‫‫‫‏‫3 أسابيع مضت‬

جعجع: “لا تفاوض على سلاح الفلسطينيين… لا شعب عانى ما عاناه السوريون في السنوات الأربعين الماضية “

معراب، لبنان في مقابلة موسعة هذا الأسبوع مع موقع “ترانسبارنسي نيوز”، قدّم رئيس حزب “القوّات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع تقييمًا قاسيًا لأزمة لبنان السياسية والاقتصادية، رَفَض خلالها كل مقترحات التفاوض بشأن سلاح الفلسطينيين في المخيمات، كما عرض خارطة طريق لمعالجة الأزمة المالية دون تحميل المواطنين أعباءً إضافية. 

في حوار استمر أكثر من ساعة مع الصحافيين أسعد بشارة وتوني بولس، حمّل جعجع الحكومة مسؤولية إصرارها على “التسويات المؤقتة” التي أدت إلى تكرار الأخطاء نفسها التي أوصلت البلد إلى حافة الانهيار. 

لدينا مصدران واضحان يمكنهما أن يدرّا ملياري دولار لخزينة الدولة، بينما سيجلب رفع أسعار المحروقات نحو 300 مليون دولار في أفضل الأحوال”، قال جعجع. “هذان المصدران من اختصاص وزارة المال؛ ليست مسألة سياسية. لو غيّروا وزير المال، كنت سأقول الشيء نفسه: اجمعوا ما هو مستحقّ”. 

قدّر جعجع أنّ لبنان فقد نحو مليار دولار العام الماضي نتيجة عدم تحصيل الرسوم الجمركية كاملةً على الواردات. وأضاف: “لنواجه الأمور بواقعية. لا وزير ولا رئيس حكومة يمكنه القول إنه لم يكن يعلم. إصلاح ملف الجمارك والملفات الضريبية—هناك ضرائب مستحقة منذ أكثر من عشر سنوات—يمكن أن يولّد إيرادات كبيرة من دون أن يتكبّد المواطن أي أعباء إضافية”. 

وقد اعتبر أنّ العسكريين والقوى الأمنية يستحقّون رواتب لائقة “لأنهم يعملون ليل نهار للحفاظ على وجود الدولة”، لكنه حذّر من منح زيادات عشوائية “بدا بتلك الصغيرة للقضاة، ثُم طالب الآخرون بزيادات، فنتهي بنا المطاف إلى أزمة دائمة”. وشدّد على ضرورة “نظرة شاملة ومستدامة” بدلًا من ترقيعات عشوائية تُثقل كاهل الخزينة. 

حول ملف أسلحة الفلسطينيين في المخيمات، قال جعجع بحزم: “هذا قرار سيادي بامتياز. لا يحق لأحد أن يناقشه معنا. إذا قررنا جمع السلاح، سنفعل؛ وإذا لم نقرر، فلن نفعل. أي نقاش مع طرف ثالث—حزب الله أو غيره—يقوّض سلطة الدولة”. 

وأضاف: “لمّا كنّا نقول سابقًا: دعوا السلطة الفلسطينية على علم، كان ذلك كافياً. لكن اليوم أي نقاش خارجي بهذا الموضوع يعني أن الدولة فقدت سلطتها. جمع كل الأسلحة—فلسطينية كانت أم غيرها—غير قابل للتفاوض”. واستدرك أن “من يخشى حربًا أهلية فإنما يتنازل عن السيادة لصالح الميليشيات. لا يُعقل أن يلوّح البعض بالخوف من الفتنة كي يمنع الدولة من فرض القانون”. 

ثم انتقل إلى ملف التعيينات القضائية، مستاءً من “التعيينات المفاجئة التي تُرسل على جدول أعمال الحكومة دون إتاحة الفرصة لكل وزير لدراستها ومساءلة المرشّحين”. وأكد: “يجب احترام آلية التعيينات القائمة؛ إذا حاول أحدهم إدخال قاض غير مؤهل بضغط سياسي، سنعقد جلسة لمعارضة القرار في مجلس الوزراء. هدفنا أن تكون كل التعيينات الجارية أعلى بكثير من المستوى الحالي”. 

وعن البطء في ملء الشواغر في الوزارات الحيوية، لفت إلى أنّ “وزارة الطاقة أمثالًا تحوي نحو عشرة آلاف وظيفة شاغرة، وجهاز مراقبة قطاع الكهرباء لم يُعلَن عنه اسم منذ شهر ونصف رغم اكتمال دفتر الشروط. هذه البيروقراطية هي السبب في عرقلة المشاريع، مثل محطات الطاقة الشمسية التي يمكن أن تخفّض  الكلفة عن المواطنين”. 

مع ذلك، دافع جعجع عن وزير الطاقة الحالي، مشيرًا إلى “المديونية المُخبأة التي ورثها من سلفه والتي بلغت 1.5 مليار دولار دون موافقة أحد. منذ توليه، لم يكلف الوزيرُ خزينة الدولة ليتمار ليرة واحدة، ما يدل على أن العمل وفق القانون يؤدي إلى نتائج إيجابية، رغم حجم الأخطاء السابقة”. 

زيارة وزير الخارجية الإيراني: باب موارب 

عندما سُئل عن زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت وتصريحاته حول “فتح صفحة جديدة” مع لبنان، أبدى جعجع “تفاؤلًا حذرًا”: “تاريخيًا، كانت علاقات لبنان بإيران طيبة لسنوات طويلة. الأربعون سنة الماضية قلبت المعادلة، إذ دعمت طهران طرفًا واحدًا ضد مصلحة البلد. إذا كان العراقجي جادًا، فعليه ألّا يتدخّل عسكريًا أو أمنيًا أو ماليًا في شؤوننا. عليه أن يتعامل مع الدولة اللبنانية كمؤسسة واحدة، لا عبر فصيل لبناني محدد. وهذه نقطة الاختبار: هل هم مستعدون للتعامل معنا كدولة، لا كأداة نفوذ في المنطقة؟”. 

ورُدًّا على سؤال عمّا إذا كانت الدولة اللبنانية جاهزة لمنع التمويل غير القانوني والميليشيات، قال: “علينا أن نكون على أهبة الاستعداد. لقد ورثنا جهاز دولة معطّل ومرتبط بأجندات خارجية منذ أربعة عقود. لا يُعقل أن نسمح لمنهجي الخارجية بتحويل لبنان إلى منصة صراعات. يجب تقوية المؤسسات لتجسير أي محاولات لتفكيك الدولة”. 

إعادة الإعمار ومستقبل سوريا 

حول تطورات إعادة الإعمار في سوريا، قال جعجع: “أتمنى للشعب السوري النجاح والتقدم. لا شعب عانى ما عاناه السوريون في السنوات الأربعين الماضية. ولكن تقدّم جارنا لا يعني بالضرورة أن يكون على حسابنا. بالعكس، إذا نجح هو، يمكن أن نستفيد نحن أيضاً، لكن بشرط ألا نضيع الفرص هنا”. 

أوضح أنّ “الشرط الأساسي لإعادة الأعمار في لبنان هو تسليم كل السلاح غير الشرعي. إذا أخّرنا جمع السلاح الفلسطيني بعد منتصف حزيران، فاتحة الحكومة المقبلة قد تنهار قبل أن تبدأ. نحن بحاجة إلى دولة حقيقية قبل أي مال. فدول الخليج وأميركا وأوروبا لا تعطي سنتاً واحدًا ما لم تثبت الدولة أنها موجودة فعليًا”. 

وانتقد تأخير اتخاذ القرارات “من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة”، متسائلاً: “لمَ لا يبدأون بجمع السلاح منتصف حزيران؟ إذا زجّلت هذه القرارات بعد حزيران، فلن تنطلق هذه الحكومة أو العهد الجديد. لم يعد لدينا رفاهية الانتظار”. 

وعن فترة السماح، اكتفى بالقول: “لا أريد أن أضع فترة سماح، بل يجب أن نبدأ منتصف حزيران. إذا تأخرنا أو نُفّذ الأمر شكليًا، فلن أستبعد انهيار المؤسسات المتبقية”. 

سلاح حزب الله وإعادة الإعمار 

عُرِضَت عليه علامة الاستفهام في مقاربة موضوعي سلاح الفلسطينيين وسلاح حزب الله معًا. أجاب: “بدأنا بالفلسطينيين لأننا يجب أن نبدأ من مكان ما. صحيح أن الموضوعين مترابطان، لكن جمع السلاح الفلسطيني ذا أولوية أولى يجب إنجازها بحلول منتصف حزيران في بيروت، ونهاية حزيران في الشمال والبقاع، ومنتصف تموز في الجنوب. لا ينبغي أن نضع خطوطاً حمراء لنفسنا؛ فعلى الدولة أن تمارس صلاحياتها كاملة دون تراجع”. 

وحول تأثير تأخر جمع السلاح على ملف إعادة الإعمار، قال: “الدول المانحة—خاصة الخليج وأوروبا والولايات المتحدة—وصلت إلى قناعة بأن لبنان ليس دولة ما لم يُجرِ حسم موضوع السلاح. إذا كان حزب الله يساند إعادة الإعمار، فعليه تقديم المليارات اللازمة. ولكن هذه الدول أكدت صراحةً: لا مساعدات حتى نصبح دولة حقيقية. لذا جمع السلاح ليس لمصلحة الإعمار فقط، بل من أجل قيام الدولة”.


‫شاهد أيضًا‬

العدو

بقلم: أمين جول إسكندر | رئيس الاتحاد السرياني الماروني – طور ليفون ورئيس العلاقات الخارجية…