‫‫‫‏‫أسبوع واحد مضت‬

في محردة، جريمة قتل تعيد إشعال التوترات وتطرح أسئلة مقلقة حول العدالة والانتقام في سوريا ما بعد الحرب

محردة، سوريا — بعد مضي أكثر من عقد على الحادثة، تعود مأساة قديمة لتتردد أصداؤها مجددًا في شوارع مدينة محردة ذات الغالبية المسيحية في محافظة حماة السورية، مع تصاعد مطالب بدفع دية أعادت فتح الجراح القديمة وأثارت مخاوف من أن ثقافة الانتقام قد تطغى على جهود التعافي الهشة التي تشهدها البلاد بعد الحرب.

تعود جذور القصة إلى عام 2014، في ذروة الحرب الأهلية السورية، عندما تم توقيف سيارة كانت تسير من محردة نحو حماة عند حاجز أمني عسكري على أطراف المدينة. داخل السيارة كانت هناك امرأة سنية من مدينة حلفايا القريبة، وشاب وُصف في الروايات المحلية بأنه “غريب” أو “غير معروف”. وبعد لحظات من وصول السيارة إلى الحاجز، اندلعت النيران. قُتلت المرأة على الفور، وأصيب الشاب بجروح بالغة تسببت له بإعاقة دائمة. وقد أكدت التحقيقات الجنائية لاحقًا أن الرصاصة القاتلة جاءت من جهة محردة.

مرت السنوات، وتغيرت خطوط المواجهة، واستُعيدت الأراضي، وبدا أن البلاد تسير نحو نوع من الاستقرار النسبي. إلا أن السلام، بحسب الكثير من السوريين، لا يزال بعيد المنال. ففي وقت سابق من هذا الشهر، عادت عائلة الضحية، ليس من أجل المطالبة بالعدالة عبر القضاء المثقل بالأعباء، بل للمطالبة بالثأر مقنّعًا بالمصالحة: دية مقدارها 60,000 دولار أمريكي — 40,000 للمرأة القتيلة و20,000 للمصاب.

وقد رافق هذا الطلب تهديد صريح: إذا لم يتم دفع المال، فسوف يثأرون بأنفسهم. “سيحدث انفجار. سنقتل عناصر من قوات الدفاع الوطني. سنأخذ حقنا بأيدينا”، بحسب ما صرحت به العائلة علنًا، مستخدمة لهجة تصعيدية. أما رد محردة؟ فكان الصمت.

تغريدة إنذار

في 24 مايو، نشر الأب سبيريدون طنوس، وهو كاهن مسيحي بارز وشخصية عامة، تغريدة على منصة X (تويتر سابقًا)، وجّه فيها نداءً مباشرًا إلى وزارة الداخلية السورية ورئاسة الجمهورية، قال فيها:



وفقًا لتقارير محلية ومنشورات الناشطين، لم تتخذ أي خطوات رسمية لإحالة القضية إلى القضاء. لم تصدر أي إدانات علنية، ولم يتدخل لا رجال الدين ولا مسؤولو الدولة. ويُقال إن المفاوضات بدأت لتخفيض المبلغ إلى 40,000 دولار، وهو ما رآه بعض السكان نوعًا من التنازل أو الخضوع.

وكتب الدكتور وديد صلبود في نداء علني نُشر في 24 مايو: “هذه ليست محردة التي عرفناها. الخيانة حاضرة، والكرامة تنتظر من يرفعها من جديد”.

وقد وجّه صلبود نداءه مباشرة إلى الرئيس أحمد الشرع وجميع السوريين، للتدخل قبل أن “يصبح الانتقام بديلاً للعدالة”، بحسب تعبيره.

أزمة العدالة الانتقالية الأوسع

أثارت هذه الحادثة جدلاً واسعًا، ليس فقط حول القتل بعينه، بل أيضًا حول سؤال أكبر: في بلد ممزق بالحرب، يحمل في طياته مئات الآلاف من المظالم غير المعالجة، كيف يمكن لسوريا أن تمضي قدمًا؟

فالصراع السوري، الذي يدخل عامه الرابع عشر، خلّف مئات الآلاف من القتلى وملايين المهجرين. وفي مدن مثل محردة وحلفايا — التي لا تفصل بينهما سوى كيلومترات معدودة ولكنها مقسمة ديمغرافيًا ودينيًا وسياسيًا — لا تزال الندوب غائرة.

ويتساءل سكان محردة، الذين فقد كثير منهم أحبائهم بسبب القصف الصاروخي من جهة حلفايا خلال الحرب: “أين حقوقنا نحن؟”

وقال أحد السكان، طلب عدم الكشف عن هويته: “إذا بدأت كل عائلة تطالب بالدية أو تهدد بالانتقام، فإلى أين سنصل؟ أي وطن سيتبقى لنا؟”

دعوة لتغليب القانون على الثأر

دعا ناشطون ومثقفون سوريون الحكومة إلى اعتماد آليات للعدالة الانتقالية — تشمل المساءلة وكشف الحقيقة وجبر الضرر والمصالحة — كخطوة ضرورية نحو الشفاء الوطني. وحذّروا من أنه من دون هذه الإجراءات، قد تعود دوامة العنف حتى في المناطق التي تبدو هادئة.

واختتم الدكتور صلبود نداءه بتحذير صارم:

“تخيلوا، لا قدّر الله، إذا انتشرت ثقافة الثأر بين عائلات كل من فقدوا أحبائهم. حينها ستضيع البلاد، وسنغرق جميعًا.”

تحديث صباحي: وعود بالتحرك

في صباح 25 مايو، نشر الأب سبيريدون طنوس تحديثًا عبر حسابه على منصة X، أعلن فيه أن السيد أسعد الشيباني، وزير الخارجية وعضو بارز من المكون المحلمي في الحكومة السورية الانتقالية، قد تعهّد بمتابعة الموضوع شخصيًا. كما عبّر عن شكره لاستجابة سماحة المفتي العام، قائلًا:

“تحديث حول قضية محردة: تكرّم السيد أسعد الشيباني بالتعهد بمتابعة الموضوع. كما نشكر سماحة المفتي العام على استجابته السريعة والمقدّرة.”



ورغم أن النتائج العملية لهذه التعهدات لا تزال غير واضحة، إلا أن التحديث بثّ بعض الأمل في نفوس السكان بأن الدولة بدأت تأخذ التهديد على محمل الجد.

وفيما التوتر لا يزال قائمًا في محردة، تحولت القضية إلى نقطة اشتعال — تجسّد مواجهة سوريا المؤلمة مع ماضيها، والطريق الخطير الذي لا بد أن تسلكه نحو سلام عادل ودائم.

‫شاهد أيضًا‬

بمناخ إيجابي، انعقاد الجولة الأولى من المفاوضات بين الإدارة الذاتية الديمقراطية والحكومة السورية في دارمسوق 

دارمسوق – عقدت يوم الأحد في العاصمة دارمسوق (دمشق) أول جولة مفاوضات رسمية بين وفد الإدارة …