‫‫‫‏‫3 أسابيع مضت‬

الفجوات الطائفية تتسع في سوريا مع اشتداد العنف في جرمانا وإثارة جدل الإصلاح

دارمسوق (دمشق)، سوريا – في وقت متأخر من يوم الاثنين، الثامن والعشرين من شهر نيسان لعام الفين وخمسة وعشرين، وبداية يوم الثلاثاء، أصبحت مدينة جرمانا السورية، الواقعة إلى الجنوب الشرقي من دارمسوق (دمشق)، أحدث نقاط التوتر التي تعكس عمق الانقسامات الطائفية في البلاد. فقد اندلعت اشتباكات عنيفة بين ميليشيات سنية غير تابعة وأفراد مسلحين من الطائفة الدرزية، أسفرت عن وقوع خمسة قتلى واثني عشر جريحًا، مما أعاد إشعال النقاشات حول النهج السوري المتقلب في قضايا الأمن الوطني ودمج الأقليات. وقد أصبح هذا الحدث محورًا أساسيًا في النقاشات الأوسع حول كيفية تعامل الحكومة الانتقالية السورية مع العنف الطائفي، في وقت تسعى فيه لتوجيه البلاد نحو مستقبل مستقر بعد الصراع.

وأصدرت طائفة الموحدين الدروز، التي طالما سعت لتحقيق توازن بين هويتها الثقافية ومتطلبات الوحدة الوطنية، بيانًا قاطعًا يدين هذا العنف، وقد جاءت كلمات البيان من القيادة الروحية، حيث انتقدت ما وصفته بـ “هجوم مسلح غير مبرر” في جرمانا، وأدانت نشر تسجيل صوتي ملفق يتهم بعض الأفراد عمدًا بإساءة تمثيل النبي محمد بغرض زرع الفتنة بين السوريين. وذكر البيان: “دماء شهدائنا وجرحانا ليست بثمن بخس. إن تأمين تعويضات لأسرهم مطلب عادل وغير قابل للتفاوض، ولن نتراجع عنه”، وهو ما يجسد معاناة المجتمع ومطالبتهم بالعدالة.

وردًا على ذلك، أوضح متحدث باسم الحكومة الانتقالية السورية أن الاشتباكات في جرمانا لم تُبدَر من قبل القوات الدولة، بل كانت مواجهة بين مقاتلين من الطائفة الدرزية وميليشيات غير تابعة للحكومة الانتقالية. وقال المتحدث في إيجاز حديث: “تعمل قواتنا وفق بروتوكولات صارمة للحفاظ على النظام العام ومواجهة الاستفزازات المتطرفة.

وعلى الرغم من أن أي فقدان في الأرواح يُعد أمرًا مؤسفًا للغاية، فإن تدخلنا كان استجابة محسوبة للتحديات الأمنية المستمرة.” ويتماشى هذا التصريح مع الجهود الأوسع التي تبذلها الحكومة الانتقالية، بما في ذلك تشكيل لجنة تحقيق مكلفة بمراجعة الأحداث في جرمانا وتحديد ما إذا كانت الثغرات الأمنية قد ساهمت في تأجيج الاضطرابات.



ومن بين الركائز الأساسية لاستراتيجية الحكومة الانتقالية سلسلة من الإصلاحات الطموحة في القطاع الأمني؛ ففي الأشهر الأخيرة قامت الحكومة الانتقالية بحل عدة بقايا من جهاز النظام المخلوع، وبدأت بدمج مختلف الميليشيات في قوة وطنية موحدة، مستهدفةً بذلك تقليل تأثير الولاءات الحزبية التي طالما اعتُبرت منبعًا لاستغلال الانقسامات الطائفية وإعادة الحياد إلى العمليات الأمنية التي تنفذها الدولة.

وقد قوبلت هذه الإصلاحات بحذر وتشكك من قبل الأقليات في مختلف أنحاء سوريا، بما في ذلك الطوائف الدرزية والعلوية في المحافظات الساحلية. ففي المناطق التي لطالما هيمن عليها العلويون، أدى تطبيق بعض العمليات الأمنية إلى خسائر مأساوية، مما زاد من المخاوف من انحياز نظامي وتهميش دائم لبعض الفئات. وعلق أحد شيوخ الطائفة الدرزية المحليين قائلاً: “هذا ليس الطريق الذي كنا نأمله للتعايش”، معبرًا عن عمق عدم الثقة الذي يشعر به كثير من السوريين تجاه مؤسسات الدولة التي، في بعض الأحيان، كرست الانقسامات.

وتسلط الاضطرابات الأخيرة في جرمانا، إلى جانب أنماط العنف الطائفي الأوسع في جميع أنحاء البلاد، الضوء على التحدي الجسيم الذي تواجهه السلطات الانتقالية السورية. فمن ناحية، يُعرض التزام الحكومة بإجراء تحقيقات شاملة وتنفيذ إصلاحات أمنية صارمة كضمان لمواجهة الاستفزازات المتطرفة، بينما تُعد الردود العاطفية للأقليات المهمشة تذكيرًا صارخًا بالتكاليف البشرية للصراع الطويل وهشاشة الوحدة الوطنية.

وفي تطور ذي صلة، أصدرت وزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية بيانًا تناول التسجيل الصوتي المثير للجدل الذي يُزعم أنه يسيء إلى النبي محمد. وأكدت الوزارة أن التحقيقات الأولية لم تجد أدلة تربط المتهم بالتسجيل، مشددة على أن الجهود لا تزال جارية لتحديد هويته. جاء في البيان: “إن الدولة ملتزمة تمامًا بحماية القيم المقدسة ومحاسبة المخالفين بحزم ومسؤولية”، محذرةً من أية تصرفات قد تعطل النظام العام أو تعرض الأرواح والممتلكات للخطر.

كما أصدر الشيخ يوسف جربوع، أحد القادة الروحيين البارزين للطائفة الدرزية، بيانًا مصورًا في وقت سابق من اليوم، يدين فيه التسجيل المثير للمشاكل ويحذر من الأجندات الفتنوية التي تسعى لاستغلال الوضع. وقال الشيخ: “نحمّل الجاني مسؤولية أفعاله ونرفض أية إساءة لنبيّنا، عليه الصلاة والسلام. ونحذر من التآمر على زعزعة النسيج الاجتماعي في سوريا من قبل أطراف تسعى لإثارة الفتنة.”

ومع استمرار سوريا في مسيرتها العسيرة نحو السلام والاستقرار، سيتعرض التوازن الدقيق بين تنفيذ الإجراءات الأمنية وتعزيز الشمولية لاختبارٍ حقيقي. فقد تحدد نتائج التحقيقات الجارية والإصلاحات ما إذا كان بإمكان البلاد إقامة أسس وحدة دائمة أو إذا كانت معرضة لتعميق الانقسامات الناجمة عن ماضيها المضطرب. بالنسبة للمحللين والمراقبين، تشكل الأحداث الجارية في جرمانا مؤشرًا صارخًا على مستقبل سوريا والصراع المستمر بين أمن الدولة وحقوق وكرامة كل طائفة ومجتمع.

‫شاهد أيضًا‬

ملصق متطرف يثير غضب المسيحيين في طرطوس

طرطوس، سوريا – استيقظ سكان مدينة طرطوس صباح يوم الثلاثاء على ملصق استفزازي عُلق على جدار ك…