ماكرون يستقبل الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع وسط تصاعد الفتنة الطائفية والمفاوضات الوطنية
باريس – شهدت العاصمة الفرنسية باريس في 7 أيار/مايو 2025 اجتماعًا تاريخيًا، حيث استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع في أول زيارة أوروبية له. وبعيدًا عن المصافحة البارزة في قصر الإليزيه، عمّقت فرنسا انخراطها الدبلوماسي مع جميع الأطراف السورية، ولا سيما قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ساعية إلى لعب دور الجسر بين دمشق و”قسد”، مع التأكيد على الشمولية أثناء التعامل مع تداعيات الحرب الأهلية.
انفتاح دبلوماسي يواجه واقعًا هشًا
منذ الإطاحة ببشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، يسعى الشرع إلى الحصول على اعتراف غربي، رغم أن دوره السابق كقائد للجماعة الجهادية السابقة “هيئة تحرير الشام”، التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، يثير انتقادات واسعة داخليًا وخارجيًا. وأكد ماكرون أن فرنسا ستدعم “سوريا حرة وموحدة ومستقرة”، لكنه شدد على أن على الشرع “ضمان حماية جميع السوريين دون استثناء”، خاصة في ظل المجازر الطائفية الأخيرة في المناطق العلوية والدرزية.
وقد استثمرت باريس في علاقتها القديمة مع “قسد” لتعزيز الحوار. ففي 11 آذار/مارس، رحبت فرنسا باتفاق موقّع بين الشرع والقائد العام لقوات قسد مظلوم عبدي، واصفة إياه بـ”الخطوة الإيجابية نحو حل سلمي تفاوضي”، يضمن إشراك الأكراد في المرحلة الانتقالية السورية.
وكان ماكرون قد دعا علنًا إلى دمج كامل لـ”قسد” ضمن الإطار الانتقالي السوري خلال مكالمة هاتفية مع الشرع في شباط/فبراير، مؤكدًا “الالتزام الثابت” لفرنسا بمشاركة الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا في الحكم. وكانت فرنسا من أوائل الدول التي دعمت هذه الإدارة منذ افتتاح مكتب تمثيل لها في باريس في أيار/مايو 2016.
كما تمتد جهود فرنسا إلى التعاون الأمني. فقد أشار تقرير لقناة روداو إلى أن باريس شجّعت على تبادل الأسرى ووجود قوات الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة لشمال وشرق سوريا في الأحياء الكردية بحلب، بينما تضغط على دمشق للوفاء بهذه الالتزامات. كما طُرحت فكرة نشر قوات فرنسية كضامنة لأمن الحدود الشمالية لسوريا، وهو ما أكّده ماكرون كإجراء لردع التوغلات التركية، خصوصًا بعد إعلان الولايات المتحدة نيتها تقليص وجودها العسكري في سوريا.
انتقادات للزيارة في ظل استمرار العنف الطائفي
رغم سعي الشرع لإيصال رسالة وحدة وطنية من باريس، لا تزال سوريا تمزقها الاشتباكات الطائفية، التي أودت بحياة الآلاف منذ آذار/مارس. ففي أوائل آذار، اجتاحت قوات حكومية وميليشيات سنية متحالفة معها مناطق العلويين حول جبلة وبانياس، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1700 علوي، معظمهم من المدنيين، في ما وصفته منظمات حقوقية بأنه عمليات عقاب جماعي وقتل انتقامي.
بعد ذلك بأسابيع قليلة، اندلعت موجة جديدة من العنف في المجتمعات الدرزية على أطراف دمشق الجنوبية، بعد انتشار مقطع صوتي مفبرك يُزعم أنه يحتوي على إساءة للنبي محمد. وأسفرت الاشتباكات في جرمانا وأشرفية صحنايا عن مقتل أكثر من 100 شخص، مما دفع الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري، لوصف المجازر بأنها “حملة إبادة جماعية” ضد طائفته.
وقد أدانت منظمات دولية هذه المجازر الطائفية وكذلك توقيت دعوة ماكرون للشرع. ووصف مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا العنف بأنه “غير مقبول”، داعيًا جميع الأطراف إلى وقف أعمال الانتقام ضد الأقليات. كما انتقدت منظمات حقوق الإنسان السلطات السورية الجديدة لفشلها في ضمان حماية الأقليات، رغم تعهدها بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لم تسفر حتى الآن عن أي توقيفات أو محاسبة على الجرائم.
أما داخل فرنسا، فقد قوبل استقبال شخصية مرتبطة سابقًا بالقاعدة بانتقادات حادة من شخصيات معارضة. حيث وصفت مارين لوبان اللقاء بأنه “استفزازي وغير مسؤول”، معتبرة أن فرنسا لا يجب أن تضفي الشرعية على شخصية مرتبطة بالعنف الجهادي. وندد لوران فوكييه، رئيس حزب الجمهوريين في البرلمان، بالزيارة واصفًا إياها بـ”الخطأ الجسيم”، محذرًا من أنها قد تضر بعلاقات فرنسا التقليدية وتقوّض مكانتها الأخلاقية في مجال حقوق الإنسان.
وأشار المنتقدون أيضًا إلى أن قرى درزية قرب دمشق قاومت مطالب الحكومة بنزع السلاح قبيل وصول الشرع إلى باريس، مؤكدين أنهم لن يسلموا أسلحتهم إلا بضمانات أمنية – وهي شروط لم تستجب لها السلطات الانتقالية حتى الآن. كما أن الغارات الإسرائيلية اللاحقة، التي قيل إنها لحماية الأقلية الدرزية، أظهرت مدى خطر تداخل الفتنة الطائفية السورية مع التوترات الجيوسياسية الإقليمية.
ورغم هذه التحذيرات، أصر ماكرون على أن الانخراط مع الشرع ضروري للتأثير على سلوكه والضغط من أجل حماية الأقليات كشرط لأي تخفيف للعقوبات. لكن زيارة باريس كشفت الفجوة الصارخة بين الانفتاح الدبلوماسي والواقع القاتم على الأرض، حيث ما تزال الأحقاد الطائفية ودورات الانتقام تهدد أي تسوية هشة بعد الأسد.
صوت الشتات: الاتحاد السرياني الأوروبي يحيي واحد وعشرين عاماً من التضامن السرياني
بروكسل – 16 أيار 2025 – في اليوم التالي لذكرى تأسيسه الحادية والعشرين، أجرى الاتحاد السريا…