فريد إلياس نزها: رائد الصحافة السريانية ومناضل القومية السريانية
فريد إلياس نزها، أيقونة سريانية، يُعدّ واحدًا من أبرز الشخصيات التي أضاءت دروب الوعي القومي والأدبي للأمة السريانية. وُلد عام 1894 في مدينة حماة السورية، حيث تلقى علومه الأولية في مدارس الكنيسة السريانية. لكن خلافًا بين والده وإدارة المدرسة دفعه لمغادرتها، فعكف على المطالعة الذاتية في المنزل، مما شكّل أساسًا معرفيًا صلبًا لمسيرته الفكرية.
الهجرة إلى الأرجنتين والبدايات الأدبية
في عام 1911، هاجر فريد إلى الأرجنتين بحثًا عن آفاق جديدة، وهناك درس العلوم الحسابية، مُظهرًا شغفًا بالتعلم والتطوير. بحلول عام 1922، انضم إلى جمعية “زهرة الإحسان السريانية”، ليبدأ رحلته في عالم الصحافة القومية. في العام نفسه، أسس مجلة “الجامعة السريانية”، التي أصبحت منبرًا رئيسيًا لأدباء الأمة السريانية، ولعبت دورًا محوريًا في إيقاظ الوعي القومي لدى السريان في المهجر وفي الوطن. هذه المجلة، التي استمرت لأكثر من ثلاثين عامًا، كانت ثاني أطول مجلة قومية سريانية، وامتد تأثيرها لتصبح ملتقى فكريًا عالميًا بفضل مساهمات صحفيين سريان من مختلف أنحاء العالم.
رؤية قومية ثاقبة
كان فريد نزها رائدًا في فصل القومية عن الدين، مؤكدًا أن السريانية هوية قومية وطنية لا ترتبط بالمعتقدات الدينية. قال بصوت عالٍ: “نريد عقد جامعة سريانية قومية ثابتة دون تمييز وفرق، فالقومية شيء والدين شيء آخر”. هذه الرؤية التقدمية جعلته محط أنظار، ليس فقط كصحفي، بل كمناضل دعا إلى توحيد اللغة السريانية، إنشاء جمعيات أدبية وثقافية، وتأسيس مدارس للإناث كجزء من لوازم الوحدة القومية. ومن أقواله الملهمة: “الروح القومية هي التي تُبنى عليها نهضة الأمم، والأمة التي لا روح قومية بها لن تعيش حياة حرة”.
مواقف جريئة وصراع مع الكنيسة
خلال الوحدة السياسية بين مصر وسوريا (1958-1961)، مُنعت مجلة “الجامعة السريانية” من الدخول إلى سوريا لمدة سبع سنوات بسبب مواقف فريد القومية التقدمية التي دعت إلى الوحدة الكنسية بين شطري الكنيسة المشرقية، وتفضيله أن يكون المقر البطريركي في دير الزعفران بدلاً من حمص. هذه المواقف أثارت جدلًا مع البطريرك مار إفرام الأول برصوم، ال “، لكنه رفض بشدة، مُصرًّا على هويته القومية السريانية. ردًا على ذلك أصدر البطريرك قرار حرمان بحقه، لكن هذا القرار رُفع لاحقًا من قبل البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث بعد وفاة برصوم، في خطوة تُظهر عدالة الكنيسة في تصحيح مسارها.
فريد لم يكن متعصبًا، بل كان عادلًا في نقده. في عدد سبتمبر وأكتوبر 1947 من مجلته، تناول خلافًا بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة المشرقية السريانية تحت عنوان “الكنيسة المسيحية بين اليعقوبية والنسطورية”، مُظهرًا رؤية نقدية متوازنة. كما تأثر بكتابات نعوم فائق، الرائد القومي السرياني، وتبنى نهجًا مماثلاً في الدفاع عن الهوية السريانية.
إرث ثقافي واجتماعي
في عام 1934، أسس فريد ناديًا ثقافيًا سريانيًا في الأرجنتين باسم “الجمعية الإفرامية”، ضم المهاجرين السريان، وساهم في تعزيز الروابط الثقافية بينهم. من خلال عموده الدائم في “الجامعة السريانية”، هاجم فريد التفرقة الكنسية، مؤكدًا أن القومية يجب أن تسمو فوق الانقسامات الدينية. كما عارض تبني الكنيسة للغة العربية في الطقوس، معتبرًا ذلك تهديدًا للهوية السريانية. ومن أقواله المؤثرة التي تعكس فخره بهويته: “أنا سرياني، ولو قُدر لي العودة إلى ما قبل خلقي وخُيّرت أبن من أكون ولأي أمة أنتمي، لما اخترت أبًا غير أبي ولا أمة غير أمتي”.

حياته الشخصية ووفاته
تزوج فريد من أميليا سوليداد، وهي من أصول إيطالية، ورُزق منها بتسع بنات وابن واحد يُدعى إلياس. عاش حياة حافلة بالعطاء، مكرسًا نفسه للجهاد القومي والأدبي دون كلل. في 19 أكتوبر 1969، توفي فريد إلياس نزها إثر سكتة قلبية عن عمر 75 عامًا، تاركًا إرثًا خالدًا في الصحافة والنضال القومي السرياني.
خاتمة
فريد إلياس نزها لم يكن مجرد صحفي، بل كان صوتًا ملهمًا لأمة تسعى للحفاظ على هويتها ووحدتها. من خلال “الجامعة السريانية” ومواقفه الشجاعة، أضاء طريق النهضة القومية، مؤكدًا أن الروح القومية هي أساس بناء الأمم الحرة. إرثه يبقى حيًا في قلوب السريان، كمنارة تذكّرنا بأهمية الوحدة والفخر بالهوية
في هذه السلسلة
فريد إلياس نزها: رائد الصحافة السريانية ومناضل القومية السريانية
شابو باهي: رمز الأدب والقومية السريانية
كبرئيل أسعد: رائد الموسيقى السريانية وصوت الهوية
ميادة بسيليس: صوت السريان الأصيل ورائدة الفن السوري
سليم حانا: رحلة الفنان السوري السرياني في عالم المسرح والدراما
اسكندر عزيز: أيقونة الفن السوري السرياني ورمز الإبداع الخالد
نوري إسكندر: سفير الموسيقى السريانية الشرقية ومؤرخ تراثها
عائلة أصفر ونجار: رواد الزراعة السورية في رحلة عبر الزمن
يوسف عبدلكي: فنان سرياني تشكيلي يجمع بين الإبداع والالتزام
يعقوب قريو: الصحفي والمفكر السرياني الذي حمل شعلة القومية والثقافة
سعيد إسحق.. رجل السياسة الذي عبر التاريخ بصمت
جهود إخماد حرائق اللاذقية مستمرة.. والإدارة الذاتية تسيّر قافلة دعم نحو مناطق الحرائق
اللاذقية، سوريا — لاتزال الحرائق التي اندلعت في مدينة اللاذقية، الخميس الفائت، والتي اجتاح…