبلغ من العمر سبعة وستين عامًا، هو أحد الذين يرفضون المغادرة.
“نحن نحب هذه الأرض”، قال بحزم. “لكن بدون ماء، كيف سنبقى؟”
عودة الخابور جلبت بعض الراحة، لكن أديشو يدرك جيدًا أن هذا قد لا يدوم. لذا، هو وجيرانه قاموا بتركيب مضخات قوية للاستفادة القصوى من المياه المتدفقة قبل أن تتلاشى الفرصة.
“مع مياه النهر، يمكننا ري عشرة أضعاف المساحة التي يمكننا ريّها بالآبار”، أوضح. “التكلفة أقل، والمحاصيل تنمو بشكل أفضل. لكن إلى متى سيستمر هذا؟”
بالنسبة لكثيرين، فإن حالة عدم اليقين هذه لا تُحتمل. فقد اضطر المزارعون الذين اعتادوا زراعة مساحات شاسعة من الأراضي إلى البحث عن بدائل، حيث انتقل البعض إلى المدن مثل القامشلي والحسكة للعمل كعمال يوميين، بينما غادر آخرون سوريا بالكامل، لينضموا إلى أعداد متزايدة من اللاجئين في البلدان المجاورة.
“هذه المنطقة كانت خضراء”، قال أديشو بأسى. “الآن، تتحول إلى صحراء.”
ما السبب وراء عودة الخابور المفاجئة؟
لا يزال الخبراء منقسمين حول سبب تدفق مياه الخابور مجددًا. يعتقد البعض أن الأمطار الأخيرة في المنابع قد أدت إلى تجدد تدفق المياه مؤقتًا، بينما يشير آخرون إلى أن تركيا، التي تتحكم في عدة سدود على روافد الخابور، ربما أطلقت كميات زائدة من المياه.
لكن مهما كان السبب، فإن التدفق لا يزال غير مستقر. ففي حين أفاد بعض المزارعين بأن المياه ظلت تتدفق لعدة أسابيع، أشار آخرون إلى أنها بدأت بالفعل في الانحسار.
“هناك شائعات بأنها قد تستمر لشهر، وربما أكثر”، قال إليا. “لكن لا أحد يعلم على وجه اليقين.”
مصير نهر الخابور هو انعكاس لأزمة أكبر تعصف بالقطاع الزراعي في سوريا. فقد أدت سنوات الحرب، وتغير المناخ، والنزاعات الجيوسياسية حول الموارد المائية إلى تدمير المجتمعات الزراعية.
وقد حذّرت المنظمات الدولية من أن نقص المياه في سوريا قد يزداد سوءًا في السنوات القادمة. فوفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام ألفين وثلاثة وعشرين، فإن ما يصل إلى ستين بالمائة من الأراضي السورية معرضة للتصحر بسبب انخفاض معدلات الأمطار وممارسات إدارة المياه غير المستدامة.
في ظل هذه الظروف، يظل مستقبل الزراعة في شمال وشرق سوريا، مثل مياه الخابور نفسها، معلقًا بين الأمل والمجهول.
للمقالة باللغة الإنجليزية انظر هنا
وفد ألماني رفيع المستوى يزور إقليم شمال وشرق سوريا
زالين (قامشلي) – شمال وشرق سوريا – زار وفد ألماني برئاسة مارغريته ياكوب القائم…