‫‫‫‏‫4 أسابيع مضت‬

مزارعون سوريون يطالبون بتدخل الدولة بعد استيلاء ميليشيات على أراضٍ حدودية

ربلة، سوريا — مع بزوغ الفجر، تَخيّم على مدرّجات هذه القرية الزراعية، التي كانت يومًا ما مزدهرة، أجواء من الصمت الموحش. ففي أيار/مايو، تقدّمت مئة وعشرعائلات بعريضة إلى الحكومة السورية تتّهم فيها فصائل مسلحة قادمة من منطقة عرسال اللبنانية بالقيام بـ”غصبٍ بيّن” استولت خلاله على نحو أربعة الاف دونم (ما يعادل أربع ملايين متر مربع) من أراضيهم الزراعية المتوارثة، ونهبت جراراتهم ومواشيهم تحت تهديد السلاح، ما أدّى إلى انهيار القطاع الزراعي المحلي. 

يقول محمود يوسف، أحد المزارعين المتضررين: 

“مع حلول الليل، كانوا قد اقتادوا أغنامنا، وسرقوا الألواح الشمسية والمضخات. اليوم حظائرنا فارغة، وكرامتنا مهدورة.”

مطالب بالاسترداد والتعويض 

تتضمن عريضة أهالي ربلة مطلبين رئيسيين: 

أولًا، يطالب السكان الحكومة السورية بطرد جميع المعتدين القادمين من عرسال، وإعادة الأراضي المغتصبة إلى أصحابها الشرعيين، وتعويض كل أسرة عن المحاصيل والمعدات والمواشي المنهوبة، والتي تُقدّر قيمتها بأكثر من مليون ونصف المليون دولار أمريكي. 

ثانيًا، يناشدون السلطات بتوفير وجود أمني دائم من خلال نقاط ثابتة للجيش ومراكز للشرطة على طول الممر الحدودي المكشوف، الممتد من دير مار إلياس شرقًا وحتى مرتفعات عرسال، وذلك للحد من التهريب وردع أي اعتداءات مستقبلية. 

تاريخ ربلة ضارب في القِدم، إذ تعود جذورها إلى آلاف السنين. ووفق بيانات المكتب المركزي للإحصاء في سوريا، بلغ عدد سكانها خمسة الاف وثلاثمئة وثمانية وعشرون نسمة في إحصاء عام ألفين وأربعة، غالبيتهم من الروم الكاثوليك الملكيين. كما يُشير علماء الآثار إلى أن تلّة تقع على أطرافها هي موقع “ربلة” التوراتية المذكورة في سفر العدد (34:11)، في حين تُظهر نقوش رومانية أن البلدة كانت تُعرف قديمًا باسم “دافني”. 

تقول فاطمة درويش، إحدى المتضررات من الغارات المتكررة: 

“من دون نقاط تفتيش دائمة، لا معنى لأي وعود بدوريات. لا يمكننا تحمّل موسم حصاد آخر يُسرق منا تحت تهديد السلاح.”

حدود رخوة ونفوذ متفلت

تقع الأراضي المتنازع عليها في ما يُعرف محليًا بـ”الجيب الحدودي” — وهو شريط ضيق على سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية، حيث تتداخل الحدود بين منطقة عرسال اللبنانية والقرى السورية المجاورة. وعلى مدى عقود، حالت التضاريس الوعرة والممرات الجبلية المتشابكة دون بسط السيادة الكاملة، ما جعل المنطقة ممرًا مفتوحًا لتهريب الأسلحة والمخدرات، بل ولتسلل مسلحين في أوقات مختلفة. 

وفي آذار/مارس من العام ألفين وخمسة وعشرين، تصاعد التوتر على هذه الجبهة الهشّة عندما اندلع اشتباك مسلّح بين القوات السورية وقوات لبنانية، شملت عناصر من حزب الله، في محيط بلدة حوش السيد علي، بعدما اتّهمت دمشق الحزب بالوقوف خلف عملية توغل عبر الحدود. واستمرت الاشتباكات خمسة أيام، وأسفرت عن عشرات القتلى والجرحى، قبل أن يُعلن عن وقف لإطلاق النار في السابع من آذار / مارس، كاشفًا هشاشة الوضع على هذا الحد الفاصل. 



شكوك محلية وتحديات إقليمية 

في الشهر الماضي، أعلنت الحكومة السورية نيتها إرسال قوات من حرس الحدود ووحدات من الجيش لـ”الدفاع عن السيادة الوطنية واستعادة حقوق المواطنين”. غير أن العديد من سكان ربلة أعربوا عن شكوكهم إزاء هذه الوعود. 

ويحذر الخبير الأمني سمير المصري قائلًا: 

“الانتشار المؤقت لا يغني عن وجود دائم. وإذا فقد المزارعون الثقة بقدرة الدولة على حمايتهم، فقد يلجؤون إلى تشكيل أو دعم ميليشيات محلية، مما سيزيد من تفكك هذه المنطقة الحدودية الهشة.”

من جانبها، نفت الحكومة اللبنانية أي علاقة رسمية بعمليات الاستيلاء. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع اللبنانية:

“ندين أي انتهاك للسيادة السورية. قواتنا تحارب العصابات الإجرامية في عرسال، لكننا لا نستطيع مراقبة كل ممر جبلي.” 

حصاد الغموض والمجهول 

ومع حلول الليل، يعتلي سكان ربلة مدرّجاتهم الحجرية، ممسكين ببنادقهم وبالعريضة التي يعلّقون عليها آمالهم. ويعلو هتافهم الجماعي:   

“تحيا سوريا حرّة، أبية.”

لكنّ هذه الحرية، بالنسبة لأبناء هذه الأرض، لم تعد مجرد شعار، بل اختبار حقيقي لالتزام الدولة بحماية حدودها، أو تقاعسها عن التصدي لتوغلات مسلحة تنذر بتصعيد إقليمي أوسع. وإن لم تُتخذ خطوات حاسمة، فقد تتحوّل منحدرات هذه الحدود الهادئة إلى شرارة لصراع لا تُحمد عقباه. 

‫شاهد أيضًا‬

رئيس اتحاد الأندية السريانية في تركيا يعلق على تسليم السلاح ومستقبل المفاوضات

مديات، طور عابدين — أدلى “أوكين توركير”، رئيس اتحاد الأندية السريانية في تركيا…