بروهوم نورو: رحلة العشق للغة السريانية وتراثها
في قلب أورهي (أورفا)، مدينة السريان العريقة، وُلد أبروهوم نورو عام 1923، ليصبح أيقونة ثقافية سريانية، حمل على عاتقه إحياء لغة شعبه وتراثه. من أصول أرثوذوكسية سريانية، عاش نورو حياة حافلة بالعطاء، مكرسًا نفسه للحفاظ على هوية شعبه في زمن التحديات.
نشأة وتكوين
غادر نورو أورهي (أورفا) مع عائلته عام 1924، هاربين من ظروف قاسية، ليستقروا في حولب (حلب) بحي “براكات السريان”. هناك، بدأ رحلته التعليمية في مدرسة حي السريان، حيث غرست فيه بذور حب اللغة السريانية على يد المعلم إسحق طاشجي من خلال دراسة الألحان الكنسية في كتاب “البيث كازو”. لاحقًا، انتقل إلى مدرسة مار أفرام بحارة الهزازة، حيث تأثر بأساتذة مثل يوحانون قاشيشو، الذي ألهمه ليصبح صوتًا للتراث السرياني.
بعد حصوله على البكالوريا، توجه نورو إلى بيروت لدراسة الحقوق في جامعة القديس يوسف، لكن شغفه باللغة السريانية طغى على اهتماماته القانونية. هناك، بدأ يتعمق في دراسة التراث السرياني، خصوصًا بين السريان الموارنة، مما شكل نقطة تحول في مسيرته.
جهود تعليمية رائدة
عاد نورو إلى حولب (حلب) ليؤسس أخويتي “الإيماس” و”الإيتاس”، موجهًا جهوده لتعليم الأجيال الجديدة اللغة السريانية. لم يكتفِ بذلك، بل جال في مدن مثل القدس، دارمسوق (دمشق)، وجبل لبنان، ودرّس في أديرة الرهبان الموارنة وجامعة الكسليك. ابتكر طريقة تعليمية حديثة أطلق عليها “السولوقو”، وهي نهج سمعي بصري نُشر في كتاب بهولندا عام 1989، ليصبح مرجعًا لتعليم السريانية.
إرث أدبي وثقافي
أبدع نورو في تأليف العديد من الأعمال التي عززت مكانة اللغة السريانية، منها:
. سجل رحلاته إلى المراكز السريانية العالمية، موثقًا ثقافة السريان وأدبهم : (1967) “جولتي“1-
:عمل رائد جمع فيه المصطلحات السريانية الحديثة.(1997)”تولدوثو سريويوتو“2-
3- دراسات عن مار أفرام السرياني، ومساهمات في تطوير قاموس “منّا” بإضافة 2100 مصطلح جديد.
مكتبته الخاصة، التي تضم 3850 كتابًا نادرًا باللغات السريانية، العربية، الإنجليزية، الفرنسية، والألمانية، تُعد كنزًا ثقافيًا جمعها على مدى ستة عقود، تغطي التاريخ، اللغة، الدين، والعلوم.
حلم الوحدة والحقوق الثقافية
كان نورو يؤمن بوحدة الشعب السرياني(الكلدان – الاراميون – الاشوريون)، وسعى لتكريس تدريس اللغة السريانية رسميًا. احتفى بقرار منح الحقوق الثقافية في العراق، ورأى في القامشلي (زالين) امتدادًا لنصيبين، المدينة التي استضافت أول جامعة في بلاد ما بين النهرين.
صوت عالمي للسريان
بفضل إتقانه للغات متعددة، منها السريانية، العربية، الفرنسية، والإنجليزية، حمل نورو رسالة السريان إلى العالم. حاضر في جامعات مرموقة مثل كامبريدج وأكسفورد، وزار مدنًا في سوريا، لبنان، العراق، وأوروبا، ليروي قصة شعبه وتراثه.
إرث خالد
في عام 2001، رُسم نورو شماسًا قارئًا في كنيسة مرعيث مار جرجس، تكريمًا لمسيرته الحافلة. كان يردد: “نحن تلاميذ نعوم فائق”، مؤكدًا التزامه بإرشادات أسلافه. إرثه، من مؤلفات ومكتبة فريدة، سيظل منارة للأجيال القادمة.
ختامًا
أبروهوم نورو لم يكن مجرد باحث، بل كان حارسًا للهوية السريانية، جسّد حلم شعبه في الحفاظ على لغته وتراثه. رحلته، التي امتدت من الرها إلى العالم، تُلهم كل من يؤمن بقوة الثقافة في بناء المستقبل.
في هذه السلسلة
كبرئيل أسعد: رائد الموسيقى السريانية وصوت الهوية
ميادة بسيليس: صوت السريان الأصيل ورائدة الفن السوري
سليم حانا: رحلة الفنان السوري السرياني في عالم المسرح والدراما
اسكندر عزيز: أيقونة الفن السوري السرياني ورمز الإبداع الخالد
نوري إسكندر: سفير الموسيقى السريانية الشرقية ومؤرخ تراثها
عائلة أصفر ونجار: رواد الزراعة السورية في رحلة عبر الزمن
يوسف عبدلكي: فنان سرياني تشكيلي يجمع بين الإبداع والالتزام
يعقوب قريو: الصحفي والمفكر السرياني الذي حمل شعلة القومية والثقافة
سعيد إسحق.. رجل السياسة الذي عبر التاريخ بصمت
مؤسسة أولف تاو تبدأ نشاطها الصيفي لتعليم اللغة السريانية للأطفال
زالين- (القامشلي)- في إطار سعيها لحماية اللغة السريانية والاهتمام بالطفولة، بدأت مؤسسة أول…