من الكليبتوقراطية إلى النيوليبرالية الإسلامية: “بيس ريب” تحذّر من خطر استبدال النظام الفاسد بآخر في سوريا
لندن / عمّان — حذّرت ورقة سياسات صادرة عن منصة بيس ريب (PeaceRep) في شباط \ فبراير من أن الحكومة الانتقالية السورية تُواجه خطر استبدال شكل من أشكال الكليبتوقراطية (حكم اللصوص) بآخر من خلال تحوّل سريع نحو ما يُعرف بـ “النيوليبرالية الإسلامية”. وقد حملت الورقة عنوان “التحول الاقتصادي في سوريا: من الكليبتوقراطية إلى النيوليبرالية الإسلامية في اقتصاد أنهكته الحرب“، وكتبها كل من جوزيف ظاهر وزكي محشي. تناولت الورقة التشوهات الاقتصادية في عهد الأسد، والانهيار الكارثي خلال سنوات الحرب، ثم تطرقت إلى التوجه النيوليبرالي الناشئ لدى الحكومة الانتقالية، مستخلصة الدروس من السياسات الاقتصادية لهيئة تحرير الشام. كما تضمّنت توصيات تهدف إلى تجنّب المزيد من التدهور الاجتماعي والاقتصادي.
جوزيف ظاهر أستاذ زائر في جامعة لوزان في سويسرا، وعمل سابقًا أستاذًا مشاركًا بدوام جزئي في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، إيطاليا. وشارك في عدد من المشاريع البحثية المتعلقة بديناميات الحرب في سوريا وإمكانيات بناء السلام بعد النزاع.
أما زكي محشي، فهو زميل سياسات في مجموعة أبحاث النزاع والمواطنة في كلية لندن للاقتصاد، وباحث في منصة بيس ريب يركّز عمله على السياسات التنموية، وقد أجرى بحوثًا موسعة حول الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في سوريا، الفقر، سوق العمل، الحوكمة المحلية، وتمكين المجتمعات.
تشوهات حقبة الأسد
أوضحت الورقة أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا نما بمعدل سنوي بلغ 4.5% بين عامي 2001 و2010، إلا أن هذا النمو أخفى خلفه تفاوتات حادّة. فقد ارتفعت معدلات البطالة، وانخفضت نسبة المشاركة في سوق العمل من 52% إلى 43%، بينما ظلّت الأجور الحقيقية راكدة. وبحلول عام 2007، كان ثلث السكان يعيشون تحت خط الفقر، لا سيما في المناطق الريفية. واحتكر الرأسماليون المرتبطون بالنظام – أبرزهم رامي مخلوف – القطاعات الحيوية، بينما وُجّه الإنفاق العام لخدمة الدائرة المقربة من النظام.
ومع اندلاع النزاع عام 2011، انهارت المالية العامة بسرعة. وبحلول عام 2024، انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 35% من مستواه في عام 2011، كما تقلّصت الموازنة العامة بنسبة 85% لتبلغ 3.2 مليار دولار فقط. فقدت رواتب القطاع العام 75% من قيمتها الحقيقية، وارتفعت معدلات التضخم بشكل هائل، حيث أصبحت أسعار المواد الأساسية في تشرين الثاني \ نوفمبر 2024 أعلى بأكثر من 200 ضعف مقارنة بعام 2011. ومع عجز الدولة عن تمويل الرواتب والدعم، أصبحت الأنشطة غير المشروعة – كجباية الإتاوات على الحواجز، التهريب، تجارة الأسلحة، الاتجار بالبشر، وإنتاج الكبتاغون – مصدرًا رئيسيًا للإيرادات لكل من النظام والميليشيات.
التحوّل نحو النيوليبرالية الإسلامية
بعد سقوط نظام الأسد في أواخر عام 2024، سيطرت هيئة تحرير الشام على شمال غرب سوريا، وأعلنت تبنيها اقتصاد السوق الحر “بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية”. وفيما بعد، وبعد حل الهيئة وقيام الحكومة الانتقالية السورية على أنقاضها، أعلنت الأخيرة نيتها “الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق”، ما أثار المخاوف من أن تتفوق سياسات التقشف على آليات الحماية الاجتماعية.
جرى إلغاء دعم الخبز، فارتفع سعر ربطة الخبز (1.5 كغ) من 400 ليرة سورية إلى 4000 ليرة، في وقت يعاني فيه نحو نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي. في الوقت ذاته، أدّت سياسة تسريح موظفي القطاع العام ووضعهم في “إجازة مدفوعة” إلى فقدان مئات الآلاف لوظائفهم، ما فجّر موجة من الاحتجاجات بسبب عمليات الفصل التعسفية.
وفي تصريح لصحيفة فاينانشال تايمز، أعلن وزير الخارجية الانتقالي أسعد الشيباني عن خطط لخصخصة الموانئ والمصانع، والدخول في شراكات بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ مشاريع البنية التحتية. غير أن تقرير بيس ريب حذر من أن هذه السياسات، في غياب إطار تنظيمي شفاف، قد تُعيد إنتاج نمط المحسوبية الذي ساد في عهد الأسد. كما أعادت الحكومة تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وسوريا الموقعة عام 2005، ما أدى إلى خفض الرسوم الجمركية على 269 سلعة تركية، منها الطحين والحليب والبيض، وهو ما يُهدد الصناعات المحلية ويزيد من معدلات البطالة في المناطق التي توقفت فيها عجلة الإنتاج.
أزمة إنسانية متفاقمة
رغم تسارع الخطى نحو النيوليبرالية، لا تزال الأزمة الإنسانية في سوريا في ذروتها. ففي فبراير 2024، كان 16.7 مليون شخص – أي نحو 70% من السكان – بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينما بقي 7.2 مليون نازح داخل البلاد. وقد استُنزفت احتياطات العملة الأجنبية، وتراجع إنتاج النفط المحلي إلى مستويات شبه معدومة، في ظل استمرار انقطاعات الكهرباء، ما جعل البلاد تعتمد على واردات باهظة التكلفة. وبعد ارتفاع مؤقت لليرة السورية عقب سقوط النظام، عادت للتذبذب بسبب حالة عدم اليقين السياسي واستمرار العقوبات (التي يُتوقع رفعها قريبًا)، وهو ما حال دون جذب الاستثمارات.
كما أن هجرة الكفاءات – من مهندسين وأطباء ومعلمين وغيرهم – زادت من صعوبة التعافي. ومع دمار شبكات التعليم والرعاية الصحية والمواصلات، يُعدّ بناء رأس المال البشري واستعادة الثقة في المؤسسات تحديًا بالغ الصعوبة. ويُنظر على نطاق واسع إلى السياسات الاقتصادية الجديدة على أنها تصب في مصلحة النخب، ما يُعمق الشكوك بشأن شرعية الحكومة الانتقالية.
تحذير ختامي
اختتم تقرير بيس ريب بتحذير واضح: دون مراجعة جذرية، تواجه سوريا خطر تكريس شكل جديد من الكليبتوقراطية تحت مسمى “النيوليبرالية الإسلامية”. وأكد الكاتبان: “إن الخصخصة السريعة ورفع الدعم دون وجود مؤسسات شفافة أو إشراك مجتمعي حقيقي، سيؤدي فقط إلى إعادة إنتاج الفساد والمحسوبية.”
كما حذّرا من أن هذه السياسات قد تُفاقم الظلم الاجتماعي وتُطيل أمد الانهيار الاقتصادي.
ومع تقديرات تشير إلى أن تكاليف إعادة الإعمار قد تتراوح بين 250 و400 مليار دولار، شدّد التقرير على أن صناع القرار أمام نافذة ضيقة لتجنب كارثة اقتصادية واجتماعية. واختُتمت الورقة بالتأكيد على أن أي مساعدة دولية يجب أن تُربط بالتزام حقيقي بالحوار الاقتصادي الشامل، وبناء مؤسسات شفافة، والمحاسبة على الجرائم الاقتصادية الماضية.
أجهزة الأمن السورية تعلن عن اعتقال وقتل المسؤولين عن هجوم كنيسة مار إلياس
دارمسوق (دمشق) — أفادت أجهزة الاستخبارات السورية أنها فككت خلية تابعة لتنظيم الدولة الإسلا…