13/05/2025

المجلس الوطني المشرقي: بين إعادة التمثيل السياسي وتثبيت الحضور التاريخي 

يستند هذا المقال إلى قراءة تحليلية نُشرت في موقع “سوريا الغد”، وهي منصة فكرية سورية مستقلة تُعنى بمواكبة التحوّلات السياسية والاجتماعية في سوريا ما بعد 2011، وتسعى إلى تقديم رؤى معمّقة حول المشهد السوري المتغيّر. المقال المذكور يعرض وجهة نظر كاتبه حول المشهد السياسي الطائفي السوري في ضوء بيان صدر في أيار 2025 عن المجلس الوطني المشرقي.

تحرّك مسيحي سياسي في قلب العاصمة 

يشكّل بيان المجلس الوطني المشرقي، الصادر من دارمسوق (دمشق), علامة فارقة في التموضع السياسي للمكوّن المسيحي المشرقي داخل سوريا. فالمجلس يقدّم نفسه كممثل مدني حديث لجماعة تمتلك جذورًا تاريخية عميقة في المشرق، من السريان إلى الموارنة إلى الروم الأرثوذكس، وينأى بنفسه عن التبعية للكنيسة أو للأنظمة الحزبية التقليدية.

يتبنّى المجلس لغة وطنية عامة تدعو إلى إعادة بناء الدولة السورية على أسس حيادية، ويستخدم في خطابه مفردة العلمانية على الطريقة الفرنسية (Laïcité)أي العلمانية وهو فصل الدين عن الدولة، وضمان حياد الدولة الكامل تجاه جميع الأديان، بما يتيح حرية المعتقد والايمان، ويمنع استخدام الرموز الدينية في المؤسسات العامة، في إشارة واضحة إلى نموذج الفصل بين الدين والدولة الذي يضمن المساواة بين المواطنين دون إلغاء للهوية الدينية. هذا الطرح يعكس رغبة في التوازن بين الخصوصية المشرقية والانتماء الوطني، في دولة متعددة الأديان والمذاهب.

ورغم حرص المجلس على تقديم نفسه ضمن إطار “العيش المشترك”، إلا أن بيانه يُصرّ على إبراز العمق التاريخي للمسيحيين في سوريا، كجماعة أصيلة تشارك في صناعة الدولة لا كمجرد أقلية. فهو يتحدث عن الإرث الثقافي واللغوي للسريان والكنعانيين ويتبنى سردية الهوية المشرقية التي تسبق تشكّل الدولة السورية الحديثة، لتثبيت شرعية الوجود لا من منطلق ديني فحسب، بل أيضًا من منطلق سياسي-مدني.

بحسب المقال، لا يبدو أن المجلس الوطني المشرقي يسعى حاليًا إلى إنشاء حزب سياسي أو تقديم مرشحين، بل إلى ترسيخ خطاب جديد للمسيحيين في سوريا، يكون مستقلاً عن السلطات الدينية ومختلفًا عن الصيغ التي قدّمتها الكنيسة أو بعض الأحزاب القومية سابقًا. إنه تمثيل رمزي-سياسي يُراد له أن يتحوّل إلى مرجعية مدنية، قادرة على مخاطبة الدولة والمجتمع معًا.

رمزية التوقيت والمكان 

صدور البيان من دارمسوق (دمشق)، وفي هذا التوقيت تحديدًا، يحمل دلالات واضحة. فالعاصمة لا تزال تحتفظ برمزيتها كمرجعية مركزية لأي مشروع وطني، واختيارها يوحي بأن المجلس لا يطرح نفسه من منفى سياسي أو موقع معارض تقليدي، بل من قلب الدولة، بما يشبه التحدي الرمزي للنموذج القائم دون الدخول في مواجهة مباشرة معه.

ورغم أن البيان لا يدخل في مواجهة مع أي مكوّن سوري آخر، إلا أنه يتحدث بوضوح باسم المسيحيين المشارقة، ويطالب بـ “المواطنة الكاملة”، و”تحييد الدولة عن الولاءات الدينية”، و”حماية المكونات الثقافية الأصيلة”. في هذا الخطاب، تظهر الأكثرية السنّية كظل صامت، تُفترض مركزيتها دون أن تُذكر، ويُبنى الخطاب المسيحي على قاعدة الاعتراف الضمني بها، لا مجابهتها.

المقال في “سوريا الغد” يرى أن المجلس الوطني المشرقي لا يهدف فقط إلى حماية حقوق جماعة دينية، بل إلى إعادة صياغة العلاقة بين المكونات السورية ضمن إطار سياسي جديد. وهذا يضعه في موقع فريد بين منظمات المجتمع المدني وبين الهيئات الدينية، ليشكّل نموذجًا أوليًا لما يمكن أن تكون عليه “الطائفية المدنية” — أي تمثيل جماعة دينية ضمن أطر قانونية وسياسية لا تقود إلى التقسيم بل إلى التوازن.

هذا المقال يستند إلى تحليل رأي نُشر على منصة “سوريا الغد”، ويعرض وجهة نظر الكاتب كما وردت في المصدر. لا يعكس بالضرورة رأي أو موقف هذه المنصة من القضايا المطروحة. 

‫شاهد أيضًا‬

الإدارة الذاتية تقرر دعم المولدات الخدمية في مقاطعة الجزيرة

زالين (القامشلي) – عقدت الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الجزيرة اجتماعاً بحضور اتحاد…