توغل عسكري إسرائيلي يُفاقم التوترات في جنوب سوريا
القنيطرة / دارمسوق (دمشق) — تواصل الأوضاع الأمنية في جنوب سوريا تدهورها، مع تنفيذ القوات الإسرائيلية توغلاً برياً جديداً، فجر الأحد، استهدف بلدتي سويسة وعين زيوان في ريف القنيطرة الجنوبي. وأسفر التوغل عن مداهمة عدد من المنازل وإطلاق نار عشوائي، مما عمّق المخاوف المحلية وزاد من هشاشة الاستقرار في المنطقة، قبل أن تنسحب القوات من الموقع.
وبحسب ياسمين أبو عساف، وهي من سكان بلدة عين زيوان، فقد “دخلت وحدة عسكرية إسرائيلية القرية قبل الفجر، داهمت ثلاثة منازل وأجرت عمليات تفتيش دقيقة”، مشيرة إلى أن أسباب العملية لا تزال مجهولة. وأكّدت أن القوة انسحبت لاحقاً دون تسجيل أي حالات اعتقال.
لكن الوضع ازداد توتراً عندما توغلت قوة إسرائيلية أخرى في بلدة سويسة المجاورة، وأطلقت وابلاً من الرصاص الحي في الهواء، مما أثار الذعر بين السكان. وقالت ياسمين في حديث لـسيرياك برس: “عمّت الفوضى، والرصاص أثار هلعاً واسعاً، وهربت العديد من العائلات إلى المخابئ دون أن تعرف ما الذي يحدث”.
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تصدر الحكومة السورية أو قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المتمركزة في منطقة الجولان أي تعليق رسمي على عملية التوغل. ويغذي هذا الصمت الرسمي التكهنات بشأن دوافع إسرائيل وانعكاساتها على استقرار المنطقة الهشّ.
عمليات الجيش الإسرائيلي في القنيطرة والمناطق المحيطة بها باتت شبه يومية، حيث تشير مصادر محلية إلى أن العديد منها يتضمن اعتقالات عشوائية، شملت قصّراً، دون تقديم أي مبرر قانوني واضح، مما أجّج الغضب الشعبي وعمّق الإحساس بالإفلات من العقاب.
وتأتي حادثة 13 تموز بعد أيام من عملية إنزال جوي نفذتها القوات الإسرائيلية في 4 تموز قرب بلدة يافور، حيث هبط جنود مظليون داخل الأراضي السورية، وهي خطوة استفزازية غير معتادة أثارت قلقاً حتى في أوساط مؤيدة للحكومة في دارمسوق (دمشق).
وفي حين ترزح القنيطرة تحت ضغط التصعيد العسكري الإسرائيلي، تحولت محافظة درعا المجاورة إلى بؤرة للاحتجاجات الشعبية والمقاومة المدنية. فخلال الأسبوع الماضي، خرج العشرات من أهالي بلدة تسيل ومناطق مجاورة في مظاهرات منادية بخروج عناصر تنظيم داعش السابقين، ومنددة بالتوغل الإسرائيلي المستمر، وسط اتهامات بتغاضي دمشق عن هذه الانتهاكات.
ورفع المتظاهرون لافتات كُتب عليها: “لا للإرهاب، نعم للعدالة”، و”سوريا للسوريين، لا للمرتزقة ولا للمحتلين”. وعبّر المحتجون عن استيائهم من تقارير تفيد بـإعادة دمج مقاتلين سابقين من داعش ضمن أجهزة أمنية محلية، بغطاء غير معلن من النظام في دارمسوق.
وشهدت بلدات تسيل وإنخل وجاسم تظاهرات هتف خلالها المشاركون ضد عودة الجماعات المتطرفة، وضد غياب المساءلة إزاء الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة. وفي بعض الحالات، أقام المحتجون حواجز طرقية، ووقعت مواجهات محدودة مع ميليشيات موالية للنظام حاولت فضّ التجمعات بالقوة.
وقال أحد وجهاء المجتمع المحلي لسيرياك برس، طالباً عدم كشف اسمه: “شعب درعا محاصر بين نار التطرف من جهة والاحتلال من جهة أخرى. نريد السلام، لكننا أيضاً نطالب أن يُسمع صوتنا”.
تُظهر الضغوط المتزامنة من الاختراقات الإسرائيلية، وبقايا الجماعات المتشددة، وتهميش الدولة المركزية، حجم التعقيد الذي يكتنف المشهد الأمني في الجنوب السوري. ومع تصاعد المخاوف من اندلاع مواجهة مفتوحة، وغياب أي مسار سياسي واقعي، بات السكان يعتمدون أكثر على المبادرات المحلية والحراك المدني لفرض إرادتهم ضمن هذا السياق المتقلب.
وقال العقيد أبو محمد القطيني في تصريح لـسيرياك برس: “تزعم الحكومة الإسرائيلية أن هذه عمليات وقائية، لكن غياب الشفافية، وسقوط الضحايا المدنيين، وازدياد حدة العمليات، كلها مؤشرات على وجود أجندة أعمق تهدف إلى إعادة رسم واقع الحدود الجنوبية لسوريا بعد الحرب”.
تتزايد الدعوات المطالِبة بإجراء تحقيقات مستقلة في عمليات التوغل الإسرائيلية، وكذلك في السياسات الأمنية المتبعة في محافظتي درعا والقنيطرة، حيث يطالب نشطاء بضرورة تدخل المجتمع الدولي وضمان مراقبة ميدانية حقيقية.
في ظل تواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية واتساع رقعة الاحتجاجات المدنية في الجنوب، تتعرض قدرة الحكومة السورية على فرض سيادتها وضمان أمن مواطنيها لاختبار متجدد. ويُحذر خبراء من أن غياب تدخل فعّال من أطراف دولية كـالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد يزج بالمنطقة في مزيد من الفوضى والاحتراب بالوكالة.
في خضم هذا المشهد المعقّد، تعبّر حالة الغليان الشعبي عن حقيقة واحدة واضحة: الناس يريدون استعادة كرامتهم، أمنهم، وحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم.
مؤتمر الحسكة… منبر للحوار أم ساحة صراع على الشرعية؟
بقلم: بسام إسحاق | رئيس المجلس الوطني السرياني في سوريا، وعضو الهيئة الرئاسية لمجلس سوريا …