إيفلين داؤود: فيروز السريان وبلبل الأغنية القومية
سلسلة عن السريان المؤثرين في تاريخ سورية الحديث
في زمنٍ كانت فيه الأغنية السريانية القومية تعبيرًا عن الهوية ونبضًا للانتماء، برزت إيفلين داؤود كرائدة نسائية أولى، حاملة مشعل الفن الملتزم الذي يمزج الحماسة الوطنية برومانسية عذبة. لُقّبت بـ”فيروز السريان” عن جدارة، ليس لجمال صوتها فحسب، بل لإخلاصها ونضالها المتواصل في سبيل إحياء التراث السرياني وتعزيز وعي أبناء أمتها بهويتهم. إيفلين، التي عاشت بين عامي 1935 و2003، تركت إرثًا غنيًا لا يزال يتردد في قلوب السريان في الوطن والمهجر.
نشأة واكتشاف الموهبة
وُلدت إيفلين داؤود في مدينة زحلة اللبنانية عام 1935، لكن عائلتها انتقلت إلى زالين (القامشلي) في سوريا، حيث ترعرعت وسط أجواء مشبعة بالألحان الكنسية التي شكلت وعيها الموسيقي الأول. في تلك المدينة السريانية النابضة بالحياة، اكتُشفت موهبتها الفذّة على يد المنشد البارز الملفونو يوسف شمعون، الذي شجّعها على الانطلاق في عالم الأغنية القومية والكنسية. شهدت تلك الفترة، خاصة عقود الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، نهضة ثقافية سريانية، حيث أبدع موسيقيون وشعراء مثل كبرئيل أسعد، الذي لحّن أناشيد خالدة كـ”هو دونحو شمشو” عام 1933، ونعوم فايق الذي غذّى الهوية السريانية بأشعاره.
ريادة الأغنية القومية
كرّست إيفلين حياتها للأغنية القومية السريانية، التي حملت رسائل حب الوطن والتاريخ. أدّت ألحانًا من تأليف كبار الملحنين مثل الأب بول ميخائيل كولي، الذي رافقها عزفًا على الأكورديون في تسجيلات عديدة، وإلياس أفندي بوياجي. من أبرز أناشيدها “آحاي علايمي” و”فروس ليشونو دابوهايك”، التي كتب كلماتها أدباء مثل الملفونو أوكين منوفر والملفونو يوحانون سلمان، خال إيفلين. ساهمت هذه الأعمال في إذكاء الوعي القومي، خاصة في كوزرتو (الجزيرة السورية)، حيث كانت مؤسسات مثل نادي الرافدين والكشاف السرياني وجمعية رحمات عيتو ولشونو منابر لتعزيز الهوية.
من محطاتها الفنية المميزة تسجيل أغنية “آحاي عليمه بنايو داومثو دوسوريويوثو” عام 1951، بكلمات الراهب أفرام عبودي وألحان الأب بول ميخائيل، والتي أعيد تسجيلها لاحقًا بصوت كورال مار أفرام السرياني في حلب. هذه الأغنية، وغيرها، لاقت رواجًا كبيرًا بين السريان، مشعلةً في قلوبهم فخر التاريخ وحب الأمة.

دور ثقافي واجتماعي
لم تقتصر إيفلين على الغناء، بل كانت ركيزة أساسية في المجتمع السرياني بزالين (القامشلي). عملت في التعليم المدرسي، ودرّبت الكورالات، وكانت مرشدة في الكشاف السرياني، ومنشدة أولى في نادي الرافدين. شاركت في مناسبات ثقافية عديدة، بما في ذلك المهرجان الكشفي السرياني في حلب عام 1956، حيث كان صوتها جسراً لتعزيز الروح الجماعية. غالبًا ما أدّت إلى جانب منشدين مثل الملفونو يوسف شمعون والملفونيثو سعاد يوسف إيليو، مضيفةً تنوعًا وإبداعًا للعروض.
إرثٌ خالد
رحلت إيفلين داؤود عام 2003، لكن أناشيدها لا تزال حية في الضمائر، تُردّد في المحافل السريانية حول العالم. إرثها يتجاوز صوتها العذب إلى دورها كمناضلة ثقافية حفظت الهوية السريانية في زمن التحديات. لقب “فيروز السريان” يجسد مكانتها كرمز للإبداع والالتزام، ومكتبتها الغنائية كنزٌ يروي قصة أمة متمسكة بتراثها.
إيفلين داؤود لم تكن مجرد منشدة، بل صوت أمة، ونبض هوية، وجسر بين ماضٍ عريق ومستقبل واعد. أغانيها، التي تحمل عبق التاريخ وأمل الغد، ستبقى خالدة، تذكرنا بأن الفن الحقيقي هو الذي يحيي الروح ويوحد القلوب
في هذه السلسلة
إيفلين داؤود: فيروز السريان وبلبل الأغنية القومية
فريد إلياس نزها: رائد الصحافة السريانية ومناضل القومية السريانية
شابو باهي: رمز الأدب والقومية السريانية
كبرئيل أسعد: رائد الموسيقى السريانية وصوت الهوية
ميادة بسيليس: صوت السريان الأصيل ورائدة الفن السوري
سليم حانا: رحلة الفنان السوري السرياني في عالم المسرح والدراما
اسكندر عزيز: أيقونة الفن السوري السرياني ورمز الإبداع الخالد
نوري إسكندر: سفير الموسيقى السريانية الشرقية ومؤرخ تراثها
عائلة أصفر ونجار: رواد الزراعة السورية في رحلة عبر الزمن
يوسف عبدلكي: فنان سرياني تشكيلي يجمع بين الإبداع والالتزام
يعقوب قريو: الصحفي والمفكر السرياني الذي حمل شعلة القومية والثقافة
سعيد إسحق.. رجل السياسة الذي عبر التاريخ بصمت
العراق ينقل تسعمائة وخمسين نازحًا من مخيم الهول لموطنهم في العراق
سوريا- العراق- يُعتبر العراق من الدول الرئيسية التي تواصل تنفيذ عمليات إعادة مواطنيها من ا…