ذاكرة أوروبا المنقسمة: انتصار في سودرتيليا ونكسة في إنشخيده
سودرتيليا/ إنشخيده — في أمسية صيفية دافئة من يونيو الماضي، صوّت مجلس بلدية سودرتيليا بالإجماع على إنشاء أول نصب وطني في السويد يخلّد ذكرى إبادة سيفو عام ألف وتسعمائة وخمسة عشر تكريما لأكثر من مليوني سرياني (آراميون–آشوريون–كلدانيون)، وأرمن ويونانيين ذُبحوا على يد الدولة العثمانية وحلفائها من القبائل الكردية منذ عام ألف وتسعمائة وخمسة عشروقد أظهر القرار، المموّل بالكامل من ميزانية البلدية وبدعم جميع الأحزاب السياسية باستثناء حزب واحد، أن صمتَ أجيال الظلام قد بدأ ينكسر أخيرًا.
من المقرر أن يُكشف النقاب عن النصب في الرابع والعشرين من شهر نيسان / ابريل من العام القادم في ساحة عامة، حيث سيرتفع صليبه المركزي تأكيدًا رزينًا على الإيمان والذاكرة والصمود. قال إلياس حنا، منسّق العمل المجتمعي وحفيد ناجين من سيفو: “إنه أكثر من حجارة ومعدن. إنه تجسيد قصتنا أخيرًا، مكتوبة في قلب أمة ترحب بنا”.
على مدى عقود، حمل الناجون وذووهم تاريخهم عبر الحدود من خلال اللغة والصلوات والشعر، في وقت ظلت الأرشيفات الرسمية صامتة. وفي سودرتيليا، حيث يعود نحو أربعون في المئة من سكانها بأصولهم إلى ضحايا سيفو، يتردّد صدى هذه القصة في كل حديث. لم يكن إقرار النصب مجرد مسألة بلدية؛ بل خطوة أخلاقية وإعلانا وطنيا مفاده أن العدالة المتأخرة لا تبرر التأجيل الأبدي.
أمّا في إنشخيده بهولندا، فقد طغى على الجالية السريانية (الآرامية–الآشورية–الكلدانية) خبر أقلّ تفاؤلًا قبل أسابيع قليلة. فعلى مدار ثلاث سنوات، سعى ناشطون محليون إلى نصب نصبٍ تذكاري في “فولكسبارك” حيث تُقام في الخامس عشر من شهر حزيران / يونيو من كل عام مراسم إحياء الذكرى. وفي ألفين وإاثنين وعشرين، منح العمدة اللجنة المنظمة (“لجنة سيفو 1915”) موافقته المبدئية شريطة حصول المشروع على دعم واسع من المنظمات المدنية والدينية السريانية المحلية.
لكنّ المفاوضات الطويلة حول التصميم والنقش والرمزية تعثّرت بعد ضغوط من جهاتٍ تركية محلية واحتجاجات دبلوماسية من أنقرة، فانسحب العمدة بحجة عدم توفّر الإجماع اللازم. وعندما رفعت اللجنة قضية على البلدية، قضت المحكمة الوطنية بحُجّية الشروط التي ربطت القرار بدعمٍ جماهيري، وحملت اللجنة تكاليف التقاضي.
هنا علّقت لينا يوسفخانا، عضو لجنة سيفو 1915، قائلة: “إنها متابعة لسيناريو الظلم ذاته. بذلنا قصارى جهودنا لتوحيد صفوفنا، لكن السياسة والخوف انتصرا”. وتواجه الجالية السريانية في إنشخيده، التي يقدر تعدادها بنحو ثلاثة عشر ألفا، اليوم إمكانية إعادة فتح المفاوضات من الصفر، من دون أي جدول زمني واضح.
نداء للصبر والمثابرة
تُظهر تضارُب نتائج مشروعي سودرتيليا وإنشخيده حجم الإنجازات التي تحققت وصعوبات الطريق المستمرة أمام السريان (الآراميين–الآشوريين–الكلدانيين) في سعيهم للاعتراف بالعنف التاريخي اللاحق بهم. ففي السويد، توجت عقود من العمل الشعبي والشراكة البلدية بإجماعٍ على القرار وخارطة طريق واضحة. أما في هولندا، فواجه المشروع نفسه تردّدًا سياسيًا وتدخلاً خارجيًا.
ومع ذلك، فإن الحق في الذاكرة ليس امتيازًا عابرًا، بل هو مطلب جوهري للعدالة. ولابد أن تُمنح محادثات إنشخيده الوقت والاحترام ذاته الذي خصّصته السويد لمجتمعها: حوارٌ مجتمعي حقيقي، وشفافية في اتخاذ القرار، وصبرٌ يكفل سماع أصوات الناجين وذويهم بلا تخوّف أو تحيّز.
“ندين بذلك لمن رحلوا ومن صمدوا على قيد الحياة أن نكمل المسار”، تؤكد يوسفخانا. “كما أظهرت السويد، قد يستغرق الأمر سنوات، لكن كل لحظة نقضيها في تفاوض صادق هي لحظة تكريم للأموات وتمكين للأحياء”.
عندما تُدشّن سودرتيليا نصبها في نيسان / أبريل من العام ألفين وستة وعشرين، ستكون أوروبا قد اكتسبت معلماً جديداً للذاكرة، وستجد ذاتها أمام مسؤولية متجددة. أما إنشخيده ومدنٌ أخرى في القارة، فتبقى الرسالة واضحة: إن تجسيد الحقيقة في حجر يتطلّب الوقت والنزاهة والتضامن مع الصامتين. حينها فقط تتحوّل النُصُبُ من رموز صراعٍ سياسيٍ إلى إرثٍ خالدٍ لكرامة الإنسان.
جهود إخماد حرائق اللاذقية مستمرة.. والإدارة الذاتية تسيّر قافلة دعم نحو مناطق الحرائق
اللاذقية، سوريا — لاتزال الحرائق التي اندلعت في مدينة اللاذقية، الخميس الفائت، والتي اجتاح…