شابو باهي: رمز الأدب والقومية السريانية
سلسلة عن السريان المؤثرين في تاريخ سورية الحديث
الملفونو شابو شمعون زيتو، المعروف بلقب “شابو باهي”، شاعر وقومي سرياني بارز، ترك بصمة لا تُمحى في الأدب السرياني والثقافة القومية. وُلد عام 1927 في مديات بمنطقة طورعبدين، وانتقلت عائلته في طفولته المبكرة إلى كوزرتو
( الجزيرة السورية)، حيث بدأت رحلته التعليمية والثقافية التي شكلت مسيرته العظيمة.
النشأة والتعليم
أكمل شابو باهي تعليمه الابتدائي في المدارس السريانية بمدينتي رأس العين والحسكة، حيث درس اللغات السريانية والعربية والفرنسية. لاحقًا، التحق بالكلية الأمريكية في حلب، لكنه اضطر للتوقف عن الدراسة في المرحلة المتوسطة (الصف التاسع) بسبب ظروف مادية صعبة. رغم ذلك، لم يمنعه هذا العائق من مواصلة شغفه بالعلم والثقافة، فأثبت أن العزيمة والإرادة قادرتان على تحقيق المستحيل.
بدايات العمل الثقافي والقومي
في عام 1947، بدأ شابو باهي مسيرته في التعليم بتكليف من لجنة المدارس السريانية في زالين (القامشلي)، حيث درّس بعض الصفوف الابتدائية. خلال هذه الفترة، تأثر بشدة بالأفكار القومية التي كان يروج لها الملفونو شكري جرموكلي، المستلهمة من تعاليم الرائد القومي نعوم فائق. هذه الأجواء عززت ارتباطه العميق بالهوية السريانية، ودفعته للانخراط في العمل الثقافي والمجتمعي.
في عام 1949، أصبح عضوًا في المجلس الملي في القامشلي، وفي 1954 انضم إلى الهيئة الإدارية للجنة المدارس السريانية. كما انتُخب عضوًا في الهيئة الإدارية لنادي الرافدين الرياضي، حيث ساهم في تعزيز النشاطات الرياضية والثقافية. وفي الفترة بين 1955 و1958، شارك في تأسيس جمعية “رحمات عيتو ولشونو” التي هدفت إلى تعزيز اللغة السريانية ودعم أدبائها وتوفير التعليم المجاني في المدارس السريانية. هذه الجمعية، التي حصلت على موافقة المطران قرياقس، وضعت دستورًا يعكس رؤيتها الطموحة للحفاظ على التراث السرياني.
إبداعاته الأدبية والفنية
في عام 1962، بدأ شابو باهي كتابة الأغاني السريانية باللهجة الطورانية، مستلهمًا مواضيع عاطفية واجتماعية وقومية. أولى أغانيه كانت “أو لحدو”، تلتها “أو برصومو” و”صفرو بصفرو بصفريتو”، التي سجلها في زالين(القامشلي) وحققت انتشارًا واسعًا. في عام 1968، سجل أول أسطوانة له في بيروت تحتوي على أغنيتين، “حم وهاية” و”دقلة دقلة أو نوقوشو”، بصوت المطرب السرياني أرتين فستقجي وموسيقى فرقة الإذاعة السورية في حلب. لاحقًا، اشتهرت أغنيته “ككو دصفرو حابيبتو” بصوت حبيب موسى وألحان الملفونو نوري اسكندر، لتصبح واحدة من الأغاني السريانية الأيقونية.
بلغ عدد قصائد شابو باهي حوالي مئة قصيدة، 40 منها تحولت إلى أغانٍ سُجلت على أسطوانات وكاسيتات وأقراص مدمجة. غناها نخبة من المطربين السريان مثل عبود زازي، عبد الأحد لحدو، عبد الله رهاوي، ومن المغنيات إيزلا عيسى وجوليانا أيوب. كما شارك في تلحينها فنانون بارزون مثل نوري اسكندر وكابي مسو.
المسرح والفلكلور
لم تقتصر إسهامات شابو باهي على الشعر والأغاني، بل امتدت إلى المسرح والفلكلور. في عام 1978، قدم مسرحية “الشبيبة والزمن” باللهجة السريانية العامية، وهي أول “اسكتش” مسرحي من تأليفه وإخراجه. بعد هجرته إلى السويد عام 1987، واستقراره في مدينة سودرتاليا، واصل إبداعه بتأليف مسرحية غنائية راقصة بعنوان “قريثو كمرتو” عام 1992، أخرجها ابنه حمورابي وعُرضت على مسرح الشعب في السويد.
كما كان شابو باهي مسؤولًا عن تنظيم الدورات السريانية والفعاليات الفلكلورية، بالإضافة إلى إعداد التقاويم السنوية للأبرشيات السريانية في سوريا، التي تميزت بالتنوع والتصميم المبتكر.
الهجرة إلى السويد وإرثه
في عام 1987، هاجر شابو باهي مع عائلته إلى السويد، حيث واصل نشاطه الثقافي والأدبي. رغم التحديات، ظل وفيًا لقضيته القومية، مواصلًا كتابة القصائد والمسرحيات التي تعبر عن هوية الشعب السرياني. توفي عام 2012، تاركًا إرثًا ثقافيًا غنيًا يتجسد في قصائده وأغانيه التي لا تزال حية في وجدان السريان.
خاتمة
شابو باهي لم يكن مجرد شاعر، بل كان رمزًا للصمود والعطاء. قلبه النابض بالحب لشعبه وثقافته جعله رائدًا في الأدب السرياني. من زالين (القامشلي) إلى حلب، وصولًا إلى السويد، كرّس حياته لخدمة الهوية السريانية، تاركًا إرثًا يلهم الأجيال. كلماته وابتسامته الدافئة ستبقى محفورة في ذاكرة كل من عرفه، كشعلة لا تنطفئ في ضمير الأمة السريانية
في هذه السلسلة
بروهوم نورو: رحلة العشق للغة السريانية وتراثها
كبرئيل أسعد: رائد الموسيقى السريانية وصوت الهوية
ميادة بسيليس: صوت السريان الأصيل ورائدة الفن السوري
سليم حانا: رحلة الفنان السوري السرياني في عالم المسرح والدراما
اسكندر عزيز: أيقونة الفن السوري السرياني ورمز الإبداع الخالد
نوري إسكندر: سفير الموسيقى السريانية الشرقية ومؤرخ تراثها
عائلة أصفر ونجار: رواد الزراعة السورية في رحلة عبر الزمن
يوسف عبدلكي: فنان سرياني تشكيلي يجمع بين الإبداع والالتزام
يعقوب قريو: الصحفي والمفكر السرياني الذي حمل شعلة القومية والثقافة
سعيد إسحق.. رجل السياسة الذي عبر التاريخ بصمت
سهول الخابور تتحول إلى ملاذ جديد للتنظيم
دير الزور – في تصعيد جديد للهجمات التي تنفذها خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” ا…