‫‫‫‏‫أسبوع واحد مضت‬

مصادر: الإمارات تتوسط في محادثات غير مباشرة بين إسرائيل والحكومة السورية الانتقالية

دمشق / أبو ظبي / تل أبيب أفادت مصادر متعددة لوكالة “رويترز” بأن دولة الإمارات العربية المتحدة أنشأت بهدوء قناة خلفية لتسهيل محادثات غير مباشرة بين إسرائيل والحكومة السورية الانتقالية. وذكرت المصادر أن هذه الاتصالات بدأت بعد أيام فقط من زيارة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى أبو ظبي في 13 نيسان/ أبريل

وقال مصدر مطّلع بشكل مباشر على تلك المحادثات إن النقاشات “تركز على مسائل فنية” وتبقى حالياً محدودة النطاق، لكنه أضاف: “لا يوجد سقف لما يمكن مناقشته مستقبلاً”.

وأوضح مسؤول أمني سوري رفيع أن القناة التي تسهلها الإمارات “محصورة فقط بالملفات الأمنية المتعلقة بمكافحة الإرهاب”، وتستثني “المسائل العسكرية البحتة، ولا سيما ما يتعلق بأنشطة الجيش الإسرائيلي داخل سوريا”. وأكد ضابط استخبارات إقليمي أن المشاركين شملوا “مسؤولين أمنيين إماراتيين، وضباط استخبارات سوريين، ومسؤولين سابقين في الاستخبارات الإسرائيلية”. ما يشير إلى أن هذه المحادثات تستهدف أساساً تجنب التصعيد ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، بدلاً من التفاوض على قضايا سياسية أو إقليمية في الوقت الراهن.

من جهته، أقرّ أحمد الشرع علناً بوجود “مفاوضات غير مباشرة تتم عبر وسطاء لتهدئة الأوضاع”. وفي مؤتمر صحفي، حمّل إسرائيل مسؤولية “التدخلات العشوائية” في الأجواء السورية، داعياً الدول التي لها تواصل مع إسرائيل إلى الضغط عليها لـ “وقف تدخلها في الشأن السوري وانتهاكها للأجواء السورية”. وهذه المرة الأولى التي يعترف فيها الشرع علناً بوجود مثل هذه القناة.

في المقابل، نفت الإمارات بشدة أي دور لها في هذه المحادثات. وقالت مساعدة وزير الخارجية، لانا نسيبة، لوكالة “رويترز”، إن هذه الادعاءات “عارية تماماً من الصحة”، مؤكدة أن “أبو ظبي ليست طرفاً في أي محادثات من هذا النوع”.

تأتي هذه التطورات في ظل التحولات الجذرية التي شهدتها سوريا مؤخراً. ففي كانون الأول / ديسمبر2024، سيطر مقاتلو هيئة تحرير الشام على دمشق وأطاحوا بالرئيس بشار الأسد. ومنذ ذلك الحين، تولّى زعيم الهيئة أحمد الشرع (المعروف باسمه الحركي “أبو محمد الجولاني”) قيادة حكومة انتقالية في العاصمة، عيّن فيها رئيس وزراء مرتبطاً بالهيئة، وأرسل إداريين جدد لتولي مهام الحكم في الدوائر الرسمية.

وحاولت الحكومة الانتقالية الجديدة طمأنة إسرائيل والدول المجاورة بشأن نواياها. فقد ندد المسؤولون السوريون علناً بالغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة، واعتبروها “تدخلاً أجنبياً تصعيدياً”، مؤكدين أن البلاد تركز على “استعادة الوحدة بعد 14 عاماً من الحرب”. كما اعتقلت السلطات السورية الانتقالية اثنين من كبار قادة حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وأبلغت الولايات المتحدة بأنها “لن تسمح بأن تكون سوريا مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل”.

رغم تلك التطمينات، فإن إسرائيل تنظر بعين الريبة إلى الحكومة الجديدة التي تقودها هيئة تحرير الشام ذات التوجه الإسلامي. وأفادت مصادر أمريكية وإسرائيلية بأن تل أبيب حثت واشنطن على دعم نموذج سوري ضعيف ولا مركزي، خشية أن تتحول سوريا، تحت قيادة الهيئة، إلى ملاذ آمن للمسلحين.

وقال المحلل أرون لوند لوكالة “رويترز”: “المخاوف الإسرائيلية الكبرى تتمثل في تدخل تركيا لحماية هذا النظام الإسلامي الجديد في سوريا، مما قد يجعله منصة لحماس وجماعات أخرى”.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد أكد أن بلاده “لن تتسامح مع وجود هيئة تحرير الشام أو أي قوة مرتبطة بالحكومة الجديدة في جنوب سوريا”، وطالب بجعل الحدود السورية منزوعة السلاح. ومنذ سقوط نظام الأسد، استأنفت إسرائيل غاراتها الجوية على مواقع عسكرية سورية، وأعادت احتلال منطقة عازلة كانت تحت إشراف الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان.

خلفية العلاقات السورية – الإسرائيلية

أعادت هذه الاتصالات، التي تجري بوساطة إماراتية، إحياء قنوات التواصل التي توقفت منذ سنوات طويلة. فعلى الرغم من حالة الحرب الرسمية بين البلدين منذ عام 1948، شهدت العلاقات محاولات عدة للتقارب.

في عام 1974، تم التوصل إلى اتفاق فك اشتباك أنهى المواجهات المباشرة على جبهة الجولان، دون أن يترجم إلى اتفاق سلام. وفي التسعينيات، بلغت المفاوضات ذروتها حين التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك بوزير الخارجية السوري فاروق الشرع في ديسمبر 1999. لكن تلك المحادثات انهارت في يناير 2000 بسبب خلاف على شريط حدودي صغير.

وفي عام 2008، جرت مفاوضات غير مباشرة بوساطة تركية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنها توقفت بعد استقالة أولمرت على خلفية قضية فساد. ومنذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، ركزت إسرائيل على منع ترسيخ الوجود الإيراني وحزب الله في سوريا عبر تنفيذ ضربات جوية متكررة.

آفاق الحوار

يحذر المراقبون من أن القناة الخلفية الجديدة لا تزال في مراحلها الأولى، لا سيما في ظل نفي الإمارات العلني لأي دور. كما أن موقف إسرائيل الحازم تجاه الحكومة الإسلامية الجديدة في سوريا يحد من احتمالات تحقيق اختراق حقيقي.

ومع ذلك، فإن الحكومة الانتقالية السورية لديها مصلحة واضحة في التهدئة. فهي تعتمد على دعم تركيا ودول عربية أخرى، بينما لا يزال الاقتصاد السوري في حالة انهيار بسبب سنوات الحرب والعقوبات. ويمكن أن تشكل المحادثات الفنية مع إسرائيل، حتى وإن كانت محدودة، وسيلة لتقليل مخاطر التصعيد، وإيصال رسالة إيجابية إلى دول الخليج بشأن استعداد دمشق للعب دور بنّاء في الإقليم.

ويُعتقد أن الإمارات، التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل عام 2020، ترى في نفسها جسراً محتملاً بين تل أبيب ودول لا تربطها بها علاقات رسمية. وقال أحد المراقبين: “الدور الإقليمي الفريد الذي تلعبه الإمارات يؤهلها لتكون وسيطاً محتملاً في مثل هذه المحادثات”.

لكن تحقيق أي تقدم فعلي يتطلب من إسرائيل القبول بالحوار مع الحكام الانتقاليون الجدد في دمشق، ومن سوريا مراعاة الهواجس الأمنية الإسرائيلية — وهي معادلة صعبة بالنظر إلى التاريخ الطويل من العداء والشكوك. وحتى ذلك الحين، تبقى القناة الإماراتية بمثابة نافذة غير مسبوقة في جدار الصمت.

‫شاهد أيضًا‬

حزب الاتحاد السرياني يلتقي بمطران دارمسوق للأرمن الكاثوليك

دارمسوق (دمشق) – زار وفدٌ من حزب الاتحاد السرياني في سوريا مقر مطرانية الأرمن الكاثوليك في…