‫‫‫‏‫أسبوع واحد مضت‬

منتدى دولي يواجه فصلاً منسياً من تاريخ الإبادة الجماعية

نيويورك — بعد قرن من تفكك الإمبراطورية العثمانية، لا تزال جراح انهيارها العنيف حاضرة في ذاكرة أحفاد الشعوب المسيحية التي كانت تقطن أراضيها. وفي هذا السياق، نظّمت رابطة الأعمال والثقافة لشرق البحر الأبيض المتوسط منتداها السنوي الثالث حول الإبادة الجماعية لليونانيين، حيث اجتمع نخبة من الأكاديميين البارزين لمواجهة فصل لا يزال موضع جدل في تاريخ القرن العشرين: التدمير المنهجي للأرمن واليونانيين والسريان (الكلدان-الآشوريين-الآراميين) بين عامي 1914 و1923.

وقد أدار المنتدى رئيس الرابطة، لو كاتسوس، الذي قدّم إعادة تقييم صريحة للأحداث التي غالباً ما يتم تناولها باعتبارها جرائم متفرقة أو محصورة في أقاليم محددة. وقال كاتسوس: “لم تكن هذه فظائع منفصلة، بل حملة متكاملة من التطهير العرقي، هدفت إلى توحيد الهوية العرقية لإمبراطورية كانت على وشك الانهيار”.

وكان من أبرز العروض التقديمية محاضرة بعنوان “من الإمبراطورية إلى الدولة القومية”، قدّمها الباحث الإنساني والمؤرخ الدكتور ثيمستوكليس كريتيكاكوس. وتتبع فيها كيف تحوّل التعدد العرقي والديني في الدولة العثمانية إلى قومية متطرفة، ما أدى إلى اضطهاد منظم تحت النظام العثماني المتأخر والحركة القومية التركية لاحقاً. واستناداً إلى أعمال المؤرخ التركي تانر أكشام، شدد كريتيكاكوس على أن الإبادة في هذا السياق يجب فهمها كعملية تراكمية، لا كحدث مفرد—بدأت بالتمييز القانوني والتهميش الاقتصادي، وانتهت بالترحيل الجماعي والإبادة الجسدية.

وشارك في المنتدى مجموعة من الخبراء، من بينهم الدكتورة فاطمة موغي غوجيك من جامعة ميشيغان، ولو أورينيك من جامعة بوسطن، والدكتور فاسيليوس ميخانيتسيديس، الذين ركزوا في مداخلاتهم على الجذور الأيديولوجية والمخاوف الجيوسياسية التي غذّت أعمال الإبادة. ومن المذابح الحميدية في تسعينيات القرن التاسع عشر، إلى معاهدة لوزان عام 1923 التي كرّست تبادل السكان بين اليونان وتركيا، عرض المتحدثون مساراً تصاعدياً من العنف المنهجي الذي قادته مخاوف من الخيانة الداخلية والتدخل الأجنبي.

وقد فاقمت خسائر الأراضي خلال حروب البلقان وتدفّق اللاجئين المسلمين من حدة المشاعر القومية التركية. وبدأ حزب الاتحاد والترقي في تصوير الأرمن واليونانيين والسريان (الآشوريين-الكلدان-الآراميين) كأعداء وجوديين، وهي السردية التي مهّدت الطريق لمجازر من بينها إبادة السريان (السيفو)، والإبادة الأرمنية عام 1915، واضطهاد اليونانيين البنطيين بين عامي 1916 و1922، وحريق سميرنا عام 1922.

كما سلّط المنتدى الضوء على دور بعض الفاعلين المحليين، بمن فيهم ميليشيات كردية وعربية، وبيّن أن جماعات أخرى أقل شهرة—مثل الموارنة السريان، واليونانيين الأنطاكيين (الروم)، والإيزيديين، واليهود—تعرضوا أيضاً لأعمال عنف ممنهجة. وجرى التشديد على أن غياب المساءلة، لا سيما بعد انهيار معاهدة سيفر وافتقار المجتمع الدولي لآليات قانونية فاعلة، سمح للجناة بترسيخ سلطتهم وفرض روايتهم التاريخية.

ودعا الباحثون إلى ضرورة تعزيز التوعية العامة والاعتراف السياسي بهذه الجرائم لمواجهة قرن من الإنكار. وقال الدكتور ثيودوسيوس كيرياكيديس من جامعة أرسطو: “إرث هذا العنف لا يزال يلقي بظلاله على السياسات الإقليمية. وفهم حجمه وشموليته أمرٌ أساسي لتحقيق العدالة والمصالحة وصون الذاكرة التاريخية.”

وفي ظل استمرار الدولة التركية في قمع النقاش المفتوح حول هذه الأحداث، تبرز المنتديات مثل منتدى رابطة الأعمال والثقافة لشرق البحر الأبيض المتوسط كمنصات حيوية لإظهار الحقيقة. واختتم كاتسوس بالقول: “الاعتراف بالماضي ليس إلقاءً للّوم، بل هو خطوة نحو الشفاء والمساءلة وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم مرة أخرى.”

‫شاهد أيضًا‬

إسرائيل تقصف الساحل السوري ووزير الدفاع يتعهد بالتصدي للتهديدات

بيروت — شنت طائرات حربية إسرائيلية، فجر الجمعة، غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية ومستودعات …