تقرير حقوقي يوثق جرائم مرتزقة الاحتلال في عفرين المحتلة
عفرين، سوريا — كشف تحقيق مشترك موسّع أجرته شبكة سي ان ان بالتعاون مع “جمعية ليلون للضحايا”، عن اتهامات خطيرة تطال مسؤولين رفيعي المستوى في القيادة العسكرية الجديدة بسوريا، متورطين في جرائم حرب ارتُكبت خلال سنوات الاحتلال التركي لمنطقة عفرين ذات الغالبية الكردية شمالي البلاد.
يعتمد التقرير، الذي نُشر هذا الأسبوع، على شهادات حصرية من ناجيات، وصور مهرّبة من مراكز احتجاز سرية، إضافة إلى أرشيف يوثق انتهاكات حقوق الإنسان جُمعت على مدار سنوات. ويوثّق نمطًا ممنهجًا من الانتهاكات، بما في ذلك الخطف، والتعذيب، والعنف الجنسي، نفذتها مجموعات مسلحة كان يقودها أفراد يتولون اليوم مناصب عليا في ما يُعرف بـ”الجيش الوطني السوري”، المدعوم من الحكومة الانتقالية.
ويتمحور التحقيق حول سيف الدين بولاد، المعروف باسمه الحركي “أبو بكر”، القائد السابق في “فرقة الحمزة” المدعومة من تركيا. وعلى الرغم من خضوعه لعقوبات أميركية وأوروبية بسبب انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان، فقد عُيِّن مؤخرًا قائداً لتشكيل عسكري بارز في محافظة حلب، كبرى المحافظات السورية من حيث عدد السكان. وقالت لونجين عبدو، المديرة التنفيذية لجمعية ليلون وأحد المساهمين الرئيسيين في التحقيق:
“هذا إهانة لمعاناتنا. هذا يعني أن ألمي، وألم من احتُجزن وتعرّضن للاعتداء معي، لا يُحتَرَم.”
عبدُو، البالغة من العمر 29 عامًا، اضطرت إلى الفرار من سوريا بعد أن أمضت سنوات في الاعتقال على يد مقاتلين من فرقة الحمزة، وتعرضت خلال تلك الفترة للتعذيب وسوء المعاملة. ومن منفاها، ساهمت في تأسيس شبكة من الناجيات والمدافعين عن حقوق الإنسان، بهدف توثيق الانتهاكات والسعي لتحقيق العدالة.
نمط من الانتهاكات… يقابله الترقي
جاء في تقرير سي ان ان، المعنون “نساء يروين انتهاكات مزعومة على يد قادة ميليشيات باتوا في السلطة”، أن نساء من عفرين ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة فصائل مدعومة من تركيا تعرّضن للعنف الجنسي والتعذيب النفسي، داخل سجون سرية تابعة لفصائل انضوت لاحقاً تحت مظلة “الجيش الوطني السوري”، الذي أُدمِج في هيكل الدولة العسكرية ما بعد الحرب.
ومن بين أبرز هذه الفصائل، “فرقة السلطان سليمان شاه” المعروفة بـ”العمشات”، بقيادة محمد الجاسم، الملقب بـ”أبو عمشة”. وقد انسحب هذا الفصيل مؤخراً من ناحية شيخ الحديد في عفرين بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية وورود تقارير عن استخدام مفرط للقوة ضد المدنيين.
وبادرت السلطات المحلية، بقيادة مسؤول المنطقة مسعود بطال، إلى تعزيز صلاحيات قوى الأمن المدني، وافتتاح مكاتب لتلقّي شكاوى المواطنين ومساعدتهم على استرداد ممتلكاتهم المصادرة. ومع ذلك، لا تزال مخاوف الناجين من غياب العدالة قائمة.
“دمج أمراء الحرب الخاضعين لعقوبات دولية في مؤسسات الدولة يبعث برسالة مرعبة: أن السلطة تتفوّق على المحاسبة”، تحذّر عبدو.
من الاحتلال إلى إعادة الدمج
احتلت القوات التركية والفصائل السورية المتحالفة معها منطقة عفرين عام 2018 خلال عملية “غصن الزيتون”، ما أسفر عن تهجير عشرات الآلاف من السكان الكُرد. وخلال السنوات اللاحقة، وثّقت منظمات دولية ومحلية انتهاكات واسعة ضد المدنيين، شملت التهجير القسري، والنهب، والاعتقال التعسفي، غالباً على يد فصائل مرتبطة بالاستخبارات التركية.
ويعتمد تحقيق سي ان ان –ليلون على روايات مباشرة من نساء احتُجزن في مواقع سرية، وصفن فيها تعرضهن للاغتصاب، والضرب، والإذلال النفسي. وقد ساهم العديد من هؤلاء الناجيات، واللواتي يعشن الآن في المنفى، في جمع الأدلة والشهادات المصورة المستخدمة في التقرير.
ورغم توافر هذا الكمّ من التوثيق، إلا أن العديد من الأشخاص المتورطين في الانتهاكات أو الذين أشرفوا عليها، يشغلون حالياً مناصب رسمية ضمن هيكلية الجيش السوري في مرحلة ما بعد النزاع.
خطر على العدالة الانتقالية
تأتي نتائج هذا التحقيق في لحظة سياسية حرجة تمرّ بها سوريا، إذ أعقبت سقوط الديكتاتورية العام الماضي ونهاية أكثر من عقد من الحرب الأهلية. وكان الرئيس المؤقت، أحمد الشرع، قد تعهّد بإصلاحات جذرية تشمل احترام حقوق الإنسان، والحكم الديمقراطي، وضمان عودة النازحين، لا سيما من عفرين.
لكن تلك الوعود باتت الآن عرضة لشكوك جدية.
إذ يرى منتقدون أن تعيين شخصيات مثل بولاد في مناصب عسكرية عليا، رغم تاريخهم المرتبط بالفظائع، يُقوّض الأسس التي أعلنت الحكومة الانتقالية التزامها بها.
“هذا يهدد كامل مشروع المصالحة الوطنية ما بعد الحرب”، تقول عبدو. “لا يمكن بناء مستقبل سلمي على أساس جرائم لم يُحاسب مرتكبوها.”
منذ تأسيسها، عملت جمعية ليلون على جمع شهادات الضحايا وتقديمها للهيئات الدولية، على أمل محاسبة الجناة في المستقبل. إلا أن العدالة القضائية لا تزال بعيدة المنال حتى اليوم.
“لا عدالة بلا محاسبة”
مع سعي سوريا إلى إعادة الإعمار والانفتاح على المجتمع الدولي، تتزايد المخاوف من أن يُضحّى بالعدالة في سبيل حسابات سياسية.
“خطر الإفلات من العقاب حقيقي”، حذّرت جمعية ليلون في بيان رسمي. “تعيين أشخاص متهمين بارتكاب جرائم حرب في مناصب رسمية يهدد شرعية أي حكومة مستقبلية، ويقوّض ثقة الضحايا والمجتمعات التي عانت ويلات الحرب.”
وبينما بدأت بعض الناجيات بكسر حاجز الصمت والتحدث علنًا — رغم ما قد يترتب على ذلك من مخاطر — لا تزال هناك آمال بأن تؤدي هذه الشهادات إلى وعي أوسع، وربما مساءلة حقيقية.
“سنواصل الحديث”، تقول عبدو. “لأن الصمت يعني الاستسلام للقوى التي أرادت تحطيمنا.”
جهود إخماد حرائق اللاذقية مستمرة.. والإدارة الذاتية تسيّر قافلة دعم نحو مناطق الحرائق
اللاذقية، سوريا — لاتزال الحرائق التي اندلعت في مدينة اللاذقية، الخميس الفائت، والتي اجتاح…