تكريم باحث أسهم في كشف إحدى الإبادات الجماعية المنسية
يريفان – في لحظة طال انتظارها من الاعتراف العلمي والإنساني، منحت مؤسسة متحف الإبادة الجماعية الأرمنية ميدالية جيمس برايس التذكارية للمؤرخ السويدي البارز البروفيسور ديفيد غاونت، أحد أبرز المتخصصين في دراسة الإبادات الجماعية التي طالت الأقليات المسيحية في أواخر العهد العثماني.
جاء هذا التكريم في ختام مؤتمر دولي عقد في العاصمة الأرمنية يريفان من 29 إلى 31 مايو 2025، بمناسبة الذكرى الـ110 للإبادة الجماعية الأرمنية، تحت عنوان:
“قرن من دراسات الإبادة الجماعية الأرمنية: الإرث، التحديات، والمستقبل.”
وشارك في المؤتمر 51 باحثًا من مختلف أنحاء العالم، ناقشوا فيه مئة عام من الأبحاث حول المجازر التي استهدفت الأرمن، والسريان، واليونانيين خلال الحرب العالمية الأولى.
الاعتراف بمن لم يُنصفهم التاريخ
نال غاونت، أستاذ التاريخ الفخري في جامعة سودرتورن بالسويد، التكريم إلى جانب المؤرخين البارزين الدكتور ريمون كيفوركيان) جامعة السوربون) والدكتور محمد بولاتيل (مؤسسة هرانت دينك). ويأتي هذا الوسام تقديرًا لعقود من العمل الأكاديمي المتين والملتزم بتوثيق الإبادة الجماعية التي طالت السريان المسيحيون، والتي تُعرف بلغتهم بـ “سيفو”، أي “السيف”.
في كتابه المرجعي الصادر عام 2006 بعنوان:
“المجازر، المقاومة، الحماة: العلاقات الإسلامية-المسيحية في شرق الأناضول خلال الحرب العالمية الأولى”، اعتمد غاونت على مصادر أرشيفية روسية، تركية، وغربية، إضافة إلى شهادات شهود عيان، ليكشف عن أنماط ممنهجة من العنف، والتحول الديني القسري، والمحو الثقافي، التي تشابهت بشكل كبير مع ما تعرض له الأرمن، خاصة في مناطق أورميا، وحقاري، وطور عبدين.
قال المطران مور بوليكاربوس أيدين، من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في هولندا، في تهنئته العلنية:
“لقد منح بحثه صوتًا لشعب تم تهميشه طويلًا في السرد التاريخي… وهذا التكريم المستحق يعيد الاعتبار لذاكرة فصل طال طمسه من التاريخ.”
مصير مشترك تحت نفس السيف
رغم أن الإبادة الجماعية الأرمنية حظيت باعتراف أوسع، فإن أبحاث غاونت تسلط الضوء على المصير المشترك الذي عاشه الأرمن والسريان في شرق الأناضول. كلا الشعبين تعرض للتهجير القسري، والمجازر، والاضطهاد الثقافي، على يد نظام “الاتحاد والترقي” العثماني.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 500 ألف من أصل 700 ألف السريان كانوا يعيشون في الدولة العثمانية، قد قُتلوا، أُجبروا على التحول الديني، أو تم محو وجودهم من السجلات التاريخية. وقد أسهمت أبحاث غاونت في تسليط الضوء على هذه الإبادة المنسية، التي تُعتبر اليوم من قبل العديد من المؤرخين “إبادة متزامنة” مع الإبادة الأرمنية.
إحياء إرث اللورد برايس
تحمل الميدالية اسم اللورد جيمس برايس، المؤرخ والقاضي البريطاني الذي كان من أوائل الشخصيات الغربية التي نددت علنًا بالمجازر التي استهدفت الأرمن والمسيحيين خلال الحرب العالمية الأولى. ويُعد كتابه الشهير “الكتاب الأزرق” (1916)، الذي أعده بالشراكة مع المؤرخ أرنولد توينبي، وثيقة أساسية في أرشيف دراسات الإبادة الجماعية.
لكن الباحثة الألمانية غابرييله يونان كشفت أن النسخة الأصلية للكتاب كانت تتضمن فصولًا عن الإبادة السريانية، غير أن تلك المقاطع حُذفت لاحقًا من النسخ البريطانية والفرنسية – ما يعكس نمطًا من التهميش المتعمد في التوثيق التاريخي.
وبمنحها لغاونت “ميدالية جيمس برايس”، تبدو مؤسسة متحف الإبادة الجماعية الأرمنية وكأنها تسعى إلى تصحيح هذا الإغفال التاريخي، وتأكيد أهمية الاعتراف الشامل بضحايا كل الجماعات المتضررة.
نحو اعتراف أوسع
ورغم أن الإبادة السريانية (سيفو) بدأت تحظى باهتمام متزايد في الأوساط الأكاديمية، إلا أن الاعتراف الرسمي والسياسي الدولي لا يزال محدودًا. فمعظم الدول التي اعترفت بالإبادة الأرمنية لم تشمل في قراراتها ما تعرض له السريان واليونانيون من فظائع مماثلة.
ومع ذلك، يواصل مؤرخون أمثال غاونت، ومؤسسات كـ مؤسسة متحف الإبادة الجماعية الأرمنية، دفع عجلة التوثيق والاعتراف قدمًا — خطوة بخطوة، وسطرًا بعد آخر.
نسخة نادرة من التوراة تختفي في العراق
كرخسلوخ (كركوك) – في واقعة مثيرة للجدل، أعلنت دائرة الآثار في العراق عن فقدانها كتاب أثري…