20/03/2025

أعياد الربيع في بيث نهرين (بلاد ما بين النهرين)

يشكل قدوم الربيع فترةً من التجدد الطبيعي والخصوبة والوفرة، وقد احتفلت به الحضارات البشرية حول العالم عبر التاريخ. وفي بيث نهرين (بلاد ما بين النهرين)، مهد الحضارة، لا تزال بعض أقدم التقاليد الربيعية تُمارس حتى اليوم.

يحتفل السريان والكُرد والإيزيديون بقدوم الربيع بطريقتهم الخاصة، لكنهم يجتمعون على الفرح، والخروج إلى الطبيعة، وإقامة الرقصات الفلكلورية، ليعكس كل عيدٍ منها طابعه الخاص.

أكيتو



مع اقتراب الربيع، يستعدّ السريان (الآراميون–الآشوريون–الكلدان) لاستقبال رأس السنة البابلية السريانية-الآشورية، أكيتو ستة الاف وسبعمئة وأربعة وسبعين (ܪܫܐ ܕܫܢܬܐ ܐܟܝܬܘ 6774)، في أرضهم التاريخية في بيث نهرين (بلاد ما بين النهرين).

يُحتفل بعيد أكيتو في الأول من نيسان، وهو أقدم عيد معروف لا يزال يُحتفل به حتى يومنا هذا، حيث يرجّح الباحثون أن الاحتفال به يعود إلى الألف السادس قبل الميلاد.

تمتد احتفالات أكيتو تقليديًا على مدار اثنا عشر يومًا، وتدور حول طقوس تجسّد أسطورة الخلق وقصة إينوما إيليش، حيث يتمحور السرد حول قيامة الإله مردوخ، إله بابل، على يد ابنه نابو، في رمزٍ لتجدد الحياة في الطبيعة.

تعود جذور أكيتو إلى الاتحاد المقدس بين عشتار، إلهة الجمال، وتموز، إله الخصوبة، حيث تهبط عشتار إلى العالم السفلي لإحياء الموتى، لكنها تُسجن وتعاقب على يد إلهة العالم السفلي. ويؤدي برود تموز تجاهها إلى غضبها، مما يدفعها للشكوى إلى مجلس الآلهة، فيحكمون عليه بنصف خلود، حيث يُبعث للحياة نصف العام فقط، بدءًا من الأول من نيسان.

وفقًا للأسطورة السومرية، يُبعث تموز للحياة في الأول من نيسان، ثم يعود إلى العالم السفلي بحلول نهاية أيلول.

إلى جانب رمزيته الدينية، كان لأكيتو أهمية سياسية واجتماعية كبيرة في المجتمع البابلي السرياني-الآشوري. فقد كانت الطقوس تؤكد على سلطة الملك وشرعية حكمه، وتؤدي إلى تجديد النظام السياسي والاجتماعي عبر احتفالات رسمية تُقام على مدار يومين.

تحمل هذه الطقوس دلالات سياسية قوية، حيث تعزز سلطة الملك، وتؤكد مكانة الإله الوطني، وأهمية بابل كعاصمة مقدسة.

يُحتفل بعيد أكيتو بين شهري آذار ونيسان، ليجسّد العلاقة المتبادلة بين الإنسان والطبيعة ودورة الحياة المتجددة، مؤكدًا على مفهوم البعث والتجدد.

في العصر الحديث، تتكرر طقوس أكيتو مع تزيين المشاركين أنفسهم بأزياء تقليدية مزخرفة، مستوحاة من التراث والفلكلور، ومزينة بالريش، تعبيرًا عن النهضة بعد سبات الشتاء.

ترك أكيتو بصمته على العديد من الأعياد الربيعية المشابهة، مثل عيد نوروز، والأربعاء الأحمر (تشارشما صور)، وبعض الأعياد اليهودية والأوغاريتية.

عيد النوروز



يُحتفل بعيد نوروز باعتباره رأس السنة الكردية (نوروز، سالا نو)، وهو يمثل الانتقال من الشتاء إلى الربيع، والبعث والتجدد. تعني كلمة “نوروز” في اللغة الكردية “اليوم الجديد”.

يُعتبر نوروز العيد القومي للكرد، وهو متجذر في الأساطير، حيث يعود إلى حوالي ستمائة ق.م، ويرتبط بقصة كفاح وتحرر.

تدور القصة حول البطل كاوه الحداد، الذي تحدى الطاغية ضحاك، الحاكم المستبد، الذي قيل إنه كان يمتلك ثعبانًا يتغذى على أدمغة الأطفال. بعد أن فقد كاوه خمسة عشر من أبنائه، ولم يتبق له سوى ابنة واحدة، قرر الثورة على ضحاك.

حمل مطرقته، وهجم على القصر وقتل الطاغية، ثم أشعل النيران فوق القصر، رافعًا شعلة الحرية ليعلن انتصار الشعب. ومنذ ذلك الحين، أصبح يوم الواحد العشرين من آذار يومًا للبعث والتحرر، وبداية السنة الكردية الجديدة.

الأربعاء الأحمر (Çarşema Sor)



 

مع حلول الربيع، يحتفل المجتمع الإيزيدي بالأربعاء الأحمر (Çarşema Sor)، وهو يوم مقدّس يُرمز فيه إلى الخلق والبعث وبداية الكون.

وفقًا للميثولوجيا الإيزيدية، كان العالم في بداية الزمان مغطى بالضباب والظلام، إلى أن كلف الله الملك طاووس بمهمة منح الحياة للأرض.

هبط الملك طاووس على غصن شجرة “هرهر” المقدسة في وادي لالش، أقدس الأماكن عند الإيزيديين، وبإشراقته ذاب الجليد وانتعشت الأرض، ليعلن بداية الربيع.

في صباح الثلاثاء الذي يسبق الأربعاء الأحمر، يزور الإيزيديون قبور أحبائهم حاملين الفواكه والحلويات لتوزيعها على الأطفال والفقراء.

يقوم الشباب والفتيات بتلوين اثني عشر بيضة مسلوقة، كل لون منها يمثل فصلًا من فصول السنة، وترمز هذه البيضات إلى التجدد الأبدي للطبيعة.

عند غروب الشمس يوم الثلاثاء، يتم إشعال ثلاثمئة وستو وستين فتيلة في لالش، كل واحدة منها تمثل يومًا من أيام السنة.

يجتمع الناس لتناول وجبة مشتركة في المقابر، حيث يعتقد الإيزيديون أنه في كل أربعاء أحمر، ينزل الملك طاووس لاستعادة الأرض من القوى الشريرة، جالبًا عصرًا جديدًا من السلام والازدهار.

عند انتهاء الاحتفالات، يتم نثر قشور البيض الملونة على التربة كرمز للحاجز الجليدي الذي غطى الأرض قبل أن تشرق عليها حياة الملك طاووس.

مع بزوغ الفجر في اليوم التالي، يستيقظ الناس مبكرًا لأداء الصلاة باتجاه شروق الشمس، ويرتدون أجمل ملابسهم، ويزينون مداخل منازلهم بالورود، تعبيرًا عن بداية فصل جديد وحياة متجددة.


للاطلاع على المقال باللغة العربية انظر هنا

‫شاهد أيضًا‬

ملصق متطرف يثير غضب المسيحيين في طرطوس

طرطوس، سوريا – استيقظ سكان مدينة طرطوس صباح يوم الثلاثاء على ملصق استفزازي عُلق على جدار ك…