إبادة الخابور
المقدمة- تُعدّ مجازر خابور واحدة من أحلك وأبشع الفصول في التاريخ المعاصر للمجتمع السرياني-الآشوري في سوريا. يهدف هذا التقرير الشامل، الذي أعده قسم التدريب والاعلام لحزب الاتحاد السرياني بدقة ومهنية، إلى توثيق الأحداث والتجارب والآثار المستمرة لتلك الإبادة التي وقعت على ضفاف نهر خابور. من خلال شهادات الناجين والبيانات الموثقة والتحليلات الدقيقة، يسعى التقرير للحفاظ على ذكرى الضحايا، وكشف الحقائق الكاملة حول الجرائم المرتكبة، والمساهمة في فهم أعمق للديناميات السياسية والاجتماعية التي مكنت وقوع هذه المأساة.
وسيتم نشر هذا التقرير على شكل سلسلة أسبوعية من المنشورات التفصيلية، حيث سيتمكن القراء من متابعة دراسة متأنية لأصول الإبادة وتنفيذها وتداعياتها. يتيح هذا الأسلوب المدروس فرصة للتأمل العميق وتسليط الضوء على الأصوات التي طالما سكتت.
من خلال إلقاء الضوء على هذه الفظائع، تُكرّم لجنة خابور صمود المجتمعات المتضررة وتجدد التزامها بالعدالة والاعتراف والحفاظ على التراث الثقافي. ندعو قراءنا للتفاعل مع هذه الوقائع بكل جدية وتعاطف، إدراكًا لأهمية الشهادة على التاريخ من أجل بناء مستقبل أكثر عدلاً ووعيًا.
يعد الشعب السرياني الآشوري واحداً من أقدم الشعوب الأصيلة في سوريا وبيث نهرين، وهو سليل لثقافة عريقة حيث تحول السريان الآشوريين إلى شعب أوجد لغته وقيمه الثقافية منذ الألف الرابع قبل الميلاد، فالشعب السرياني الآشوري أصيل عاش طوال تاريخه في هذه الجغرافيا ولهذا السبب يمتلك تاريخاً غنياً وراسخاً بين شعوب المنطقة.
حيث إن أجداد السريان (الآشوريون والآراميون والكلدانيون) أرسوا الأسس الثقافية والحضارية والدينية والتنظيم والعمران والاقتصاد والعلم والفن والموسيقى ولعبوا أيضاً دوراً بارزاً في ازدهار الحضارة العالمية، وتجلى ذلك في الامبراطوريات العظيمة التي اسسوها حيث كانت اولى وأقدم الدول التي تأسست على مستوى الكون هي الإمبراطورية الأكادية عام 2350 ق م ثم تتالت الامبراطوريات الكلدانية والاشورية في بابل ونينوى والتي استمرت حتى عام 539 ق م.
وقد امتد إرث هذه الامبراطوريات على العالم المعروف آنذاك تاركاً ارثاً حضارياً اصيلاً وبصماتٍ على كافة مناحي الحياة الانسانية حتى يومنا الحاضر بثقافة حية ومثمرة وخصبة ،لم تتمكن العصور الطويلة بكل ما حملته من صعوبات واضطهادات أن تمحوها او توقفها عن الحياة والعطاء حيث استطاعت هذه الثقافة ان تحافظ على نفسها ولغتها طوال ستة آلاف عام على الاقل (التاريخ المعروف ) ، وقد لعب الشعب السرياني الآشوري دوراً كبيراً على الساحة السياسية العالمية ،وفي منطقة الشرق الاوسط وذلك بأسماء متعددة( أكاد – آشور – بابل -كلدان …. ).
ونتيجة للتاريخ الطويل والعميق والموغل في القدم والمراحل والامبراطوريات المتعددة التي مر بها شعبنا السرياني الآشوري والديانات والمذاهب التي اعتنقها من مسيحية واسلامية استخدمت أسماء كثيرة مثل الآشوريين والآراميين والكلدانيين والسريان والموارنة والملكيين والنساطرة واليعاقبة والمحلميين؛ للتعريف بالسريان في الأدبيات السياسية والدينية منذ المراحل التاريخية المختلفة وحتى يومنا هذا وقد استُخدمت أسماء مثل ماروني – روم ملكي – نسطوري- يعقوبي ، وكان يتم استخدامها من أجل اجراء تحديد واضح لتاريخ محدد مرت به فئة او مجموعة من السريان عبر التاريخ الطويل لهذا الشعب ،وتعتبر أسماء الآشوريين والآراميين والكلدانيين والسريان أسماءً تدل على نفس الشعب والثقافة من حيث الجذر الثقافي والتاريخي لهذه الأسماء ولهذا تعتبر جميعها أسماء قومية لشعب واحد والذي طبع بالاسم السرياني منذ 300 ق م حيث أصبح هذا الاسم شاملاً ويستعمل لتعريف الشعب بنفسه وتعريف الآخرين به في كل الادبيات والكتابات ، ولأن الشعب السرياني الآشوري لم يكن معتنقاً ديناً واحداً أو يتبع مذهباً واحداً فقد كان متسامحاً وكانت هذه الصفة هي اللبنة الاساسية التي أقيمت عليها الوحدة الاجتماعية التي تربط فئات الشعب بعضها ببعض في بيث نهرين (بلاد النهرين، بلاد الرافدين ، ميزوبوتاميا ) التي تعد واحدة من أولى المناطق التي نشأ وعاش فيها الشعب السرياني وبنى الحضارات المتعددة عبر مراحل التاريخ المتعاقبة وطبع البلاد بطابعه الثقافي من خلال الآثار وأسماء المدن والقرى باللغة السريانية، والتي مازالت مستخدمة حتى اليوم ولان بلاد الرافدين تمتلك موقعا جغرافيا واستراتيجيا هام جداً وغني بالثروات اكتسبت أهمية كبرى وكانت مسرح للصراعات في الشرق الأوسط ومابين الشرق والغرب لكونها بوابة القارات وتمتلكه من ثروات باطنية وجغرافية (ماء ، نفط ، غاز ، ارضي خصبة للزراعة ) وتتقاطع في هذه المنطقة كافة الطرق التجارية التاريخية (طرق البهارات ، طريق الحرير ) قديماً وحديثاً القادمة من الشرق الاقصى ، وطرق أنابيب النفط والغاز.
أما في يومنا هذا فإن الشعب السرياني الآشوري يعيش محافظاً على ثقافته في كلٍ من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ووسط وشمال العراق وفي منطقة أورميا الإيرانية ومناطق جنوب شرق تركيا، وقسم كبير منه هاجر الى أوروبا والأمريكيتين واستراليا، وبقية بقاع العالم نتيجةً لإنكاره وبسبب الاضطهادات والقمع، وسياسات الاقصاء والصهر، والضغوطات المتعددة التي تعرض ويتعرض لها في وطنه الاصلي.
وضع السريان الآشوريين في قرى الخابور قبل الأزمة السورية:
يعد تواجد السريان الآشوري في قرى الخابور هي نتيجة حتمية للابادات السابقة التي تعرض لها في وطنه في جبال هكاري واورميا ومن ثم في سميل نتيجة خصوصيته القومية ورغبته في إدارة أموره بذاته ونتيجة عقلية الاستبداد تم انكاره وارتكاب الجرائم المتتالية بحقه حتى وصل الى الخابور في عام 1933 تحت الحماية الفرنسية، وبدأ يبني في حوض الخابور بعض التجمعات التي ما يزال يسميها كامبات أي مخيمات واستقر فيها حتى نشوء الدولة السورية الحديثة وقام بتطويرها وتشجيرها مستفيدا من جريان نهر الخابور وبداء في عملية الإعمار مع دخول المنشأت الخدمية للمنطقة في عام 2011، كان السريان الآشوريين الساكنين في قرى حوض الخابور على ضفاف النهر موزعين على طول خط النهر شمالا وجنوبا في 36 قرية بطول ما يقارب 30 كيلومتر حيث تقدر أعداد السريان الآشوريين في منطقة حوض الخابور بحوالي 30,000 إلى35,000 نسمة قبل بداية الازمة السورية هذه الكثافة السكانية المتجانسة في القرى كانت مراكز ثقافية ودينية حيث كانت هناك
كنائس ومدارس تحولت إلى مراكز ثقافية فضلاً عن استخدام اللغة السريانية الشرقية في الحياة اليومية وهذه المراكز مكنتهم من القراءة والكتابة وتميزت عن المدن الكبرى.
ومع بداية الحرب السورية والنزاع المستمر، تعرضت هذه المناطق إلى هجمات من قبل الجماعات المسلحة المتعاقبة والمتطرفة ما أدى إلى نزوح كبير للسريان الآشوريين من قراهم إلى مناطق أخرى داخل سوريا أو إلى خارجها، مما أثر بشكل كبير على عددهم في هذه المنطقة وخاصة مع حدوث عدت مضايقات وحالات خطف ووصل تعداد سكان القرى ما بين 20000الى 25000 في عام 2012.
السريان الآشوريين في حوض الخابور كانوا يزاولون أنشطة زراعية مثل زراعة القمح والشعير، وزراعة الأشجار المثمرة كالعنب والرمان وغيرها إضافة الى تربية المواشي، ولكن في نهاية التسعينيات من القرن العشرين ظهر دور لتركيا في تجفيف نهر الخابور يُعزى بشكل رئيسي إلى سياساتها المائية، وخاصة مشاريع السدود الكبرى التي تقوم بها على الأنهار في المنطقة والتي ساهمت في تقليص تدفق المياه وأيضا نتيجة للحفر العشوائي للآبار البحرية في منطقة النبع مما أدى الى انخفاض ضخ المياه وتحويل مجراها بالإضافة لسياسة النظام السوري السابق التي أدت بدورها لتعطيش المنطقة.
الانتهاكات بحقِّ السريان الآشوريين في ظلّال الدولة السورية:
السريان الآشوريين في الخابور عانوا من أشكال متعددة من الاضطهاد، منها اساليب الحرب الخاصة ومنها تجفيف نهر الخابور شريان الحياة للقراى السريانية الآشورية، مما أثر على وجودهم الثقافي والديموغرافي في المنطقة، وهذه الآثار أجبرتهم على البحث عن مصار معيشة في مناطق أخرى بالعمل في لبنان وغيرها من الدول.
تهديدات ومخاطر التهجير القسري:
نتيجة للحرب والفراغ الأمني في سوريا والصراعات تم تعرض بعض القرى الى قصف عشوائي بتاريخ 14-11-2012 في تمام الساعة 11:33 صباحاً من طائرات النظام السوري وأدى الى تدمير في قرية تل نصري واستشهاد الشاب نينوس 16 عام، كما عانى السريان الآشوريين من النزوح القسري والخطف المتكرر بهدف الفدية والاستحواذ على أملاكه بنتيجة الهجرة. مع تزايد العنف وعدم الاستقرار، هاجر آلاف السريان الآشوريين إلى لبنان والعراق ومن ثم الى استراليا وأوروبا وأمريكا تاركين وراءهم أهاليهم وممتلكاتهم وأراضيهم. هذه الهجرة الجماعية قللت من عدد السريان في المنطقة بشكل كبير، مما أثّر على مقومات وجودهم الثقافي والديموغرافي. اجتياح داعش للخابور اضطهادات تنظيم “داعش“ من أسوأ فترات الاضطهاد التي عاشها السريان الآشوريين في القرن الواحد والعشرين كانت خلال سيطرة التنظيم الإرهابي (داعش) على أجزاء واسعة من سوريا بين عامي 2014م و2017م ومنها في صدد في ريف حمص والحسكة والخابور بالإضافة للرقة ودير الزور وكل منطقة احتلها. السريان الآشوريين، مثل بقية المكوّنات، تعرضوا لهجمات واسعة النطاق من قبل داعش أبرز الأمثلة على ذلك هو هجوم داعش على منطقة الخابور في عام 2015م، حيث قام تنظيم داعش بالهجوم على /36/ قرية سريانية آشورية أدى إلى تدمير العديد منها، واختطاف مئات من السكان المحليين وأخذهم كأسرى، بينهم نساء وأطفال وشيوخ. كما تمّ تدمير الكنائس والمعالم الدينية في المنطقة بحجة أنهم كفار وأنهم مجتمعات غير مسلمة.
العديد من الأسرى تعرّضوا للابتزاز من قبل داعش، حيث طالبت الفصائل المتطرفة بدفع فدية كبيرة مقابل الإفراج عن الرهائن، الكثير من العائلات اضطرت لدفع مبالغ مالية كبيرة لتأمين الإفراج عن أفرادها.
إن النزوح والتهجير القسري كان له تأثير بارز على عدد السريان الآشوريين بالإضافة للهجرة نتيجة تصاعد أعمال العنف وتوسع سيطرة التنظيمات المتطرفة والنزاعات المسلحة وغياب الأمان أجبرت الآلاف على الفرار إلى المناطق الآمنة نسبيًا داخل سوريا أو الهجرة إلى الخارج، وخاصة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
هذا النزوح كان له تأثير كبير على التركيبة الديموغرافية، حيث انخفض عدد السكان السريان الآشوريين بشكل كبير جدا وهذا أدى الى فقدانهم لأغلب أملاكهم وبيوتهم التي أصبحت مهجورة او قطن فيها النازحون من العمليات العسكرية وعمدوا على تغيير في البيوت والطبيعة الخضراء فيها وتحولت الى قرى نائية.
العديد من المعالم الدينية والثقافية والتي تمثل جزءًا مهمًا من التراث السرياني تعرضت للتدمير أو التهديد. إن داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة قامت بتدمير العديد من الكنائس، واعتبرت هذه الهجمات محاولة لمحو التراث الثقافي والديني للسريان الآشوريين.
الاستهدافات التي طالت الشعب السرياني الآشوري والضحايا والخطف والسبي:
ليلة 23-02-2015 شنّ التنظيم الإرهابي “داعش” هجوماً عنيفاً استهدف قرى الخابور الواقعة غرب مدينة الحسكة، وسيطر التنظيم على قرى تل شميرام وتل جزيرة وتل طال وتل هرمز وقبر شامية وتل باز وغيرها من القرى الواقعة على الضفة الجنوبية لنهر الخابور. واحتجز التنظيم أعداداً كبيرة من المدنيين الآشوريين المسالمين نتيجة وارتفاع وجريان منسوب مياه نهر الخابور بنفس ليلة الهجوم، وأسفر الهجوم عن سقوط عدد من الضحايا الآشوريين بين قتيل وجريح، كما تمّ اختطاف 259 مختطف بينهم عشرات النساء والأطفال والشيوخ من القرى الجنوبية المذكورة.
أدت المعارك المتواصلة إلى نزوح سكان القرى السريانية التي في شمال الخابور إلى مدينتي الحسكة والقامشلي. وتقدر أعداد النازحين بما يزيد على 1380 عائلة.
مظاهرة في اللاذقية تنديداً بتفجير كنيسة مار الياس
اللاذقية، سوريا – في وقفة خشوع وتأثر بعبارة نحن أبناء وطن واحد ، وبصوت يعلو بجملة ال…