‫‫‫‏‫3 أسابيع مضت‬

توترات مستمرة في الحي الأرمني بالقدس وسط معارك عقارية ونزاعات ضريبية

 يعتمد هذا المقال على تقارير صوفي هولواي لمجلة لاكونا (Lacuna Magazine) و ماريانيلا بانديني لوكالة الأنباء الكاثوليكية (Catholic News Agency).


القدس – في أزقة الحي الأرمني بالقدس، تتصارع جماعة عمرها قرون حول مستقبل حييها التاريخي. كان الحي محمياً سابقًا بكنائس مزخرفة بأقواس وسلطة صامتة لكاتدرائية القديس يعقوب للأرمن، لكنه يواجه الآن ما يسميه السكان “معركة وجودية” بين عائلات محلية ونشطاء من جهة، ومطوري عقارات، وسلطات البلدية، وما يقولون إنه تجاهل حكومي ضمني من جهة أخرى. 

 صفقة خفية هزّت الحي 

في مارس 2020، وقعت البطريركية الأرمنية عقد إيجار لمدة عشر سنوات مع بلدية القدس، سمح بموجبه لسائقي سيارات غير أرمن باستخدام 90 موقفاً للسيارات في قطعة أرض عشبية تُعرف باسم “حديقة البقر”. بدا الاتفاق ظاهريًا غير مؤذ — “أماكن الوقوف كالذهب بسبب ندرتها”، كما شرح الناشط كيغام باليان لاحقًا — لكن العقد تضمن شرطًا يسمح للبلدية بإلغاء الإيجار إذا أبدى مطور عقاري اهتمامًا بالموقع.

وقد استُخدم هذا الشرط بسرعة في العام التالي، عندما وقع البطريرك نورهان مانوكيان واثنان من كبار رجال الدين، المطران سيفان غاريبيان والأب باريت يريتزيان، عقد إيجار فرعي لمدة 98 عاماً مع شركة “زانا جاردنز” (Xana Gardens Ltd) الإسرائيلية، مقابل دفعة أولى قدرها مليونا دولار وإيجار سنوي 300 ألف دولار. أعلنت “زانا جاردنز” على الفور خططها لبناء فندق فاخر من فئة سبع نجوم، ما هدد بتحويل شوارع الحي الضيقة وتهجير العائلات الساكنة في تلك القطعة.

من الغضب إلى الاحتلال 

 أطلقت الصفقة السرية موجة احتجاجات. وفي غضون أشهر تم فصل وتجريد الأب يريتزيان من كهنوته. حاولت البطريركية الابتعاد عن الصفقة، مدعية أن مانوكيان قد تم “خداعه”، بينما أصر يريتزيان على أنه حصل على تفويض كنسي كامل. 

في أكتوبر 2023، وبعد ضغوط متزايدة، أرسلت الكنيسة خطاب إلغاء إلى “زانا جاردنز” — لكن الضرر كان قد وقع. في 5 نوفمبر 2023، اقتحم ممثلو المطور العقاري، مدعومين من ميليشيات مستوطنين وكلاب، “حديقة البقر” مطالبين بالدخول. 

كان السكان يحرسون الموقع في مناوبات ليلية مستمرة، متنقلين في خيام مؤقتة. وتزايد عددهم ليصل إلى المئات في احتلال مستمر لعدة أيام، مزودين بأرائك ومحمصات وثلاجات كرموز للتحدي والتضامن المجتمعي.


أعضاء المجتمع الأرمني في القدس يحتجون على صفقة عقارية مثيرة للجدل في يوليو 2023. (Image: Maya Alleruzzo / AP Photo)

 الجبهة القانونية

 في فبراير 2024، قدم قادة الأرمن المحليون دعوى قضائية جماعية في محكمة القدس الإقليمية للطعن في عقد الإيجار مع “زانا جاردنز”. تستند قضيتهم على ثلاثة حجج: أولاً، تحظر قوانين البطريركية عقود الإيجار التي تزيد عن 48 عاماً؛ ثانياً، يجب أن يوافق أخوية القديس يعقوب على أي إيجار يمتد من 25 إلى 49 عاماً، وهو ما لم يحدث؛ ثالثاً، ينص قانون الوقف من القرن السادس عشرعلى أن تعود ممتلكات الحي إلى المجتمع الأرمني المسيحي في حال عدم وجود ورثة. 

ردت “زانا جاردنز” بدعوى مضادة في سبتمبر 2024 لإنفاذ العقد، مما يمهد الطريق لجلسة استماع كبرى مقررة في سبتمبر 2025.

نزاع ضريبي على “أرنونا”

 بينما يتصارع الحي مع تهديدات على أرضه، يواجه أيضًا أزمة مالية. فمنذ يناير 2023، طالبت بلدية القدس البطريركية بدفع حوالي 21 مليون شيكل إسرائيلي (حوالي 5.7 مليون دولار) كضرائب على عقارات “أرنونا” بعضها مؤجر للبلدية نفسها، وكانت معفاة تاريخيًا من هذه الضرائب. يؤكد المطران كوريون باغداساريان، الذي تسلم محفظة العقارات في يناير 2023، أن كثيرًا من الفواتير غير مبررة، مشيرًا إلى أن البلدية نفسها مدينة للكنيسة بأكثر من 10 ملايين شيكل مستحقة للإيجار منذ 2017. وقد أوقفت المحكمة الابتدائية إجراءات الحجز، لكن الجلسات تأجلت عدة مرات بسبب سوء الأحوال الجوية وردود الفعل العامة، تاركة البطريركية في حالة انتظار. 

 المضايقات اليومية ومخاوف ديموغرافية

 خارج أروقة المحاكم وقاعات المجالس، يروي السكان الأرمن تعرضهم لمضايقات يومة: جدرانٌ مُشوّهة بكتابات “الموت للأرمن”، رجال دينٍ يُبصق عليهم ويُرشّون بغاز الفلفل، ومحتجون سلميون وُصفوا بـ”الإرهابيين” من قبل الشرطة عندما واجهوا مستوطنين متطرفين. “يقولون ‘غوييم’ (كلمة تحقيرية لغير اليهود)، ويقولون ‘الموت للعرب'”، يقول كيغام باليان. “رجال الدين أهدافٌ سهلة بثيابهم الكهنوتية.” 

 حتى مسابقة الأغنية الأوروبية لم تسلم، وليس بسبب الجدل المعروف عن مشاركة إسرائيل. خلال البث، قال مذيع إسرائيلي بعد أداء أرمينيا: “لا أصدق أننا أعطينا حيًا كاملاً في القدس لهؤلاء الناس.”  

يرى كثيرون أن هذه الأعمال هي جزء من استراتيجية أوسع تعود إلى عام 1967، هدفها هندسة ديموغرافية في شرق القدس — إخلاءات، هدم، وغموض قانوني يسعى لتقليل التواجد المسيحي والعربي لصالح الاستيطان اليهودي.



 التضامن الدولي وأُفُق غير واضح

 لتمويل الرسوم القانونية واستمرار احتلال “حديقة البقر” الذي تجاوز 500 يوم، لجأ النشطاء إلى مؤسسة تاتويان للقانون والعدالة وجابوا مدن الولايات المتحدة، مؤمنين دعمًا من الكونغرس بكلا الحزبين. في فبراير 2024، أصدر البطاركة ورؤساء الكنائس في القدس بيانًا مشتركًا يدين صفقة “زانا جاردنز” ومطالبات “أرنونا” واصفين إياها بـ”الخطوات الطائشة” التي تعرض المؤسسات المسيحية في الأرض المقدسة للخطر. 

ومع ذلك، يبقى المدافعون عن الحي حذرين. إذا نجا عقد الإيجار طويل الأمد من التدقيق القضائي، قد يغير التطوير المدفوع بالسياحة طابع الحي إلى الأبد ويطرد من ظلوا من سكانه لآلاف السنين. وإذا أُلغيت الإعفاءات الضريبية، قد يخسر المجتمع إيرادات الخدمات الاجتماعية الحيوية. “هذه ليست صفقة أرض فقط؛ إنها معركة من أجل حياتنا — ومن أجل روح القدس المسيحية” ، يقول باليان. 

مع بقاء تواريخ المحكمة الكبرى بعد نصف عام، يستمر الجمود في المحاكم وعلى أحجار القدس القديمة. لمستقبل الحي الأرمني، ولسجل المدينة المتعدد الثقافات، لا تزال الآفاق مجهولة. 


‫شاهد أيضًا‬

الرئاسة المشتركة للاتحاد السرياني الأوروبي تجري سلسلة زيارات في العراق

سهل نينوى، بيت نهرين — خلال زيارتها إلى العراق، قامت الرئيسة المشتركة للاتحاد السرياني الأ…