توترات طائفية، ضربات جوية أجنبية، وأزمة إنسانية: كيف انهار وقف إطلاق النار في السويداء
السويداء، سوريا — لوهلة مساء 16 تموز، بدا أن الهدوء قد يعود إلى السويداء. فقد دخل وقف إطلاق النار الثالث — الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية وعربية وتركية — حيز التنفيذ، واعدًا بإنهاء موجة العنف المتصاعدة التي اجتاحت المحافظة الجنوبية منذ 13 تموز. وبموجب الاتفاق، كان من المقرر أن تنسحب القوات الحكومية السورية إلى ثكناتها، وتتولى القيادات الدرزية والشرطة المدنية مهمة الأمن المحلي، مع تشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في جرائم القتل.
لكن خلال 48 ساعة فقط، بدأ وعد السلام في الانهيار.
ففي 16 تموز، أصدرت الرئاسة السورية بيانًا نادرًا في وقت متأخر من الليل أعلنت فيه انسحاب قواتها من السويداء. ووصفت الخطوة بأنها بادرة حسن نية وخفض للتصعيد، مشيرة إلى “احترام الدولة للطابع الفريد للمحافظة ذات الغالبية الدرزية” و”حرصها على وحدة سوريا”.
جاء ذلك بعد أيام من الاشتباكات العنيفة بين وحدات الدفاع المحلي الدرزية ومسلحين بدو، يُقال إن بعضهم مدعومون من شخصيات قريبة من الحكومة السورية. وشهدت بلدات مثل شهبا والقنوات وضواحي مدينة السويداء نفسها معارك وقصفًا بالأسلحة الثقيلة.
وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مساء الأربعاء أن ما لا يقل عن 169 شخصًا قُتلوا، وأُصيب أكثر من 200 آخرين منذ 13 تموز، في واحدة من أعنف التصعيدات الداخلية في الجنوب منذ اندلاع الحرب.
اقرأ أيضًا: توترات متصاعدة في السويداء مع تعمّق الاشتباكات
في الليلة نفسها، شنّت طائرات حربية إسرائيلية غارات جوية موسعة على مبانٍ حكومية في دارمسوق (دمشق)، استهدفت وزارة الدفاع ومرافق عسكرية قريبة من القصر الجمهوري. ورغم أن إسرائيل أعلنت أن الضربات تهدف إلى منع عودة القوات السورية إلى السويداء، إلا أن التوقيت أرسل رسالة واضحة مفادها أنه لن تُقبل أي عسكرة قرب المناطق الدرزية.
ورغم وقف إطلاق النار، عادت الاشتباكات صباح الخميس، 17 تموز، إذ اشتبك مقاتلون بدو — قيل إنهم قدموا من ضواحي الصحراء — مع وحدات درزية محلية في محيط قرية الكفر.
وسرعان ما تبادلت الأطراف الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار. حيث زعمت الفصائل الدرزية أن البدو لم يلتزموا أبدًا بشروط الاتفاق، فيما تحدثت وسائل إعلام النظام عن أعمال انتقامية ضد مجتمعات بدوية نازحة، ما زاد من حدة الاحتقان الطائفي.
ومع توسع الاشتباكات، نفذت إسرائيل جولة جديدة من الغارات الجوية، هذه المرة قرب الممر الجنوبي للسويداء، مستهدفة قافلة مشبوهة لمقاتلين غير نظاميين يُعتقد أنهم كانوا يتحركون نحو المنطقة من الشرق.
وظهر الرئيس السوري أحمد الشرع مساء الخميس على التلفزيون الرسمي داعيًا إلى الهدوء، مدينًا “التدخلات الخارجية”، ومؤكدًا في الوقت نفسه “حق الحكومة في حفظ النظام”. وعلى الرغم من تعهده بعدم إدخال قوات جديدة إلى السويداء، اتهم “الميليشيات غير النظامية” بعرقلة اتفاق وقف إطلاق النار.
كلمة السيد الرئيس أحمد الشرع حول تطورات الأوضاع في السويداء واعتداءات الكيان الإسرائيلي#رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية pic.twitter.com/rjjehzUndD
— رئاسة الجمهورية العربية السورية (@SyPresidency) July 17, 2025
في 17 تموز، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لمناقشة التصعيد. وحذّر المبعوث الأممي غير بيدرسن من أن جنوب سوريا بات مجددًا “برميل بارود جيوسياسي”، في ظل الغارات الإسرائيلية المتصاعدة، والتوترات الطائفية المتفاقمة، وهشاشة بنية الاتفاقات.
ورغم أن تركيا والولايات المتحدة رحبتا بوقف إطلاق النار الأولي، إلا أنهما أقرتا مؤخرًا بخطر انهياره. ووصفت واشنطن انسحاب القوات السورية بأنه “خطوة مهمة”، لكنها دعت إلى “وصول إنساني فوري” و”ضبط النفس من جميع الأطراف”. فيما لزمت روسيا، الحليف السابق للنظام السوري المنهار، صمتًا لافتًا.
وبحلول 18 تموز، ورغم أن وقف إطلاق النار لا يزال قائمًا نظريًا، فإن القتال لا يزال مستمرًا على الأرض. وأعلنت لجان الأمن المحلية بقيادة الدروز سيطرتها الفعلية على عدة بلدات، لكنها أفادت بتعرضها لنيران قنّاصة ومداهمات متبادلة على خطوط التماس. ونفت الحكومة السورية إرسال تعزيزات جديدة، غير أن صور الأقمار الصناعية وتقارير مدنية أشارت إلى عودة الحشود العسكرية قرب شهبا.
أزمة إنسانية متفاقمة
وسط هذه الفوضى السياسية والعسكرية، تدهور الوضع الإنساني بسرعة.
وبحسب منظمات المجتمع المدني المحلية، فقد نزحت أكثر من 2000 عائلة من ريف السويداء منذ اندلاع العنف. وتوزع كثير منهم في مدارس ومساجد مكتظة في درعا، وصلخد، وحتى عبر الحدود إلى الأردن، حيث لا تزال الممرات الإنسانية مغلقة إلى حد كبير.
ويعمل المستشفى الرئيسي في مدينة السويداء فوق طاقته، ويواجه نقصًا حادًا في الدم والأدوية ومعدات الطوارئ، وسط تقارير عن اغتيال عدد كبير من الكوادر الطبية العاملة فيه. ويقول المسعفون الميدانيون إن سيارات الإسعاف عاجزة عن الوصول إلى الجرحى في البلدات النائية بسبب الأوضاع الأمنية.
كما أُغلقت المخابز ومحطات الوقود في عدة أحياء، إما بسبب الدمار أو نقص الإمدادات. ويقول متطوعو المجتمع المدني إن المواد الغذائية بدأت بالنفاد سريعًا، خاصة في مناطق مثل عرمان والقريا، حيث قُطعت الطرق جزئيًا بالحواجز المؤقتة.
وقد ناشدت وكالات الإغاثة الدولية، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري، السماح الفوري بالوصول إلى المنطقة. وحتى 18 تموز، لم تتلق أي ضمانات بهذا الشأن.
Alarmed by the recent upsurge in violence in Suwayda, the @UN #Syria Commission of Inquiry is calling on all parties to cease fire and protect civilians caught in the latest conflict.
More ➡️ https://t.co/BEHN0PZFKz pic.twitter.com/h0uEyli2II
— UN Human Rights Council Investigative Bodies (@uninvhrc) July 15, 2025
ويحذر المراقبون الإنسانيون من أن السويداء قد تواجه أزمة صحية عامة في غضون أيام إذا لم يُسمح بمرور قوافل الإغاثة.
ما بدأ كخلاف أمني محلي، تحوّل إلى أزمة إقليمية، غذّى السرديات الطائفية، وفضح هشاشة الحوكمة السورية في مرحلة ما بعد الحرب.
ومع توسع الغارات الإسرائيلية، واستمرار التهديد بعودة القوات الحكومية، يبقى مصير سكان السويداء غامضًا. وقد جدد القادة الدروز مطلبهم بالحكم المحلي والحماية من النظام والجهات الخارجية على حد سواء — لكن الطريق إلى ذلك لا يزال ضبابيًا.
وفي هذه الأثناء، لا يزال المدنيون محاصرين بين اتفاقات منهارة، وهويات متناحرة، وأجندات أجنبية.
سؤالهم لم يعد من يحكم السويداء — بل: هل سيتكفل أحد بحمايتها؟
الاشتباكات الطائفية والغارات الجوية تدفع جنوب سوريا إلى حافة الانهيار
السويداء — استمرت أعمال العنف الطائفية في الاشتعال عبر محافظة السويداء جنوب سوريا يوم السب…