‫‫‫‏‫6 أيام مضت‬

اكتشاف مقابر قديمة وبقايا بشرية في آشور، شمال العراق

آشور، العراق — اكتشف علماء آثار يعملون في مدينة آشور الآشورية القديمة بقايا بشرية، ومواقع دفن، وقطع فخارية، مما يوفر لمحة أعمق عن الطبقات الغنية لأحد أهم عواصم بلاد الرافدين. ويُعد هذا الاكتشاف، الذي أجرته بعثة تنقيب ألمانية بالتعاون مع وزارة الثقافة العراقية، خطوة حاسمة في الجهود المستمرة لتوثيق وحفظ التراث العراقي القديم. 

وتتضمن الاكتشافات، التي أُعلنت يوم الأربعاء، مواقع دفن وبقايا هياكل عظمية تعود إلى ثلاث طبقات أثرية متميزة: طبقة الفرات، والطبقة الهلنستية-السلوكية، والطبقة الآشورية الأصلية، وهي الأعمق والأكثر أهمية من الناحية التاريخية. 

وقال سليم عبد الله، مدير الموقع، في مقابلة مع وكالة شفق نيوز: “الهدف الأساسي هو الوصول إلى قلب المدينة الآشورية الأصلية”. وأوضح أن أعمال التنقيب في آشور تُجرى بشكل موسمي منذ ثلاث سنوات، حيث يعمل الباحثون على مدى شهرين في كل موسم، يتبعها توثيق وتحليل مكثف. 

من أبرز الاكتشافات حجرة دفن يُعتقد أنها تعود لأكثر من 3000 عام. ووجد الباحثون بداخلها قطعاً فخارية مزينة بشكل متقن، وبقايا توابيت خشبية، وهياكل عظمية محفوظة وُضعت بطريقة توحي بوجود طقوس جنائزية متقنة. وتعرض القطع الفخارية نقوشاً هندسية ورموزاً دينية، ربما كانت تُستخدم في طقوس الدفن. 

تقع مدينة آشور على ضفاف نهر دجلة في محافظة نينوى العراقية قرب الشرقاط، وكانت أول عاصمة دينية وسياسية للإمبراطورية الآشورية. وسُميت المدينة باسم الإله الأعلى للآشوريين، وكانت مركزاً أساسياً للتجارة والإدارة، وأسهمت في تشكيل السياسات الإقليمية لقرون عديدة. 

ويضيف هذا الاكتشاف إلى الأدلة الأثرية المتزايدة التي تسلط الضوء على دور آشور في تشكيل عادات الدفن في بلاد بيث نهرين (بلاد ما بين النهرين). وشرح الدكتور مارتن ويبر، المتخصص في حضارات بلاد ما بين النهرين القديمة، أن هذه القبور توفّر رؤى قيّمة حول المعتقدات الدينية والبنى الاجتماعية في ذلك الوقت. 

وقال ويبر: “لدينا الآن دليل ملموس على كيفية تطور ممارسات الدفن عبر فترات زمنية مختلفة في آشور”. وأضاف: “الترتيب الدقيق للهياكل العظمية ووجود الفخار الرمزي يدل على أن التقاليد الروحية كانت تلعب دوراً محورياً في طقوس الموت، مما يعزز مكانة آشور كمركز ديني آشوري مهم“. 

وبالإضافة إلى الطقوس الدينية، يرى ويبر أن هذا الاكتشاف قد يقدّم أدلة عن الديموغرافيا، والحالة الصحية، وشبكات التجارة في بلاد بيت نهرين. وقد تكشف التحاليل الكيميائية لعظام الهياكل عن أنماط التغذية، بينما قد تشير أنماط الفخار إلى وجود روابط تجارية مع مناطق بعيدة. 

وقد أسفرت التنقيبات السابقة في آشور عن نقوش ملكية، وأساسات معابد، وسجلات إدارية تشير إلى بروز المدينة خلال فترتي الإمبراطورية الآشورية الوسطى والحديثة. ويعتقد الباحثون أن الموقع الاستراتيجي لآشور ساعدها على الازدهار كمركز ثقافي وعسكري، خصوصاً خلال مرحلة التوسع في الألفية الثانية قبل الميلاد. 



ومع ذلك، فقد واجهت مدينة آشور تهديدات متكررة، سواء في العصور القديمة أو في العصر الحديث. فقد دُمّرت عدة مرات، أولها عام 614 قبل الميلاد عندما هاجمها الميديون والبابليون، ولاحقاً في القرن الحادي والعشرين نتيجة النزاعات والإهمال، مما عرض بقاياها لخطر الزوال. وتكافح جهود الحفاظ على الموقع لمواجهة الأضرار الناتجة عن العوامل البيئية والتدخل البشري. 

وقد دفعت الاكتشافات الأخيرة منظمة اليونسكو إلى زيارة الموقع، حيث أطلقت نداءً لاتخاذ إجراءات ترميم عاجلة. وسلط وفد اليونسكو الضوء على زقورة آشور، وهي معلم معبد بارز، تعرّضت لأضرار كبيرة بسبب الزلازل، والفيضانات الموسمية، والتنقيبات غير القانونية. 

وقالت منظمة اليونسكو خلال زيارتها: “هذا الموقع يحمل أهمية ثقافية لا تُقدّر بثمن، وهناك حاجة ملحة لتدخل فوري لحماية إرثه“. 

ورغم تصنيفها كموقع تراث عالمي من قبل اليونسكو، فقد عانت آشور من تدهور شديد نتيجة عدم الاستقرار السياسي، ونقص التمويل، وظروف الطقس القاسية. ويؤكد علماء الآثار أن ترميم الهياكل الأساسية، وتعزيز المناطق المعرضة للخطر، وتطبيق بروتوكولات الحفظ، هي خطوات أساسية لضمان بقاء المدينة. 

وبينما يواصل الباحثون أعمال التنقيب الدقيقة، تهدد عدة تحديات الحفاظ على كنوز آشور الأثرية على المدى الطويل. ولا يزال النهب والحفر غير المرخص من أخطر التهديدات، خصوصاً في المناطق النائية التي تفتقر للرقابة الأمنية. كما أن نقص التمويل والعراقيل الإدارية تعرقل تنفيذ مشاريع ترميم كبرى. 

وحذّر الدكتور ويبر من أن تراث آشور قد يواجه دماراً لا يمكن إصلاحه ما لم يتم التعاون الدولي بشكل مستدام. وقال: “يجب أن تكون هذه الاكتشافات المتواصلة بمثابة جرس إنذار”. وأضاف: “حماية آشور تتطلب ليس فقط خبرة أثرية، بل أيضاً دعماً حكومياً قوياً ومبادرات تراثية عالمية“. 

ويعزز كل اكتشاف جديد الفهم العميق للتأثير التاريخي والثقافي لآشور، ويُعد شاهداً خالداً على إرث الحضارة الآشورية. فهذه التنقيبات لا تساعد فقط في إعادة بناء الحياة اليومية لسكان المدينة القدماء، بل تؤكد أيضاً على مكانة آشور كركيزة أساسية في تاريخ بلاد ما بين النهرين.

‫شاهد أيضًا‬

حسين قائدي رئيس مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين.. مئات الإيزيديين في شمال العراق لا يزالون في عداد المفقودين

العراق، سوريا- بعد مرور أكثرَ من عقد على الهجوم الذي شنه إرهابيو داعش على معقل الإيزيديين …