‫‫‫‏‫يومين مضت‬

الدكتور مايكل روبن خلال جلسة استماع في الكونغرس الأمريكي: “إنكار الإبادة الجماعية يُسهم في تكرارها”

واشنطن العاصمة — خلال جلسة استماع عقدها الكونغرس يوم الخميس، وجّه الدكتور مايكل روبن، الزميل البارز في معهد أمريكان إنتربرايز ومدير تحليل السياسات في منتدى الشرق الأوسط، تحذيراً صارخاً: إن إصرار تركيا المستمر على إنكار الإبادة الجماعية للأرمن ليس مجرد إهانة للتاريخ، بل يُعد بمثابة مخطط لاستمرار اضطهاد الأقليات الدينية. 

مخطط للاضطهاد 

قال الدكتور روبن بصوت قوي داخل قاعة الاستماع: “إنكار الإبادة الجماعية يُسهم في تكرارها”. ورسم صورة قاتمة لأمة يهدف إنكارها الرسمي للمجازر الجماعية التي وقعت بين عامي 1915 و1923 إلى تبييض هذه الجرائم، وفي الوقت ذاته وضع الأساس الأيديولوجي لحملات جديدة من محو الهوية الثقافية. 

وأضاف: “تركيا تجرؤ حتى على المطالبة بأن يكون كل بطريرك مسكوني (من القسطنطينية) مواطناً تركياً”. وتابع قائلاً: “هذا يشبه القول إن البابا ليو الرابع عشر لا يُعترف به كونه ليس أمريكياً”. 

وأشار الدكتور روبن إلى إغلاق معهد خالكي اللاهوتي — الذي أغلقته أنقرة منذ خمسين عاماً — باعتباره رمزاً لهذه الاستراتيجية، محذّراً: “من دون معهد خالكي… لا يمكن للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية تدريب الكهنة محلياً”. ولفت إلى أنه إذا استمر الرئيس رجب طيب أردوغان في إبقاء المعهد مغلقاً، فإن المسيحية الأرثوذكسية في مهدها التاريخي قد تختفي قبل حلول الذكرى المئوية الثانية لتأسيس الدولة التركية في عام 2035. 

ربط الدكتور روبن بين ما يحدث حالياً وبين ما تعرّضت له الجالية المسيحية الأرمنية في ناغورنو كاراباك ،التي تمتد جذورها إلى 1700 عام، من تدمير شبه كامل في وقت سابق من هذا العام، محذّراً من أن هذه الأحداث تشكّل جزءاً من نمط منهجي يستهدف طمس الهوية الثقافية والدينية.



من الفظائع التاريخية إلى الاضطهاد المعاصر 

ذكّر الدكتور روبن أعضاء الكونغرس بأنه قبل الحرب العالمية الثانية، ساهم اعتراف ألمانيا بالمحرقة واستثمارها في التعليم العام في حصر أيديولوجية النازية الجديدة في هامش المجتمع. وقال: “أما في تركيا، فإن الإنكار يعني أن أيديولوجية التعصب والكراهية التي أدّت إلى الإبادة الجماعية للأرمن لا تزال شرعية وسائدة، ويتبناها ليس فقط أردوغان، بل أيضاً نخب تركيا السياسية والثقافية”. 

وأشار إلى العفو الأخير والاحتفال العلني بقاتل الصحفي التركي الأرمني هرانت دينك، الذي اغتيل عام 2007، كمثال مرعب على استمرار هذا التعصب. 

وحث الدكتور روبن الكونغرس على استخدام نفوذه في اتفاقيات التجارة والدفاع. وأكد أن على الولايات المتحدة ألا تكرر خطأ فصل حقوق الإنسان عن السياسة التجارية، كما حدث مع الصين، بل يجب أن تُلزم تركيا بأعلى المعايير. 

كما دعا إلى إجراء دراسات رسمية — يتم تكليفها عبر مكتب المساءلة الحكومية أو خدمة الأبحاث التابعة للكونغرس — لفحص الطريقة التي تصوّر بها المناهج التعليمية التركية الأرمن، واليونانيين، والسريان (الآراميين–الآشوريين–الكلدان)، وغيرهم من المجتمعات المسيحية التاريخية. 

تشريع مدعوم من اللجنة الوطنية الأرمنية الأمريكية ANCA يهدف إلى التوعية 

تعمل جماعات الضغط الأرمنية الأمريكية بسرعة لتحويل الزخم الناتج عن جلسة الاستماع الأخيرة إلى خطوات تشريعية ملموسة. فقد أعلنت اللجنة الوطنية الأرمنية الأمريكية (ANCA) دعمها لمشروع القانون H.R. 2585، الذي قدّمه في مجلس النواب الأمريكي كل من النواب دينا تيتوس (ديمقراطية – نيفادا)، ديفيد فالادايو (جمهوري – كاليفورنيا)، تيد ليو (ديمقراطي – كاليفورنيا)، وغوس بيليراكيس (جمهوري – فلوريدا). 

ينص مشروع القانون المقترح على تخصيص 10 ملايين دولار على مدى خمس سنوات لتطوير وتوزيع مواد تعليمية على الطلاب الأمريكيين تتناول الإبادات الجماعية التي ارتُكبت في الحقبة العثمانية بحق الأرمن، واليونانيين، والآشوريين، والكلدان، والسريان، والآراميين، والمسيحيين الموارنة بين عامي 1915 و1923. 

وقال المدير التنفيذي لـ ANCA، آرام هامباريان: “إن تكريم الحقيقة حول هذه المآسي أمر ضروري، ليس فقط من أجل الدقة التاريخية، بل أيضاً للمساعدة في منع حدوث فظائع مستقبلية”. وقد فعّلت شبكة ANCA الشعبية بالفعل آلاف الرسائل الموجهة إلى أعضاء الكونغرس، لحثهم على تمرير مشروع القانون قبل عطلة الصيف. 

اختبار للسياسة الأمريكية 

تأتي جلسة الاستماع في وقت حاسم من العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. فقد ازدادت تركيا تقاربًا مع روسيا وإيران في قضايا الأمن الإقليمي، في حين تسعى إدارة ترامب للحصول على تعاون تركيا في تطبيق قوانين الهجرة وممرات نقل الطاقة. ويؤكد نشطاء حقوق الإنسان أن أي شراكة استراتيجية مع تركيا يجب أن تكون مشروطة بتحقيق تقدم ملموس في حرية الأديان وحقوق الإنسان. 

أكد الدكتور روبن أن تركيا تجاوزت بالفعل الخط الفاصل وأصبحت راعية للإرهاب، مشيرًا إلى تساهل أنقرة مع عمليات حركة حماس على أراضيها وتصاعد خطابها العدائي ضد المواطنين اليهود في إسرائيل. وقال: “إذا كانت تصنيفات وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب تحظى بأي مصداقية، فلا بد أن تشمل تركيا”. 

نظرة إلى المستقبل 

في الوقت الذي ينظر فيه الكونغرس في مشروع قانون التعليم المدعوم من اللجنة الوطنية الأرمنية الأمريكية (ANCA) وإجراءات أوسع لربط معايير حقوق الإنسان بالتعاون التجاري والأمني مع الولايات المتحدة، تسلط كلمات الدكتور روبن الضوء على حقيقة خالدة: مواجهة الأكاذيب حول الماضي ليست مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة عملية لحماية المجتمعات الضعيفة اليوم. 

وبالنسبة للملايين من الأرمن وغيرهم من أحفاد الأقليات المسيحية التي كانت موجودة خلال الحقبة العثمانية، فإن الاعتراف بمعاناة أجدادهم لا يحمل بعداً رمزياً فحسب، بل يُعد خطوة حاسمة نحو المساءلة والمصالحة، وتحقيق الأمل الدائم بأن عبارة “لن يتكرر ذلك أبداً” تصبح أكثر من مجرد شعار. 

‫شاهد أيضًا‬

تكريم باحث أسهم في كشف إحدى الإبادات الجماعية المنسية

يريفان – في لحظة طال انتظارها من الاعتراف العلمي والإنساني، منحت مؤسسة متحف الإبادة الجماع…