بين الأمل والانقراض: تحذير من زوال الوجود المسيحي في سوريا خلال المرحلة الانتقالية ما بعد الأسد
في فعالية دولية مرموقة نظّمتها منظمة Coptic Solidarity تحت عنوان “العدالة، الانتقال، وحرية الدين في الدول الخارجة من النزاع”، ألقى السياسي والمدافع عن حقوق الإنسان بسّام إسحق كلمة مؤثّرة حول مستقبل المجتمعات المسيحية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وخلال المرحلة الانتقالية الجارية بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع.
الكلمة التي حملت عنوان “مسيحيو سوريا في مرحلة ما بعد الأسد: بين الأمل واللايقين”، كانت بمثابة نداء صريح وتحذير جدّي من خطر اندثار أقدم المجتمعات المسيحية في العالم، ما لم يتم اتخاذ خطوات عاجلة لحمايتها وضمان حقوقها.
“نُظر إلينا كأقلية محميّة، لكن داخل سجن الأسد”
في مستهل كلمته، رفض إسحق الرواية الشائعة التي تصوّر المسيحيين كأقلية متميزة خلال حكم الأسد. وأوضح أن الحماية التي وفّرها النظام لم تكن مبنية على مواطنة متساوية، بل على الولاء السياسي للنظام، وأن تلك الحماية كانت مشروطة وتم توظيفها كأداة دعائية.
وأضاف أن سقوط النظام جلب شعورًا مزدوجًا لدى المسيحيين: الارتياح لانهيار آلة القمع، والقلق من الفراغ الأمني والسياسي الذي تركهم في مواجهة المجهول، خصوصًا في ظل غياب ضمانات حقوقية حقيقية.
المرحلة الانتقالية: وعود رمزية في مواجهة تحديات واقعية
انتقل إسحق في كلمته لتقييم المرحلة الانتقالية بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع. وأشار إلى خطوات رمزية إيجابية، مثل تعيين شخصيات مسيحية في المجلس الانتقالي، والتصريحات الرسمية المؤكدة على التعددية الدينية، والتوجه نحو إصلاح دستوري.
لكنّه شدد على أن الرمزية لا تكفي. فالمجتمعات المسيحية اليوم تواجه أربعة تحديات رئيسية:
1. الفراغ الأمني: في عدد من القرى المسيحية، خاصة في ريف حمص وحلب، تفاقمت التهديدات الطائفية وجرائم النهب، ما تسبب بموجات جديدة من النزوح الداخلي.
2. التمثيل السياسي: لا تزال مشاركة المسيحيين في المؤسسات الأمنية والإدارية ضعيفة. وأشار إسحق إلى الحاجة لتشكيل شرطة محلية مسلحة من أبناء المجتمعات المسيحية في المناطق ذات الأغلبية المسيحية، لبناء الثقة وتحقيق المواطنة الفعلية.
3. العودة وإعادة الإعمار: لا تزال أغلبية المسيحيين المهجّرين، خصوصًا من اللاجئين في لبنان وأوروبا وأميركا الشمالية، مترددة في العودة بسبب غياب الأمن والاستقرار القانوني.
4. الفراغ القانوني: ما لم يتم إقرار دستور جديد يضمن الحقوق الدينية وحقوق الملكية، ويكرّس استقلال القضاء، فإن المسيحيين مهددون بـ “التطهير الناعم” من خلال التهميش المؤسسي والاستبعاد التدريجي.
جيل جديد من المواطنين الفاعلين
رغم التحديات، أكد إسحق أن المسيحيين في سوريا ليسوا ضحايا صامتين. بل نشأ جيل جديد من الشبان المسيحيين، تكوّن وعيه في ظل الحرب والمنفى، ويسعى اليوم إلى المواطنة الفاعلة.
وأشار إلى مبادرات تقودها منظمات مجتمع مدني مسيحية، ومبادرات حوار بين الأديان، وجهود لصياغة مواثيق محلية عادلة تكفل حرية الإيمان، والمساواة في الحقوق، وحماية الأقليات.
توصيات عاجلة لمستقبل آمن ومتعدد
في ختام كلمته، قدم إسحق أربع توصيات محورية لإنقاذ ما تبقى من الحضور المسيحي الأصيل في سوريا:
1. ضمانات دستورية واضحة لحرية الدين والمواطنة المتساوية، وحماية التراث المسيحي ومؤسساته.
2. تمثيل سياسي فعّال ومتوازن للأقليات الدينية، لا سيما في المجالس المحلية.
3. برامج دولية آمنة ومحايدة لتشجيع عودة المهجرين، مع دعم المجتمعات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني.
4. عملية وطنية للحقيقة والمصالحة تشمل روايات ومعاناة المسيحيين، كما تشمل معاناة بقية السوريين في سنوات الحرب.
“بقاء المسيحية في سوريا”، ختم إسحق، “ليس مسألة دينية فحسب، بل اختبار أخلاقي لقدرة سوريا على أن تصبح دولة لجميع أبنائها”.
ونقل عن طالبة قانون شابة التقاها خلال زيارته لشمال شرق سوريا العام الماضي قولها:
“ما عدنا نريد أن نسمع عن الديمقراطية. الحروب شوّهت هذا المفهوم. نريد أن يسمع العالم أننا نشتاق للعدالة، للمساواة، للكرامة التي خلقنا الله بها جميعًا”.
في هذه اللحظة الدقيقة من التاريخ السوري، يقف مستقبل المسيحيين في سوريا بين الأمل والانقراض، والقرار لا يزال بيد السوريين أولًا، وبيد المجتمع الدولي الذي يدّعي الدفاع عن الحريات الدينية.
جهود إخماد حرائق اللاذقية مستمرة.. والإدارة الذاتية تسيّر قافلة دعم نحو مناطق الحرائق
اللاذقية، سوريا — لاتزال الحرائق التي اندلعت في مدينة اللاذقية، الخميس الفائت، والتي اجتاح…