‫‫‫‏‫3 أسابيع مضت‬

ما يجب على قادة سوريا الجدد تعلمه من سقوط الأسد

بقلم بسام إسحاق | رئيس المجلس الوطني السرياني في سوريا، وعضو الهيئة الرئاسية لمجلس سوريا الديمقراطية – ممثل المجلس في العاصمة الأميركية واشنطن.


منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية حساسة ومعقدة، يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع. وقد أثارت هذه المرحلة أسئلة ملحة حول مستقبل سوريا بعد الأسد. كيف يمكن أن تنهض سوريا جديدة تتجنب تكرار أخطاء الماضي، و تجر سوريا إلى مآسي جديدة

هذا السؤال الجوهري يفتح الباب أمام تساؤلات أخرى، أهمها في الوقت الراهن: ما العوامل التي أدت إلى سقوط بشار الأسد؟ وما الدروس التي ينبغي أن يستفيد منها أي قيادة مستقبلية حتى لا تلقى نفس المصير، ولا تتسبب في كارثة وطنية جديدة؟

الأخطاء الداخلية والخارجية الكبرى التي أدت إلى سقوط الأسد

على الصعيد الداخلي، ارتكب بشار الأسد سلسلة من الأخطاء الجسيمة التي أدت في نهاية المطاف إلى سقوط نظامه. من أبرزها تغليب الأجهزة الأمنية على مؤسسات الدولة، واعتماد نهج طائفي في توزيع السلطة والثروات، والتعامل بوحشية مع المظاهرات السلمية خلال انتفاضة عام 2011، ما أدى إلى تصعيد الثورة وتحولها إلى نزاع مسلح وحرب أهلية.

كما أسهم الفساد الاقتصادي واحتكار الثروة من قبل نخبة صغيرة مقربة من العائلة الحاكمة في تفاقم الفقر وتسريع الانهيار الاقتصادي للنظام. وقد عمّقت هذه السياسات الانقسام الوطني، وأضعفت مؤسسات الدولة، وقوّضت ثقة الشعب بها. والأسوأ من ذلك، أن النظام لم يقدّم أي إصلاحات حقيقية لإخماد الثورة، بل أصرّ على العنف ورفض أي مسار سياسي بديل، فكان ذلك بداية نهايته.

أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد ارتكب الأسد خطأً استراتيجيًا قاتلاً بالانخراط الكامل في محوري طهران وموسكو، مما فتح الباب أمام تدخلات خارجية حوّلت سوريا إلى ساحة صراع دولي، وجرّدت النظام من سيادته و قوضت قدرته على المناورة الدبلوماسية. كما أنه فوّت فرصاً لإعادة الانفتاح على الدول العربية بسبب ولائه المطلق لحلفائه، وتورّط نظامه في المتاجرة وتهريب الكبتاجون في دول المنطقة

اقرأ أيضا: ممثل مجلس سوريا الديمقراطية، بسام اسحق، حول الوضع الراهن في سوريا وتأسيس المجلس الوطني المشرقي: “الدفاع عن مصالح المسيحيين يجب أن يأتي من أولئك المتأثرين بشكل مباشر والمستثمرين بعمق في مستقبل سوريا”

هل يتجنب أحمد الشرع أخطاء الأسد؟

منذ توليه منصب الرئاسة الانتقالية، أظهر أحمد الشرع نهجًا مختلفًا في عدة جوانب. حتى الآن، تبدو النتائج متباينة. من الناحية الإيجابية، أبدى انفتاحاً على المجتمع الدولي، واعتمد خطاباً داخلياً تصالحياً وغير إقصائي. لكن الجانب السلبي يتمثل في عجزه عن تحويل هذا الخطاب إلى استقرار فعلي وضبط أمني في كامل المناطق التي يُفترض أن تكون تحت سيطرة حكومته. وهنا تكمن خطورة أن يقع الشرع في نفس خطأ الأسد، أن يوعد بما لا ينفذ فيفقد بذلك المصداقية الشعبية و تتأكل الشرعية المؤقتة التي اكتسبها عبر تلك الوعود.

على الصعيد الخارجي، تبنّى الشرع وحكومته سياسة توازن إقليمي، وتواصلوا مع تركيا ودول الخليج وأوروبا دون الارتهان لأي محور. وقد مكّنهم ذلك من توسيع الحيّز الدبلوماسي، وإقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا. ولكن هذا الرفع مشروط بتنفيذ وعود، ما يعني أن الشرع وحكومته أمام اختبار داخلي وخارجي، والقاسم المشترك بينهما هو: الوفاء بالتعهدات.

أضف إلى ذلك، أنه بدأت تظهر مؤشرات مقلقة، مثل استمرار نفوذ بقايا الأجهزة الأمنية في بعض مفاصل الدولة، وتأخر تحقيق العدالة الانتقالية، وبطئ إشراك المعارضة الخارجية في العملية السياسية. وهناك أيضاً مخاوف من نشوء مراكز قوى اقتصادية جديدة قد تعيد إنتاج الفساد بشكل مختلف.

خلاصة واستنتاج

الفرق الجوهري بين مرحلة الأسد و المرحلة الحالية يكمن في الذهنية: فبينما كان نظام الأسد يرفض أي تغيير بنيوي، فإن المرحلة الحالية – رغم عيوبها – لا تزال تملك فرصة لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة.

تعتمد شرعية أحمد الشرع الانتقالية – داخليًا ودوليًا – على مدى قدرته على تنفيذ وعوده. فإذا نجح، فهناك فرصة حقيقية لمستقبل سوري موحد. أما الخطر الأكبر،اليوم، فهو أضاعة هذه الفرصة من خلال تكرار أخطاء الماضي: إقصاء الخصوم، تهميش العدالة، التساهل مع الميليشيات، أو تجاهل الاقتصاد غير الرسمي.

إن مستقبل سوريا لن يُبنى فقط على  سقوط بشار الأسد، بل على قدرة المجتمع السوري ونخبه السياسية على تفكيك إرث نظامه بالكامل، لا الاكتفاء بتجميله. المرحلة الانتقالية الحالية هي اختبار حقيقي للإرادة السياسية للشعب السوري و قياداته في قطع الصلة بالماضي والبدء من جديد بالشكل المناسب الجديد لتجنب تكرار الكارثة.


نُشر هذا المقال لأول مرة في صحيفة “Syrian Democratic Times” بتاريخ 6 حزيران/يونيو 2025. يمكن الاطلاع على النسخة الأصلية عبر الرابط التالي.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب فقط، ولا تعبّر بالضرورة عن مواقف “سيرياك برس”

‫شاهد أيضًا‬

هجوم مميت على كنيسة مار إلياس التاريخية أثناء القدّاس يسفر عن مقتل 22 شخصًا وإصابة العشرات

دارمسوق (دمشق) — هزّ تفجير انتحاري، يوم الأحد، كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس، إحدى أقدم …