‫‫‫‏‫3 أيام مضت‬

إحياء ذكرى سايفو في نيوجيرسي. من ضحايا إلى منتصرين

بقلم: ليا مقصي-سهدو 


“ماذا عساي أن أخبركم بما لا تعلمونه عن سيفو بالفعل؟” 
بهذه العبارة المؤثرة، استهلّ ريتشارد غزال، المدير التنفيذي لمنظمة الدفاع عن المسيحيين، كلمته في أمسية الذكرى السنوية الـ110 لمجازر سيفو، مُجسّدًا حجم الجرح الذي لا يزال نازفًا في ذاكرة شعبنا، رغم مرور أكثر من قرن. 

في السادس من حزيران لعام 2025، احتشد أبناء الجالية السريانية، ومن بينهم رشيد غزال، في كاتدرائية القديس مرقس للسريان الأرثوذكس بمدينة باراموس، نيوجيرسي، إحياءً لذكرى الإبادة التي عصفت بشعبنا عام 1915، والتي لم تقتصر على إزهاق الأرواح، بل استهدفت الثقافة واللغة والهوية.



لبّى الدعوة نيافة المطران ديونيسيوس يوحنا كواك، وأقيمت الصلوات والابتهالات، تلتها جلسة حوارية مؤثرة، ثم وقفة تأملية أُضيئت خلالها الشموع، كشهادة حية على أن الذاكرة أقوى من الفناء.

لقاء الرموز… لقاء الجراح 

في مشهد بالغ الرمزية، جلس المطران مسروب بارساميان، ممثل الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، إلى جانب السيد غزال، ليؤكدا من جديد وحدة الجرح والمصير بين الأرمن والسريان، أبناء النكبة الواحدة. وأعرب أحد الحاضرين عن شعوره العميق بالامتنان، قائلاً:
لم أكن أتخيّل أنني سأشهد يومًا وحدة شعبينا في حضرة سيفو… إنّه مشهد يبعث الفخر في القلب.”



الشهادة التي لا تموت 

ألقى المطران مسروب كلمة بعنوان: “إبادة عام 1915: شهادة في سبيل المسيح، تناول فيها البُعد الروحي للاستشهاد، مشيرًا إلى أن الكنيسة الأرمنية أعلنت شهداءها قديسين، فيما لم تصدر الكنيسة السريانية قرارًا مماثلاً، إلا أن الشهداء ظلّوا في وجدان الكنيسة “شهودًا للحق والإيمان”. وتجلّى هذا المعنى في الأيقونة التي زيّنت الكاتدرائية، حيث ظهرت “سحابة الشهداء” تحيط بالصليب، كمن اختار الموت على أن يُنكر عقيدته.



سيفو مستمرة… بلغة العصر 

أما السيد ريتشارد غزال، فانتقل بالحضور من المأساة التاريخية إلى الواقع الراهن، قائلاً بلهجة صارخة:
سيفو لم تنتهِ… إنها تُعاد كل يوم في أماكن متفرقة من العالم.”



واستعرض إحصائيات مرعبة؛ ففي نيجيريا وحدها، قُتل أكثر من 80 ألف مسيحي خلال العام الماضي فقط، على يد جماعات متطرفة. أما في العراق، فقد تقلّص عدد المسيحيين من 1.5 مليون قبل عشرين عامًا، إلى أقل من 150 ألف اليوم – نسبة انحدار تفوق 90%. 

من الوجع إلى التأثير 

لكن غزال لم يكتفِ بسرد المعاناة، بل طرح رؤيته لمستقبل المسيحيين في الشرق والمهجر، قائلًا:
وجودنا ليس عبئًا… بل هو ضرورة حضارية. لا يمكن تخيّل شرق أوسط بلا مسيحيين، تمامًا كما لا يمكن تخيّل أوروبا بلا فنونها أو آسيا بلا فلسفتها.” 

وشدد على ضرورة أن يخاطب الناشطون المسيحيون السياسيين بلغة المصالح والتأثير، وأن يُظهِروا حجم ما قدّمه المسيحيون عبر التاريخ من علوم وفنون وفكر. وأضاف:
لسنا بقايا شعوب… نحن صُنّاع حضارة.”



معركة الخطاب… تبدأ من الداخل 

في حديث خاص بعد الفعالية، قال غزال: 
“لقد تعوّدنا أن ننظر إلى أنفسنا بوصفنا ضحايا… وهذا ما يجب أن يتغيّر.” 

وأشار إلى أهمية تبنّي خطاب جديد، لا يقتصر على البكاء على الأطلال، بل يُعيد الاعتبار للهويّة المسيحية المشرقية كمصدر قوة وفخر وإبداع. 

وانتصر الشهداء…. 

وفي ختام كلمته، أطلق غزال عبارة اختزلت كل ما سبق:
شهداء سيفو لم يكونوا ضحايا… بل كانوا منتصرين. انتصروا لأنهم لم يُفرّطوا بإيمانهم، ولم يُساوموا على هويّتهم.”


 


إرثٌ لا يُمحى 

عندما أُطفئت الأنوار وأُضيئت الشموع، بدا أن الزمن قد توقّف، وارتفع صوت واحد فقط في المكان: صوت الحقيقة.
تلك الحقيقة التي تقول إن من ماتوا لم يغيبوا، وإن سيفو لم تكن خاتمة وجودنا، بل بداية معركتنا مع النسيان. 

إنّ تذكر سيفو ليس فعلًا عاطفيًا فقط، بل هو موقف وجودي. إنه وقفة أمام المرآة، نتأمل فيها من نحن، وماذا خسرنا، وماذا يجب أن نستعيد. 

فدماء الشهداء لم تكن نهاية، بل بذرة حياة. وما دمنا نحمل هذا الإرث في ضمائرنا، فلن نُمحى
بل سنبقى، كالصليب الذي صمد فوق الأطلال. 

“لسنا مجرد أحفاد ناجين… بل نحن امتداد لرسالة، وصدى لقديسين، وأمل يتجدد.”

وهذا هو إرث سيفو الحقيقي.

fgd


 

‫شاهد أيضًا‬

تكريم باحث أسهم في كشف إحدى الإبادات الجماعية المنسية

يريفان – في لحظة طال انتظارها من الاعتراف العلمي والإنساني، منحت مؤسسة متحف الإبادة الجماع…