إحياء لغة في شتات: كيف تُعيد المجتمعات المتفرقة صوتها
بقلم: دنحو بار مراد-أوزمن | مربي خاص ومستشار سابق في الوكالة الوطنية السويدية للتربية الخاصة
في زمن تطغى فيه العولمة والهجرة على الجغرافيا، لا تختفي الحدود فقط، بل تختفي معها اللغات أيضًا. فالعديد من اللغات الأقلياتية باتت مهددة بالاندثار، لاسيما تلك التي تفرّق ناطقوها بسبب الحروب، الاستعمار، أو التهجير القسري. ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا، ويبدأ هذا الأمل من وعي كل فرد بمسؤوليته—فردًا كان أو مجتمعًا.
الهدف الأسمى: الحفاظ على اللغة وتطويرها
لا تقتصر جهود إحياء اللغات على حفظها من الزوال، بل تتعدى ذلك إلى تطويرها لتظل وسيلة حيّة وفعّالة للتواصل. فالحفاظ على اللغة يعني صون بنيتها وتعابيرها الثقافية الفريدة، بينما تطويرها يعني تكييفها مع الواقع المعاصر والتكنولوجيا الحديثة. فبدون نمو، تتجمد اللغة، وبدون جذور، تضيع هويتها.
ولا يجب أن تنحصر محاولات الإحياء في التمسك بأبجدية واحدة. ففي عالم تتوزع فيه الجاليات عبر بلدان مختلفة، من العملي والمجدي تبنّي أنظمة كتابة متعددة. فقد تُكتب اللغة بالأبجدية اللاتينية في الغرب، أو بالعربية في الشرق الأوسط، أو بأبجدية محلية في موطنها الأصلي. الأهم هو استخدامها، لا نوع حروفها. هذه المرونة تعزز شعور الانتماء والملكية لدى الناطقين بها أينما كانوا.
اللغة هوية وذاكرة وبقاء
اللغة ليست مجرد أداة للتخاطب، بل هي وعاء للهوية، وذاكرة جماعية، وطريقة فريدة لرؤية العالم. وعندما تموت لغة، فإن نظرة خاصة للحياة، ومخزونًا غنيًا من الحكمة والقصص والتقاليد، تختفي معها. ولعل ما حدث مع ناطقي لغة السا‘أوت (Sa’och) في كمبوديا وتايلاند، بعد تهجيرهم القسري في القرن التاسع عشر، خير دليل على هذا الفقد المؤلم.
ما دور الأفراد؟
كل شخص، مهما كانت خلفيته، يمكنه أن يساهم في إحياء اللغة:
- استخدام اللغة يوميًا: تحدّث بها في المنزل، اكتب بها، غنِّ بها؛
- تعلّمها وتعليمها: حتى إن لم تكن ناطقًا أصليًا، يمكنك تعلّم الأساسيات ونقلها؛
- توثيقها: سجّل الحوارات، اكتب المفردات، أنشئ قواميس بسيطة؛
- بناء مجتمع لغوي: نظّم دوائر لغوية، أمسيات قصصية، وفعاليات ثقافية.
نماذج واستراتيجيات ناجحة
هناك نماذج عملية أثبتت فعاليتها في إحياء اللغات، منها:
- أعشاش اللغة: تجربة مستوحاة من شعب الماوري في نيوزيلندا، حيث يعلّم كبار السن الأطفال في بيئة لغوية غامرة، وتم تطبيقها أيضًا على لغات السامي في فنلندا؛
- برامج المعلم والمتدرّب: pairing بين كبار السن المتقنين للغة وشباب راغبين بتعلمها، ضمن تفاعل يومي مباشر؛
- الأدوات الرقمية: تطبيقات، مواقع، ومنصات تواصل اجتماعي لتعزيز اللغة عالميًا؛
- البرامج التعليمية الرسمية: إدماج اللغة في المناهج المدرسية والجامعية، كما في برنامج CILLDI بكندا لتدريب المعلمين في لغات الشعوب الأصلية.
سد الفجوات الجغرافية والثقافية
بالنسبة للغات التي يتوزع ناطقوها عبر حدود دولية—كما هو حال لغة التاني (Tani) في الهند والصين—فالتعاون العابر للحدود أمر حتمي. فمؤسسات مثل “مؤسسة لغة التاني” تعمل على توثيق اللغة، توحيد نظم الكتابة، وإنتاج محتوى تعليمي يربط بين المجتمعات المتفرقة.
في هذه الحالات، من الضروري إتاحة المجال لكل مجموعة لاستخدام الخط الأنسب لسياقها المحلي. هذا التعدد لا يُضعف اللغة بل يُغنيها، ويمكّنها من التطور بأكثر من اتجاه في الوقت ذاته.
جهد جماعي لمستقبل مشترك
إحياء لغة مهددة لا يتحقق بجهود فردية فقط، بل يتطلب التزامًا جماعيًا من الأفراد، المجتمعات، والمؤسسات. من خلال الاستخدام اليومي، التعليم، التوثيق، الانفتاح على تعدد الأبجديات، وتوسيع مجالات الاستخدام، يمكننا إنقاذ هذه الكنوز الثقافية من الاندثار وضمان استمراريتها للأجيال القادمة.
دنحو بار موراد-أوزمن هو مربي خاص ومستشار سابق في الوكالة الوطنية السويدية للتربية الخاصة. يعمل محاضرًا، وقدّم أفلامًا تعليمية على التلفزيون السويدي، وكتب مقالات في مجلات تربوية سويدية. وُلد في قرية حبشيس بمنطقة طور عبدين، وكتب عن الشعب السرياني في مجلة “حُدادة” والمجلة البطريركية السريانية الأرثوذكسية. كما أنه صحفي نشط ومقدّم برامج في قناة سورويو
تنويه: الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب, و لا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية لموقع SyriacPress أو موقفه اتجاه أي من الأفكار المطروحة.
الاتحاد النسائي السرياني ينظم مخيم تنظيمي في ديريك
ديريك، إقليم شمال وشرق سوريا- انطلقت فعاليات اليوم الأول من المخيم التنظيمي الذي نظّمه الا…